رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 13th May,2001 العدد:10454الطبعةالاولـي الأحد 19 ,صفر 1422

مقـالات

التدخين الآفة الأولى عالمياً
د. سليمان العنقري
الحديث عن التدخين قديم قدم هذا الداء الذي منيت به الأمة الإسلامية خاصة والبشرية عامة حيث انه استشرى وبكل أسف بين جميع الطبقات رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً وانتشر في كل المجتمعات وأصبح مصدر شكوى في كل زمان ومكان. لقد ظهر هذا الداء على الوجه المعروف به اليوم «الدخان» عام 1492م حيث إن بعض البحارة الإسبان رأوا شجرة الدخان عند اكتشافهم القارة الأمريكية .. وقد انتشر الدخان انتشاراً عجيباً في اوروبا نهاية القرن السادس عشر وتمت محاربته هناك منذ ذلك التاريخ .. وأول ما ظهر في البلاد الإسلامية كان في أواخر القرن العاشر الهجري. ولقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن دول العالم الثالث تستهلك الآن القدر الأكبر من السجائر وأن نسبة استهلاك العالم الثالث من الدخان تزيد كثيراً على نسبة الاستهلاك في أوروبا وأمريكا مع وضع عدد السكان في الاعتبار وأشارت منظمة الصحة العالية إلى دول بعينها ـ الصين ومصر ـ التي جاءت في أول القائمة بالنسبة لاستهلاك السجائر. ومن الملاحظ أن إعلانات شركات الدخان عن سجائرها طغت وبشكل ملفت للنظر على جميع الإعلانات وباتت معظم وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وكذلك المطبوعات من مجلات وصحف تتسابق لتظفر بإعلانات هذه الشركة أو تلك حتى ان بعضا من مطبوعاتنا ـ وللأسف ـ دخلت في هذا الطريق المظلم وأصبحت تنافس غيرها في هذا المنزلق الخطير. ان الإنسان ليتساءل دائماً ما الذي يجعل شركات الدخان تصول هكذا وتجول في شتى البلاد المتحضر منها والمتخلف؟ وحكوماتها لا تملك الا ان تطلب أن تكتب على استحياء على كل علبة سجائر أو إعلان عن السجائر كلمة «التدخين مضر بالصحة وسبب رئيسي للسرطان وأمراض الرئة وأمراض القلب والشرايين».
ولعلنا لا نعجب إذا علمنا أن العبارة المشار اليها التي تكتب على كل علبة سجائر قد ظلت مشروعاً لقانون ظل تائهاً بين دهاليز الكونجرس الأمريكي لأكثر من 25 عاماً قبل أن يخرج إلى النور وذلك طبعاً يرجع إلى قوة ونفوذ وتغلغل شركات الدخان وأنصارها. ولقد حاول كثير من المصلحين مكافحة التدخين باعتباره مكلفاً ومدمراًَ للصحة العامة طبقاًَ للتحذيرات المشار لها فأعلنت بعض معامل الأبحاث أن العلماء توصلوا إلى نوع من السجائر غير الضارة لا تحتوي على القار والنيكوتين بالنسبة المرتفعة الموجودة في السجائر الحالية. وكانت اليابان من بين الدول التي تسربت الأنباء عن نجاحها في هذا المجال لكن شركات الدخان اكتشفت ان السجائر غير الضارة لا تصنع حالة اعتياد يقترب من الإدمان مثلما تفعل السجائر الحالية، لذلك دفعوا الملايين من أجل الإبقاء على السيجارة غير الضارة في نطاق السرية ولم تظهر شركات اخرى لتصنع السيجارة السرية لأنها لا تضمن انتشار التوسيع. وعندما نبحث عن سر قوة الشركات نجده ببساطة في قوتها المادية الرهيبة التي تغري أياً من كان لينصاع إلى مصالحها ويعمل لحسابها حيث إن شركات التدخين أنفقت في عام واحد مبلغ 27.3 مليار دولار على الإعلانات والدعاية المختلفة للتدخين أي ما يساوي مائة دولار في كل ثانية على مدى الأربعة والعشرين ساعة طوال السنة. إن الإنسان ليتساءل حقاً ما الفرق بين مافيا المخدرات وبين مافيا التدخين وتجارها وبين شركات الدخان التي تبيع الموت على مرأى ومسمع من الجميع وفي حماية الحكومات. والمقارنة هنا ليس فيها تجن أو إجحاف فلقد ثبت طبياً أن ما يحدثه التدخين من أضرار وتلف لخلايا المخ يعادل نفس التأثير الذي يحدثه تعاطي الكوكايين ولكن على المدى البعيد وبأسلوب غير حاد وسريع بالإضافة إلى ما يسببه من أورام وأمراض في القلب والشرايين. وعلى الرغم من ذلك ظلت الحرب الخفية مستمرة بين الحكومات والمسؤولين وبين مافيا التدخين فتغلغلوا إلى الوزراء والأطباء والرياضيين والفنانين الذين يقلدهم الشباب ويرون فيهم القدوة وأقاموا الحفلات ظاهرها الفن أو الرياضة وباطنها المكاسب الطائلة على حساب ضعف الإنسان أمام شهواته ونفسه الضعيفة الأمارة بالسوء.
لقد أعلنت شركات التدخين مؤخراً عن 599 مادة كيماوية تقوم بإضافتها الى السجائر وذلك لإضافة نكهات مميزة لها تبين أن كثيراً منها سامة من بينها مبيد نباتي يسمى ميثابرين ومادة النشادر. وتشير إحدى الدراسات الاقتصادية والنمائية والصحية التي نشرت في ألمانيا أخيراً استهلاك السجائر في العالم إلى أن نسبة هذا الاستهلاك قد سجلت قفزات غير متوقعة في الدول النامية والدول التي تسير في طريق التصنيع والنمو الاقتصادي في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأضافت الدراسة بأن عدد السجائر التي أنتجت في العالم العام 1993م بلغ أكثر من خمسة آلاف مليار سيجارة وفي عام 2000م تجاوز الإنتاج 25 مليار سيجارة ونظرة إلى أخطار التدخين أكتفي بأن أقف بالقارئ الكريم على إحصائية بضحايا هذا الداء السام فلقد ارتفعت معدلات وفيات المدخنين في العالم 9 ملايين عام 1965م وفي عام 1975م وصل الرقم إلى 13 مليون وفي عام 1985م تجاوزت الوفيات 17 مليوناً ثم وصل عدد الوفيات بسبب التدخين إلى 21 مليوناً عام 1995م وفي عام 2000م تجاوز العدد 25 مليوناً، كما أشارت نتائج بعض الأبحاث التي استمرت ثمانية أعوام ونشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية «جاما».. ان التدخين كان سببا في 20% من مجموع الحالات المصابة باكتاراكتا أو المياه البيضاء في الولايات المتحدة الأمريكية والتي وصلت إلى ثلاثة ملايين حالة وأن خطر الإصابة بالمياه البيضاء يتضاعف لدى من كانوا يدخنون أكثر من 20 سيجارة يومياًَ مقارنة بغير المدخنين، كذلك زادت نسبة الإصابة بين النساء المدخنات بمقدار 60% مقارنة بغير المدخنات. وتؤكد بعض الدراسات إلى تزايد أعداد النساء من المدخنات ومن هنا يأتي الخوف على المواليد حيث أوضحت دراسة أمريكية حديثة أن مواليد البنات دون الذكور اللواتي تنجبهن أمهات يمارسن آفة التدخين أثناء فترة الحمل ربما يكن ـ أي البنات المولودات عرضة للتدخين حيث إن دماغ الجنين الأنثى يتشبع بالنيكوتين ـ.وقالت الدراسات إن التجارب والدراسات على الحيوان أظهرت ان مادة النيكوتين قبل الولادة تؤثر على نشاط معين للمخ. ومن ناحية ثانية فإن معظم الدراسات الأخرى تظهر أن الأطفال يعانون إذا كان آباؤهم وأمهاتهم من المدخنين كما أوضحت دراسة أخرى بأنه حتى الأمهات اللاتي لا يمارسن عادة التدخين يحملن أطفالاً دون الوزن الطبيعي إذا كان أزواجهن يدخنون وهذا هو المقصود بالتدخين المستتر الذي يتعرض له غير المدخنين ويستنشقونه من المدخنين وجوهر الموضوع هنا ـ أن تأثير التدخين المستتر على صحة غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان السجائر يساوي في ضرره التأثير الواقع على المدخنين المباشرين فحكم غير المدخنين المعرضين للدخان ـ وفق مفهوم التدخين المستتر هو نفس حكم مدمني التدخين وذلك من حيث احتمال تعرضهم للأضرار الصحية الناتجة عن التدخين السلبي أو المفروض وأول دراسة طبية موثقة في هذا الخصوص تمت في جامعة هارفارد الأمريكية تحت إشراف فريق طبي دولي وركزت على توضيح تأثير التدخين المستتر على الرئتين وأعقب ذلك دراسات دولية عديدة أظهرت وجود علاقة واضحة مباشرة بين التدخين المفروض وبين سرطان الرئة كما وجدت بعض الدراسات الطبية غير الحكومية تأثيراً مباشراً للتدخين المستتر على أمراض القلب والشرايين . وأفاد تقرير حديث لوكالة حماية البيئة الأمريكية اعتمد على 31 دراسة طبية موثقة تمت في الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والسويد واليونان والصين وهونج كونج بأن التدخين السلبي يؤدي إلى مقتل حوالي ثلاثة آلاف أمريكي سنوياً نتيجة إصابتهم بسرطان الرئة. وأشار التقرير إلى وجود دراسة واسعة تجري حاليا تحت إشراف الوكالة لتحديد عدد وفيات حالات القلب والشرايين بين غير المدخنين وتفيد إحصائيات موثقة طبية ولكنها غير رسمية «صادرة عن الجمعية الأمريكية للقلب» بأن التبغ يقتل سنوياً حوالي ثلاثة وخمسين ألف أمريكيا من غير المدخنين بسبب تعرضهم للتدخين السلبي، وهناك دراسات أمريكية طبية اخرى تفيد بوجود علاقة مباشرة بين التدخين المستتر وبين وفاة أربعة آلاف شخص سنوياً على الأقل نتيجة إصابتهم بسرطان الرئة وتفيد مجموعة من الدراسات بأن أكثر الأشخاص تأثراً بالتدخين الكامن او المستتر هم النساء المتزوجات رجال مدخنين وكذلك الأطفال المقيمون مع والدين مدخنين أحداهما أو كلاهما وخاصة الأم، ولقد أوضح تقرير وكالة حماية البيئة الأمريكية خطورة دخان السجائر على صحة الأطفال وأفاد بوجود علاقة مباشرة بين التدخين المستتر وبين حوالي ثلاثمائة ألف إصابة سنوية بأمراض الجهاز التنفسي للأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر شهراً وأن حوالي خمسة عشر ألفاً من هذه الحاصلات تستدعي عناية خاصة في المستشفيات ، وأفاد التقرير أيضا بأن التدخين السلبي يزيد سوء حالة حوالي «من مئتي ألف إلى مليون طفل» سنوياً من المصابين بالربو والأزمات الصدرية. ولم تتوقف أضرار التدخين على الإنسان فحسب بل امتدت إلى المحاصيل الزراعية حيث ان بعض الدراسات العلمية أثبتت أن الفيروسات الموجودة في «التبغ» تنتقل في المزارع من المدخن إلى محاصيل الخضر والفاكهة مثل الطماطم والباذنجان والبطاطس والموز بمجرد لمس المدخن لها، وتؤكد الدراسة أن فيروس التبغ يظل موجوداً بعد انتهاء السيجارة في رمادها حيث انه يتحمل درجات الحرارة المرتفعة والناشئة عن اشتعالها والتي تصل إلى 200 درجة مئوية، وكان من المعتقد أن هذا الفيروس ينتقل عن طريق الحشرات الثاقبة الماصة ولكن الملاحظة أكدت انتقاله عن طريق العمال أو المزارعين المدخنين خاصة أثناء تواجدهم في المزارع المحمية حيث إنهم يساهمون بدرجة كبيرة في عدوى النباتات بهذا المرض الخطير الذي يسبب إصفرار النبات وقلة إنتاجه. أما ما يشاع من أن التدخين يخفف التوتر النفسي فقد فند الطب مؤخراً هذا الزعم الذي لا أساس له من الصحة فقد أكد أحد علماء النفس في جامعة شرق لندن أن المدخن يعاني توتراً نفسياً خطيراً لا يعانيه غير المدخن. وأضاف خبير علم النفس قوله إن المسؤول عن هذا التوتر هو النيكوتين الذي يسبب للمدخن في حالة قطعه عنه مضاعفات نفسية خطيرة، ويرتفع مستوى القلق والتوتر إلى حد كبير عند المدخنين الذين يتشوقون إلى التدخين بعد انقطاعه فترة وجيزة وعندما يشعل المدخن سيجارته فإنه يعيد هذا التوتر النفسي الزائد الى مستواه الطبيعي ويتكرر هذا الأمر قبل إشعال كل سيجارة وبعد تدخينها. وأشار عالم النفس إلى أن الأبحاث تؤكد أن مستوى التوتر النفسي لدى المدخنين الذين أقلعوا عن هذه العادة انخفض إلى حد كبير رغم مشقة الإقلاع وما يعانيه المتوقف عن التدخين في المراحل الأولى من قلق وتوتر. إن قراءة متأنية لما أشارت إليه الدراسات السابقة كافية لأن تكون لكل المدخنين تحذير خطير يعيد اليهم وعيهم وحرصهم على سلامتهم فالخسارة التي تجلبها هذه الآفة خسارة بكل معنى الكلمة خسارة حياة وخسارة مال وخراب بيوت لكثير ممن تستنزف هذه الآفة صحتهم وأموالهم ويجب ان نتذكر ان كل واحد منا سوف يسأل عن ماله مما أكتسبه وفيما أنفقه.
ص ب 56165 ـ الرياض 11554

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved