أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 11th May,2001 العدد:10452الطبعةالاولـي الجمعة 17 ,صفر 1422

شرفات

الروائي الكبير خيري شلبي يبوح بشهادة جريئة لشرفات:
النقد حالياً ميت وما يكتب دعاية إعلامية!
الانفتاح حوَّل مجتمعنا إلى خيالات مآتة
الروائي الكبير خيري شلبي صاحب روايات: «الشطار» و«الأوباش» و«العراوي» و«أولنا ولد» و«الوتد» وأخيراً «صالح هيصه».. إنه صاحب مشروع روائي كبير يستمد جذوره من الحكي الشعبي.. من الناس البسطاء في القرية.. أو في هامش المدينة القاتلة لأحلام البسطاء.. يغني لهم ويؤرخ سيرة حياتهم الشريفة وكفاحهم في سبيل لقمة العيش. وفي المقابل يعرض بتهكم لاذع للصوص الكبار الذين يتسلقون كل معنى جميل ليمتصوا دماء الوطن.. هذا هو عالم خيري شلبي الذي سمح لنا أن نقتحم عالمه ونشتبك معه في هذا الحوار:
عالم الهامش
*نشأتك في بيئة ريفية بسيطة كيف ساهمت في اتجاهك إلى الكتابة؟
** نشأت باحدى قرى محافظة كفر الشيخ وكان من الممكن أن أكون فلاحاً أو موظفاً صغيراً لكن من حسن الحظ كان ابي يقرض الشعر ولديه مكتبة محدودة اتاحت لي الفرصة للاطلاع والاتجاه بخيالي في وجهة اخرى.
كما أن أحد أعمامي كان شيخاً أزهرياً ويمتلك بدوره مكتبة من نوع آخر، كانت بمثابة النافذة على التراث وكتب البلاغة وكل هذا ساهم في تشكيل معجمي الادبي فيما بعد. ولم يكن هناك تخطيط بالمعنى الدقيق لكي أحترف الكتابة أو آتي إلى القاهرة، والامر جاء محض صدفة، حين انتقلت من قريتي بكفر الشيخ للبحث عن عمل في مدينة الاسكندرية وهناك بدأت مشواري مع الكتابة ومراسلة بعض الصحف. وذات يوم وجدت أصدقائي في الاسكندرية قد قرروا المجيء إلى القاهرة فجئت معهم وأنا لا أعلم ما الذي ينتظرني.
* إذا تكلمنا عن ملامح تجربتك الابداعية، يلاحظ للوهلة الأولى أن أغلب رواياتك تقع في المساحة الملتبسة بين الريف والمدينة والتركيز على نحو خاص على المهمشين؟
** هذا طبيعي فأنا نشأت في الريف حتى سن الثامنة عشرة من عمري وهي فترة التكوين الاساسية لاي انسان. بما يعني انني عايشت وخبرت حياة هؤلاء الفلاحين واقتربت من همومهم وآمالهم، وحين سافرت الى الاسكندرية ثم الى القاهرة كان احتكاكي بالاساس بما تسميهم المهمشين. فمع هؤلاء عشت تجارب ذاتية ولا اكتب عنهم بالسمع او من خلال القراءات لان الكاتب لا يستطيع ان يكتب الا عن تجارب عايشها بالفعل او شارك في اجزاء منها.
وهؤلاء المهمشون هم القطاع العريض من الشعب المصري ولهذا ارفض تسميتهم بالمهمشين لانها تسمية متعالية تقلل من شأن هؤلاء رغم ان بعضهم يمتلك حساً إنسانياً واحساساً بالرجولة والكرامة قد لا يمتلكها الاثرياء او الطبقات الاخرى، التي تكون ثرية مادياً لكنها فقيرة روحياً وإنسانياً.
فن الملاحم
* وهل الكتابة عن الشخصيات الشعبية المطحونة او المغامرة تستفيد مباشرة من الملاحم الشعبية المعروفة؟
** أعتبر نفسي ابن الملاحم الشعبية، فمن حسن حظي كانت هذه الملاحم أول ما قرأت في عالم الخيال الأدبي، والسيرالشعبية ألف ليلة وليلة.. وفي مرحلة النضج قرأت الأدب الأوربي مبتدئاً بدون كشوت لسرفانتس وهي تشابه سيرة عنترة بن شداد الفارس المغوار، وكذلك قرأت قصص الديكاميرون التي كتبها بوكاتشيو الايطالي تقليدا لألف ليلة وليلة. فشعرت بأن بضاعتنا ردت إلينا وأننا أساتذة العالم في القص والحكي، وإن كان للغربيين الفضل في ابتداع تكنيكات جديدة في بناء الرواية والتعامل مع الزمن وكيفية تقديم الشخصيات وغير ذلك.
* هناك سمة أخرى مميزة للعامل الإبداعي، تتمثل في الوعي الدرامي الأقرب إلى لغة السينما.. فهل هذا الوعي كان فطريا أم تأثرت فيه بلغة السينما؟
** الحياة نفسها هكذا.. إذا تأملتها جيداً وبعدسة صافية تجد أنها سينما.. فالسينما نفسها مخترعة من الحياة.. وفي القصص القرآني مثلما في قصة سيدنا يوسف عليه السلام نجد أدوات سينمائية أدعو السينمائيين لدينا كي يتعلموا منها.. أعتقد أن الإحساس بالكادر وتقديم الشخصيات وعي داخلي تأثرت فيه بالقرآن الكريم وبالسير الشعبية سواء المكتوبة أو الشفهية.
نقد «النقد»!
* برغم تجربتك الطويلة مع الرواية والقصة القصيرة إلا أنك تتخذ موقفاً سلبياً من النقاد.. لماذا؟
** النقد حالياً ميت وإن كان هناك بعض الاجتهادات من قبل ثلاثة أو أربعة نقاد يكتبون مقالات بها نكهة النقد عن بعض الأعمال التي تستوقفهم لكنهم غير مؤثرين. فالنقد لدينا ذاتي وخاضع للصدفة وعشوائي.. بمعنى أن البعض يكتب عنه أشياء كثيرة وهو لا يستحقها والبعض الآخر لا يكتب عنه أي شيء رغم أنه يستحق مجلدات.. فالمسألة النقدية غير محكومة بمنطق أو عادات، لأن المجتمع نفسه مفكك وهش.. مجتمع لابس مزيكا، فلا أحد في مكانه الطبيعي، والكل لابس مزيكا.. بمعنى أن من يجلس في مكان يلبس زي المكان وإن كان لا يستحقه أصلاً!! هذا المجتمع الملفق جاءته ضربة الانفتاح فحولته إلى مجتمع من خيالات المآتة ثم جاءت العولمة لتقضي عليه قضاء مبرما حيث ستتحول الدول النامية إلى سوق للسلع ولن يكون لنا مكان في الملكية الفكرية أو المنافسات العالمية.
* إذا عدنا إلى أزمة النقد.. هل هناك كتَّاب آخرون يعانون من نفس الأزمة؟
** بداية، تتلخص المشكلة في كون النقاد لدينا يأتون بمقاييسهم النقدية من الغرب، فبعد أن ينتهي العمر الافتراضي للنظريات النقدية في الغرب يذهب الباحثون والمبعثون إلى هناك ويأتون بهذه النظريات من سوق الكانتو، أي من غير مصادرها الأصلية، وربما تصلح مقاييسهم للتطبيق على بعض كتَّابنا الذين يكتبون بمواصفات غربية لكنها لا تصلح لي بالمرة.
كذلك لابد أن نفرق بين النقد والإعلام، فهناك من الأدباء من يمارس نشاطا إعلاميا مكثفا لنشر أخباره والدعاية لأعماله، وقد يتفق مع بعض أدعياء النقد للكتابة عنه ثم يقوم هو نفسه بتوزيع النقد المكتوب.. وهذا الحضور الإعلامي لا يعني أن هناك قراءة أدبية جيدة..
وأستطيع أن أزعم أنه لا أحد أخذ حقه نقديا باستثناء نجيب محفوظ.. فمثلا يوسف إدريس وهو أكبر ظاهرة في الأدب العربي المعاصر.. أين ما كتب عنه من نقد؟ ليس هناك سوى وجود إعلامي فحسب! يوسف الشاروني وهو شريكه في تحديث القصة القصيرة.. من كتب عنه؟؟ وهكذا..!!
الرسم بالقلم
* إذا انتقلنا إلى السير الذاتية ورسم البورتريهات الصحفية.. ما سر اهتمامك بهذا اللون من الكتابة؟
** بالمناسبة، السيرة ما لم يكتبها صاحبها بقلمه لا تسمى سيرة ذاتية.. فالسيرة التي يكتبها شخص عن آخر تسمى سيرة حياة أو سيرة تاريخية.. وأنا مولع بهذين النوعين من السيرة، ومازلت أذكر ما كتبه استيفان زفايج عن كازنوفا ونابليون وغيرهما.. كما أحب السير الذاتية التي تكتبها الشخصيات الكبيرة، لكن المشكلة أننا مجتمع طبقي مضاد للبوح، والكاتب الذي يكتب سيرته الذاتية يتردد ألف مرة قبل أن يعترف أي اعتراف مشابه لاعترفات جان جاك روسو مثلاً.. حتى لا يُفصح بين الناس أو يضربه أهله بالنار.
لذلك نجد أن أغلب ما يكتب من سير ذاتية لدينا ولمجرد التجميل وقول ما يحب الكاتب أو يعرفه الآخرون عنه.. أما بالنسبة للبورتريه الصحفي فإنني كتبته بدافع وطني حين شعرت بأننا نعيش لحظة انتحار ذاتي، فلا تجلس في مكان ما إلا وتسمع تشويه الرموز بالعمالة والخيانة، لا أحد يقول كلمة طيبة في حق أحد، وبالتالي لا يجد قدوة يعتز بها ويفقد الثقة بالزعماء والمفكرين ويشعر بأن المقررات التعليمية مجرد أكاذيب.. فهل نحن بهذا السوء ولا نستحق الحياة؟ لقد شككتني هذه الظاهرة في نفسي وقلت ربما نكون حثالة البشر وليس لدينا عزة وغير قابلين للاحترام!!
وحاولت أن أتلمس الحل من خلال العودة إلى مشواري الطويل وتأمل من تأثرت بهم أو عايشتهم عن كثب أو قرأت عنهم وأعجبت بهم.. من هنا بدأت أرسم البورتريهات العلمية كنوع من التكريس للنموذج وهي ليست نقداً او تأريخاً أو دراسة وإنما مجرد رسم وجه من الداخل والخارج للتذكير بأن بيننا من الناس من يستحق أن يكون من أعيان التاريخ. ربما تكون هناك عيوب قاتلة في هذه الوجوه لكنها لا تعنيني وإنما يعنيني ما بها من جمال أو جوهر ثمين.
* لكن أليس في كتابة البورتريهات والمقابلات الصحفية ما يسبب الانشغال عن الكتابة الإبداعية؟
** إطلاقاً.. فهذا الرأي من وجهة نظر العجز، لأن الكاتب مثل لاعب الكرة إذا لم يتمرن يشعر بالصدأ ويتوقف القلم بين يديه طويلا قبل أن يجد اللفظة الملائمة. وأنا نفسي إذا امتنعت يوما واحداً عن الكتابة أشعر بهذا الصدأ ولكني أتغلب عليه أقرأ في أعمال حميمة ومحببة، إلى نفسي مثل مضخة المياه التي يوضع لها في البداية قليل من الماء كي تبدأ الضخ.
وقديما كانوا يقولون لنا إن الأديب إذا ما اشتغل بالصحافة تضره وتبتذل قاموسه، وهذا محض أوهام.. فالتجربة والممارسة هي الأساس وهي المعلم وهي المستفز للقدرات.. فبعد اشتغالي بالصحافة سنتين أو ثلاثا، اكتشفت أنني أستطيع الكتابة في أي وقت لأن قدراتي أصبحت مستنفرة باستمرار وقاموسي ازداد اتساعا ومتابعة للأحداث اليومية أصبحت أفضل. وهذا يتيح للكاتب أن يبدع أدبا طازجا كالرغيف الساخن.
ثأر قديم
* فيما يعرف بظاهرة جيل الستينيات، تمت إزاحة بعض الأسماء لحساب أسماء أخرى.. فكيف كان الأمر بالنسبة لك؟
** راهنت الأحزاب الشيوعية على خمسة أو ستة كتَّاب وأزاحت ما يسمى بكتّاب اليمين.. وكانت النتيجة أن من مُجدوا على أنهم كبار أضيروا بهذا التمجيد المبكر وتوقفوا عن التحصيل. فلماذا يتعب نفسه وهو مسجل في كل السجلات النقدية وفي كل المؤتمرات على أنه كاتب كبير بروايتين أو ثلاث فقط؟!
وللحقيقة لم أتعرض لظلم اليسار ولكني أقول رأيي كشاهد عيان.. بل إنني كنت محدود الحظ حيث بدأت شهرتي مبكراً في الاسكندرية، وعند انتقالي للقاهرة ورغم معرفتي بوجود أحزاب لم أجد نفسي مهيأ للانخراط فيها لأني ورثت عن أبي الليبرالية وعدم الارتباط الحزبي، ثم ان تركيبتي النفسية ضد الحزبية، فلا أنفع كحزبي أو مخبر لأني بوّاح، كل ما في قلبي أبوح به على المقهى في نصف ساعة ثم أمضي.. بعكس الحزبيين الذين يفضلون الصامت الراسي الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته. كما كانوا مليئين بالأوهام ومتخيلين أنهم سيقومون بثورة شيوعية في البلاد وكلام من هذا القبيل.
رغم ذلك لم أتعرض لظلمهم وما حدث بيني وبينهم كان تجاهلا متبادلا لأنني لم أكن محتاجاً إليهم وهم لم يكونوا بحاجة إليَّ. وكنت آنذاك أنشر أعمالي تباعا ودون صعوبة وبداخلي ثقة كاملة وشعور بالتحقق ولعل هذا ما جعلني أمضي في هذا المشوار.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved