| الاقتصادية
يشكل القطاع الخاص في المملكة جزءاً كبيراً من حجم القوى العاملة، وبإمكانه استيعاب المزيد من هذه القوى، ثم إن احتياجات هذا القطاع من الأيدي العاملة متنوعة، وفي مختلف التخصصات، ولا بد أن يشارك هذا القطاع في مرحلة البناء بأي حال من الأحوال، لا سيما وأن الدولة توفر له كل فرص النجاح، بما يضمن له الاستقرار، وتحقيق أكبر قدر من العائد،
وبالمقابل يتساءل المواطن: هل أدى هذا القطاع دوره في عملية «التوظيف»؟،
أي ماحجم استيعاب هذا القطاع من القوى العاملة الوطنية؟،
هل تحقق من خلاله جزء من عملية السعودة التي تنادي بها الأجهزة المسؤولة عن ذلك؟،
الجواب على هذا يفترض ألا يكون عاماً ، والأصل ألا نحكم على هذا الواقع بصورة عفوية وإنما من خلال الإحصائيات والأرقام، لكي نعرف دور هذا القطاع في تنمية القوى الوطنية العاملة،
دعونا نناقش العملية بكل صراحة ووضوح!!!
ألسنا نردد في مجالسنا ومنتدياتنا أن هذا القطاع لا يؤدي دوره تجاه هذا الواجب بالصورة المطلوبة؟
ثم هل ننكر ان هذا القطاع لا يزال يحرص على استقطاب العديد والعديد من القوى العاملة الأجنبية؟
وهناك بعض الشركات والمؤسسات تضيق الفرص على ابن هذا الوطن من خلال بعض الممارسات التي تلجأ اليها بوضع شروط وعراقيل تحول دون التحاق المواطن بأي وظيفة بهذا القطاع؟
وفي المقابل ألم تضع الدولة ممثلة بأجهزتها الرسمية خطة طموحة من أجل تفعيل دور هذا القطاع فيما يخص مشاركته باستيعاب القوى الوطنية العاملة، من خلال فرضها عملية «السعودة» وطرح وظائفها لإشغالها بمواطنين،
السؤال القائم يتمثل في: ما هو مقدار نجاح هذه الخطط في فرض القوى الوطنية «السعودية» للعمل في القطاع الخاص، وتهيئتها لتسلم وظائفه، والقيام بدورها المطلوب؟
هل الخطط الموضوعة، والجهود المبذولة، وعلى مختلف المستويات، حققت نجاحاً ظاهراً في ذلك؟
في البداية وإحقاقا للحق من الأفضل أن نشير الى أن هذا القطاع استوعب عدداً لا بأس به من المواطنين عندما وضعهم في مواجهة هذه الأعمال، أقصد «أمام العين» فقط، وفي الوظائف التي لا تتطلب قدراً كبيراً من المسؤولية اي تلك التي لا تتمكن من معرفة أسرار المهنة وخصوصياتها، فعندما تدخل واحدة من هذه الشركات المتناثرة في مختلف مناطق المملكة تجد أمامك عدداً لا بأس به من المواطنين الذين وضعوا في صالات الاستقبال، أو الإشراف «الواجهي» فقط، لكن عندما تبحث عن حجم هذه القوى داخل هذه الشركات وفي الأماكن الفنية لأعمالها ، تجد المواطن «نادراً» !!! إن لم يكن معدوماً!!
وعندما تسأل لماذا؟ يصلك الجواب
لم نجد من يقوم بهذا العمل!!
السعوديون لا يرغبون مثل هذه الأعمال!!
الى غير ذلك من المبررات!!
فهل هذا صحيح؟
لاحظوا كيف تتعامل بعض الشركات مع عملية السعودة، إنها تخرق النظام بصورة واضحة جداً، بل ومضحكة أحياناً، لماذا؟ لأن العملية بمفهومها سهلة وبسيطة ولا تحتاج إلى تفكير!!!
التعليمات تفرض عليها أن تبحث عن مواطن يشغل هذه الوظائف لديها، وإذا ما احتاجت هذه الشركات او تلك الى عمالة معينة، وقدمت أوراقها الى مكاتب العمل او الاستقدام يطلب منها فوراً أن تعلن عن هذه الوظائف في الصحف المحلية، ثم تقوم هذه الشركة بالإعلان، وبعد مضي المدة المحددة ترفق مع طلبها السابق صورة من الإعلان بحجة انه لم يتقدم أحد، وأن الإجراء تم وفقاً للنظام!!
والمشكلة أن مكاتب العمل او الاستقدام ينتهي دورها بإرفاق هذا الإعلان، ولا تكلف نفسها عناء البحث الذي قد نجده ظاهراً للعيان من خلال فقرات الإعلان نفسه، ثم تسير الأمور على هذا المنوال، وتبدأ في النقد والإسقاط لماذا؟ لماذا؟،
إن المشكلة تتطلب التحليل العلمي، والفحص الدقيق لهذه الممارسات التي تقوم بها بعض هذه الشركات في القطاع الخاص، ثم فحص طبيعة الإجراء الذي تقوم به الأجهزة المختصة برقابة هذه الأجهزة، وتمكينها من الاستقدام وبهذا الحجم الهائل،
هل هناك توصيف لفئات الوظائف الخاصة بالقطاع الخاص؟
أقصد: هل مكاتب العمل او الاستقدام لديها دليل علمي يحدد مواصفات الوظائف الخاصة بهذا القطاع؟
وهل تم تصنيف هذه الوظائف وفقاً لاختصاصها وحجم المسؤولية فيها، كما هو الحال في وظائف القطاع العام؟
وهل تجديد العقود يتطلب التأكد من عدم وجود مواطن تتوفر لديه الشروط؟
إن وظائف الدولة في جميع فئاتها وهي تزيد عن المليون وظيفة جميعها مصنفة وفقاً لفئاتها، ومدى صعوبتها، ووفقاً لمستوى المسؤولين فيها، بحيث تحدد شروط شغلها بما يتناسب وهذه المواصفات، ولهذا تسهل عملية إشغالها، ونجحت الأجهزة الرقابية عليها في عملية «إحلال المواطن السعودي» فيها، لأنها وضعت معايير خاصة بها، تمنع من التحايل في عملية إشغالها حتى فرضت هذه المعايير نفسها على الواقع، وأصبح المواطن يقوم بأصعب الوظائف سواء كانت فنية أم مهنية أو حرفية ام إدارية دون تردد،وبكل نجاح، بينما كانت النظرة في البداية تراهن على فشلها، وأنه لا يمكن الاستغناء عن المتعاقد،
لماذا ينجح المواطن في القيام بمهام وظيفته الفنية او الحرفية في الوظيفة الحكومية، ويفشل زميله بالقيام بها في القطاع الخاص؟ رغم ان راتب الذي يعمل في الحكومة أقل!!!
لا نريد تكرار الإجابة السريعة المتمثلة في أن العمل بالقطاع العام أسهل من الخاص، لأن مثل هذا الجواب يرد عليه الواقع اذا ما علمنا ان هناك جهات في القطاع العام تؤدي دورها بكل قوة، ويفوق مستوى الأداء فيها مستوى الأداء في القطاع الخاص،
إن الإجابة على ذلك قد تظهر من خلال الاعتراف بالواقع، ومناقشة المشكلة بكل تجرد ووضوح!!
وهذه المشكلة متمثلة في «الكيفية التي تطرح بها هذه الوظائف» هل الأجهزة المعنية تراقب القطاع الخاص في عملية هذا الطرح من واقع إدراكها لماهية أعمال هذه القطاعات؟
أم أنها تتعامل معها من منطلق أن هذه الشركات الأدرى باحتياجاتها، وبالتالي فإن لها الحق في تحديد مستوى وظائفها وتحديد أجورها، وما عليها كأجهزة رقابية إلا أن تتأكد من سلامة الأوراق وحسن تنظيمها في «الملف العلاقي»؟!!
عندما نطرح هذه المشكلة إنما نهدف من وراء ذلك: الى تفعيل دور هذا القطاع للمشاركة وأداء دوره بالصورة المطلوبة، لأننا نرى أبناءنا في مختلف التخصصات المهنية والفنية ممن لا يستوعبهم القطاع العام بصورة كاملة، نجدهم يبحثون عن العمل في القطاع الخاص ولا يجدونه، بينما يقوم بوظائفهم التي من المفترض أنها أوجدت لهم، يقوم بها موظفون وعمال أجانب، بعضهم لا يحمل أي تخصص مهني أو خبرة عملية، وإنما فرض نفسه في الواقع من خلال هذه الفرص التي يتيحها له القطاع الخاص، ويحجبها عن المواطن بحجج بعيدة عن الواقع، وشبعنا من تكرارها بأن المواطن يرغب عملاً معيناً، وراتباً عالياً، ومكتباً فخماً ، ، إلخ،
لنبحث المشكلة بصورة واقعية بعيدة عن التنظير، ونجعل أجهزة الرقابة على القطاع الخاص تبحث عن أسباب هذا الإخفاق من خلال مراجعة إجراءاتها التي تعتمد على أساليب قد يكون الواقع تجاوز معظمها،
إنها مطالبة بأن تنزل للميدان بصورة مكثفة، وتعمل على تصنيف وظائف القطاع الخاص، وتحديد مسمياتها من خلال الواقع العملي، ثم تحدد شروطها والراتب المقابل لها، لا أن تترك ذلك لهذه الشركات تكيفها كيف تشاء، دون معرفة ماهيتها وطبيعتها،
ذلك لتستفيد هذه الأجهزة من تجربة القطاع العام في الوظائف الحكومية وكيف نجح هذا القطاع في إحلال المواطن بدل المتعاقد وفي أصعب الوظائف وأبعدها موقعاً،
على هذه الأجهزة ألا تستعجل الرد بأنها تقوم بكذا وكذا وأن ما ذكر في هذا المقال غير صحيح ومخالف للواقع بدليل، ، ، ودليل، ، ، فأنا أطرح المشكلة من خلال واقعها الماثل أمام الجميع، ولا يعنيني كمواطن حجم الاجراءات المتخذة وقوتها وضعفها إذا لم تحقق نجاحاً ألمسه!!
من المسؤول عن حجم هذه العمالة المتناثرة في كل مكان؟ والتي تكلف أجهزة الدولة الكثير من المصاعب في متابعة أوضاعها وشؤونها بسبب تسيبها،
ألم تستقدم كلها بصورة نظامية من خلال الاجراءات التي تقوم بها أجهزة الاستقدام؟ فأين هي عن مواقع عملها؟
ولماذا لا توجه للهدف الذي استقدمت من أجله؟ هل هو ناتج عن ضعف في الرقابة؟ أم أن استقدامها أصلاً كان خطأ، وهذا هو «، ، ، »،
إن حجم القوى العاملة في المملكة يفوق معدله في أي مكان آخر، وقد نجح القطاع العام في أداء دوره نحو ذلك، لكن القطاع الخاص ورغم هذه الفرص المتاحة لا يزال عاجزا عن تحقيق الحد الأدنى من هذه المهمة، بينما المفترض أن يكون العكس، ولا شك أن معظمكم يعرف أسباب ذلك ويطرح تصوراته عن هذه المشكلة، لكننا لا نفعل أدوارنا بصورة عملية، وكأننا ننتظر الحلول تأتي إلينا جاهزة،
إن مجلس القوى العاملة والذي يرأسه صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ويشترك في عضويته أشخاص من كبار مسؤولي الدولة ويتولى أمانته رجل من خيرة الأشخاص الذين سبق أن ناقشوا وطرحوا هذه المشكلة، له دور إيجابي في هذا المجال، ويؤكد دائما على تفعيل دور القطاع الخاص والاهتمام بموضوع إحلال المواطن بدل الوافد، لكن تبقى هذه الجهود عاجزة عن تحقيق أهدافها إذا لم تقم بقية الأجهزة المختصة وهذا القطاع نفسه يتحمل مسؤولياتها بالصورة المطلوبة من خلال الرؤية العامة الى تحقيق المصلحة المشتركة،
*هيئة التحقيق والإدعاء العام
|
|
|
|
|