| أفاق اسلامية
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
اما بعد، فان من اصول الاعتقاد عند اهل الاسلام: الايمان بالقدر كله حلوه ومره، وذلك يتضمن أمرين:
احدهما: الايمان بعلم الله المحيط بالاشياء كلها، فان الله تعالى «قد أحاط بكل شيء علماً»، فعلم كل شيء على ماهو عليه قبل كونه علم ماكان وما يكون وماسيكون و مالم يكن لو كان كيف يكون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والارض بزمن طويل قال تعالى: «ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير»، وقال تعالى: «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وماتسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطْبٍ ولا يابس إلا في كتاب مبين» وقال تعالى: «والله على كل شيء قدير»، وفي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله وفي رواية: معه وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر أي الكتاب السابق كل شيء»، وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة».
الثاني: الايمان بقدرة الله الشاملة ومشيئته النافذة، فإنه تعالى على كل شيء قدير وما شاء كان ومالم يشأ لم يكن، فلا يكون شيء الا بمشيئته، ولا يوجد الا بخلقه، قال تعالى: «والله على كل شيء قدير»، وقال تعالى: «الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل» فلا خالق غيره سبحانه ولا مدبر لهذا الملك سواه كما انه لا رب للعالمين سواه ولا معبود بحق سواه.
فإذا علم ذلك وتقرر؛ فإنه لايحدث في هذا الملك علويه وسفليه ظاهره وخفيه وجودٌ ولا عدم ولا حركة ولا سكنة ولا حياة ولا موت ولا نفع ولا ضرر الا بعلم سابق منه سبحانه وتعالى قد كتب في اللوح المحفوظ، وبمشيئة نافذة وقدرة شاملة كان بها ذلك الحدث، فانه لايكون في ملكه شيء الا بعلمه ومشيئته وخلقه اذ هو سبحانه وحده مالك الملك كله، يديره بعلمه وحكمته وقدرته ومشيئته ورحمته وفضله وجزائه وعدله.
ومن هنا: ندرك خطأ بعض الكتاب حين يكتبون )شاء القدر(، )ثم تدخل القدر(، الى غير ذلك من العبارات التي احسب انهم يكتبونها بحسن نية، وهي غير لائقة ممن يؤمن بقدر الله تعالى، ذلكم لأن مثل هذه العبارات توهم جملة كبيرة من القراء فتضعف ايمانهم بالقدر كله بأوجه منها:
1 إن ذلك يوهم ان القدر متطفل في تدخله طارئ على مادخل عليه، بينما الاعتقاد الحق ان كل شيء بقدر فإن القدر سر الله في الخلق ونظام الملك.
2 ان ذلك يوهم ان ماكان قبل ما وصف بتدخل القدر لم يكن بقدر بل هو امر عشوائي وقع بالصدفة.
3 إن فيه إضافة المشيئة الى القدر لا إلى المقدِّر، والمشيئة صفة له سبحانه لا للقدر الذي هو فعله وأثر مشيئته.
لذا فالمتعين على المؤمنين بالله واليوم الآخر وقضاء الله وقدره ان يهجروا مثل هذه الالفاظ التي من شأنها اضعاف عقيدة الايمان بالقدر والقضاء، وان يلتزموا بالعبارات الشرعية التي ارشد اليها الله تعالى في كتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته: مثل قوله تعالى: «كل من عند ربنا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولكن قل: قدر الله وماشاء فعل»، وأن يقولوا )كان من قدر الله كذا وكذا(، بعداً عن هذه المحاذير و نحوها من اللوازم الباطلة واخذا بما ادَّب الله به اهل الاسلام من الاخذ بالالفاظ التي تكون دلالتها واضحة وهجر الالفاظ المحتملة عملا بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لاتقولوا راعِنا وقولوا انظرنا».
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
|
|
|
|
|