| مقـالات
تتفاوت المقالات والقصائد وجميع مفردات الانتاج الأدبي التي تنشر في الصحف والمجلات في مفاهيمها ومنهجها وقيمها الموضوعية والفنية، كما يتفاوت القراء في الأحكام التي يصدرونها على هذه المقالات والقصائد وغيرها من محتويات الأفكار الانسانية، تفاوت آثارها على العقل البشري.
وهذه الاختلافات والمناهج وتعيين أسس الجمال أو القبح والقبول أو الرفض وغلبة الوجوب على الهوى أو العكس وردود الأفعال أو الآثار التي تتركها هذه المقالات تنبثق من نبع العقيدة التي يؤمن بها الكاتب أو القارىء، وتخضع لمؤثراتها على الانسان.
فان كانت صافية لا تشوبها إفرازات الثقافات الملوثة وجد مضمونها طريقه مستقيما واضحا يؤديه بأمن وسلام الى قلوب المتلقين، فيوقظها ويحرك كوامنها للقبول، أما ان كانت مشوبة بالأفكار الهدّامة، والعواطف المنحرفة، والرغبات والأهواء الزائغة عن طريق الصواب، فلن تؤثر الا في ضعاف العقول، المنهزمين أمام بريقها ولمعانها المزيفين.
وهنا يجب على حراس الفضيلة ان يبنوا سدودا منيعة بينها وبين متلقيها.
وثقافتنا بينابيعها العذبة الصافية، اختلط بها - كغيرها من الثقافات العالمية الأخرى - ينابيع مرة كدرة، غيرت عذوبتها وكدّرت صفوها في بعض جوانبها المتعددة المختلفة، وقد تسابق الى هذه الينابيع المنهزمون والظامئون الى مثلها كما يتسابق العطاش الى السراب، فنهلوا منها وعلوا، ولكنهم كمن يشرب من ماء البحر.
وأمام هؤلاء الذين يتهافتون على كل جديد لجدته، ويتشبثون بأفكار لا تمت لثوابتنا وقيمنا بصلة، يجب ان يقف العقلاء والمؤتمنون على عقول أبناء الأمة وناشئتها وعلى مصادر ثقافتها على ثغور هذه الثوابت والقيم، حتى لا تتسلل الأفكار الخاطئة والمذاهب المنحرفة اليها فتخترق صفوفها بسهام مسمومة قاتلة تصيب صميمها، فتهزم الجبناء من أبناء الأمة فيقتدون بها اقتداء المغلوب بالغالب، ويستسلمون لأصحابها استسلام الأعمى لقائده.
والمصيبة العظمى، ان يكون من بين أفراد هذه الأمة، ومن بني جلدتهم، من يرسل هذه السهام، ويهدد حصون الأمة المنيعة، ويعلن هزيمته على الملأ بعد ان عاد من مصادر هذه الأفكار المتجردة من الأخلاق والفضيلة، أو بعد ان انزلق في أوحال بعض الثقافات، فاختلت مسيرته وانحرفت ذات اليمين أو الشمال عن الصراط المستقيم.
هذه السطور أوحاها مقالان قرأتهما يوم الجمعة العاشر من صفر سنة 1422هـ، أحدهما للدكتور محمد بن خالد الفاضل عضو هيئة التدريس، في كلية اللغة العربية بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية نشره في العدد 16327 من جريدة البلاد بعنوان «التمرد على الثوابت بوابة العبور للجوائز الغربية»، وهو امتداد لمقالات سابقة تدور في فلك الجهاد بالقلم، يشكر عليها، وتشكر جريدة البلاد على تجاوبها وفتح صدرها لمثل هذه المناقشات التي تضع النقاط على الحروف حتى لا تشتبه كلمة حق بكلمة باطل.
وقد استطاع الدكتور الفاضل الفاضل ان يناقش الموضوع مناقشة علمية هادئة، يدعمها بالدليل القاطع من محتويات كتب ومقالات من تحدث عنهم، ممن تمردوا على الثوابت والقيم الفاضلة، كأدونيس ونجيب محفوظ وأمثالهما، وفي المقال اشادة بمقال الدكتور وليد قصاب «أدونيس الذي أضاء ليل المنامة» وبمجلة اليمامة التي أنصفت الكاتب فنشرت هذا المقال.
أما المقال الثاني فللأستاذ «فهد السلمان» أحد كتاب جريدة الرياض المعروفين والمشهورين، نشره في العدد 12002 من جريدة الرياض، وقد سلط أضواءه على فضيحة «سعيد عقل.. وأفكاره التي يدعو فيها من أول خطواته في المشوار الثقافي الى احلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية، ويصب جام غضبه في كل مناسبة على اللغة العربية وعلى أهلها ومكان ريادتها والاهتمام بشأنها، وقد أشار الأستاذ فهد الى آراء سعيد عقل المتطرفة، وناقشها مناقشة منصفة تتناسب مع عمود في صفحة من جريدة يومية.
والأستاذان: السلمان والفاضل يلتقيان بمقاليهما فوق جسر قوي من الجسور المؤدية الى ميادين السباق الفكري، وهو الغيرة التي تفجرت ينابيعها مدادا سائلا لقلم كل منهما، وان اختلفت هذه الميادين سعة وضيقا وسموا وضعة و...
وقد أصاب الأستاذان الفاضلان المحز، وكشفا الستار عن معتقدات فاسدة تصطدم مع ثقافة الأمة وقيمها المثالية، وتسري بين أبنائها وممرات ثقافتهم كما تسري النار المشتعلة في هشيم دقاق الحطب، ورصدا أمثلة لمصادر هذه المعتقدات، ووضعا يد القارىء عليها، مما لا يدع مجالا للشك أو التزوير أو ذرّ الرماد في عيون البسطاء والسذج من الناس، بدعاوى باطلة ملفقة مزعومة ينسجها أعداء الاسلام، ويختارون من أبناء الأمة أو ممن يمت اليهم بصلة - ولو كانت أوهى من بيت العنكبوت من ينشر ويؤيد هذه المزاعم لقاء بعض المكافآت أو الجوائز المالية أو المنافع المادية الأخرى، وقد باع هؤلاء ذممهم وأفكارهم وأقلامهم رخيصة في أسواق المزايدات على الجوائز العالمية المشبوهة.
ان المقالين غيض من فيض يقض مضاجع الغيورين على عقيدة الأمة وثوابتها وقيمها الراسخة ولغة القرآن الكريم، الغيورين على الوضع الذي يعيشونه في ظل الأمن والاستقرار وتطبيق الشريعة الاسلامية في بلادهم، الغيورين الذين يخشون ان يتسلل بين صفوفهم عدو ماكر خادع يلبس عباءة النصيحة والمشورة والتجديد والتقدم والانصاف، ويرفع علم الشعارات الزائفة التي امتلأت بها قواميس وكتب هؤلاء الأعداء.
والذي يندى له عرق الجبين ان بعضنا لم يعرف هؤلاء على حقيقتهم، فيمهّد الطريق لمسيرتهم ونشر أفكارهم، ويفتح لهم صفحات الصحف والمجلات ووسائل الاعلام الأخرى، بينما يطويها لمن يمس قداستهم المزيفة ويفنّد آراءهم الزائفة، والأجدر بهؤلاء وبنا جميعا ان نأخذ درسا حيا من المواقف الحرجة التي مرت بنا في حربي الخليج وغيرهما من المواقف والأزمات الأخرى.
ماذا يكتب هؤلاء عنا في صحفهم ومقالاتهم ومؤلفاتهم ولقاءاتهم؟!
ماذا كانوا يقولون عن أرزاقنا التي منَّ الله بها علينا؟! النفط، الزراعة، الصناعة، الحضارة....
من خلال هذه المواقف، ومن خلال الأفكار المنتنة لهؤلاء بالحقد والحسد يجب ان تكون معاملتنا لهم ولتلاميذهم الذين يغذون أفكارهم ويتغنون بها، ومن خلال المواقف المشرفة يجب ان يكون تعاملنا مع المدافعين عن عقيدتنا وقيمنا وبلادنا، نشجعهم ونتسابق على نشر أفكارهم وآرائهم ودفاعهم، ونصغي بآذاننا لمؤازرتهم لنا ودفاعهم عن الحق. والله ولي التوفيق..
* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|