| الثقافية
في السنوات الخمسين الأخيرة شهدت دراسات فن التمثيل الكثير من التغيير ولم يعد الممثل ذلك الشخص الذي يحفظ النصوص ويقولها بانفعال مناسب أو يتحرك بها ذات اليمين وذات الشمال متمايلا في خط منحن أو مستقيم.
صار التمثيل في السنين الأخيرة عملية معقدة تستلزم فهما تقنياً وتدريبياً يجعلها تخرج من دواخل النفس بملابسات حسية حول مفردات الطبيعة تنعكس على أداء الممثل العضلي بإيقاع مدروس وتعكس نبض الحياة للعين البصيرة لا افتعال الحركة كما هو الحال قديماً.
كل هذا استلزم من الممثل في البدء بناء لياقة بدنية وروحية وفنية لا تأتي بالسهولة التي كان الرواد في القديم يحصلون بها على تميزهم من براعة الأداء.. ولم تعد الحياة العابثة نمط الحياة للفنان كما رسخ ذلك النجوم الكلاسيكيون في المسرح القديم والسينما فيما بعد.. بل أصبح الفنان المسرحي بالذات ملزماً بفنه وتطويره بصرامة.
كان مدخل هذه الدراسات قد بدأ مع )ستانسلافسكي( الذي تفاءل باكراً بمفهوم المهرجين وأعمالهم التهريجية على الفن بصفة الارتجال التهريجي إنكاراً للذات وخلق شخصية مضحوك منها واتكأ في دراساته الأولى وتجاربه على الفنان الذي تميز في عالم الارتجال في حينه وهو ميخائيل تشيكوف حفيد الكاتب الشهير الذي يحمل نفس الاسم وكان الأخير يرأس فرقة من فرق الارتجال الترفيهي.
)ستنسلافسكي( ما لبث أن اكتشف أن اسلوب التهريج الحر لا يقود إلى نتائج مرجوة فتخلى عنه ليبدأ مدرسته العقلية العضلية التي سادت فيما بعد على أيدي تلاميذه ومريديه ومنها تحول مفهوم الدراسات التمثيلية إلى أبعاد فلسفية أخرى قامت عليها أسس المناهج الحديثة لمدرسة الفعل.
وتذهب المناهج الحديثة إلى تفهم نبض الحياة ومعاناتها في ممارسة الوجود الحي الفاعل المتوالد فعلا وجسدا.. وهو الأمر الذي تنطلق منه كل الابداعات العظيمة التي سادت وتسود العالم وفي تفهم نبض الحياة تنتج قيم ايديلوجية موجهة في روح الثقافة وكيانها وهي الممارسة الثقافية المستهلكة.
هنا كان على المتدربين من الممثلين المسرحيين أن تكون لديهم اللياقات المعروفة باللياقات البدنية والعقلية التي تساعد على تنمية خاصة للجسد ثم العقل النير لرسم صور حقيقية من الحياة لها جانب واقعي مقنع ولها بعد فني وروحي في معطاها البعيد يمكن أن تتلبسه القيم المبتغاه.
وحسب ما يقول )بورس زاخافا( فإن منهج ستنسلافسكي هو الذي أكد أن الفعل هو محرض الانفعالات فهو يوجه الفكر ويوجه السلوك ويثير العواطف في الشخصية.
والفعل هو البدء فلم تكن الفكرة أكثر من وصف فعل وأي فعل لا يقوم على فكرة هو غير موجود في أي سياق لذلك فإن قلب مفهوم الفكر التي كانت مقصد العمل إلى مفهوم تطبيق هذه الفكر في فعلها الأصلي كان مربط الفرس الذي دار حوله المسرح سنين طويلة ولم يستطع تصوره بشكله المنفذ.. لأن أرسطو نفسه أشار للفعل بصفته محرك الدراما وأساساً من أسسه النقدية ولم يتكئ على الشعر بمقولاته كما أوحى للبعض عنوان كتابه الشهير )الشعر(.
ومن جانبي أرى أن مسألة الفعل بصفته محرض للسلوك الجديد المثير ليست اكتشاف )ستنسلافسكي( الذي ركز على فعل الجسد لكنها القيمة الأساسية التي قامت عليها ماهية المسرح ومنها كلمة )درم( اليونانية التي تعني الفعل والتي صارت تعني الدراما.. والدراما اليوم في أبسط تفاسيرها عند بينت وغيره هي ثلاث معطيات الشعر أو الجمال والتوالي الحدثي وتأكيد الفعل أو ما نعرفه بفعل الفعل أو كما يسميه البعض بالفعل الشديد وتطبيقه منبثقة من فعل غير تطبيق الفعل منبثق منها.
المفهوم الجديد للفعل لم يعد المسرحية بكاملها بل الممثل الذي يستطيع أن يخلق فعلاً قوياً إذا كان ممارساً للفعل المبدع الذي يؤدي إلى توافق عضلي لياقي يخرجه من حالة السرد المعتاد إلى حالة طقس يمليه الدور عضلياً.
والفعل في هذا السياق كما يقول )بورس زاخافا( هو فعل إرادي للسلوك الانساني ومن الفعل تظهر وحدة الجسد والنفس عيانا ظاهراً والفعل هو خاصية فن المسرح عن كل الفنون لأنه فعل حي وقليل من الفنون تملك قدرة المسرح على الاستثارة للشعور الإنساني الحي.
هذا الفعل الوجودي للمادة الحية أعطى أهمية لعراقة القيم التي يأخذها الناس وبالذات قيم الجمال التي يزخر بها المسرح في كل مرئياته عن الفنون الأخرى التي تعتمد تصرفا فردياً للفنان ومادته موجها للمتلقي باسمه كما يفعل الشاعر بقصيدته والرسام بلوحته والعازف بمقطوعته.. وهي وإن جزمنا بفعلها في اضافة القيم إلا أننا لا نجزم أنها تساوي الكثير في مقابل الفن الجماعي المباشر الذي يؤديه المسرح إذا كان مسرحاً يقوم على قيم العرض الجمالي.
ولكي يدرك غير المختص معنى جماليات الفعل فإننا في الغالب أثناء الحديث العادي نقوم بحركات اتصال مصاحبة تتراوح بين تحريك الأصابع والتلويح بالأيدي وهز الأكتاف وامالة الرأس وتحريكه مع تعابير الوجه من مط العينين والشفتين والمتاوالي وغير ذلك وهي مفردات لغة تختلف من شخص لآخر والفارق أنها في المسرح تتخذ طابع القصد.
راقب المتحدثين بعناية ثم ارصد مستوى التعبير الجمالي والتعبير الفج غير الجمالي بينهم.. وحاول أن تعرف المستوى الذي ينقل فيه كل منهم فكرته إلى آخرين.
بين مجموعة المتكلمين التي تختارها ستجد أن هناك تفاوتاً في التعبير يحكمه الفعل الجسدي المعبر عن المشاعر أكثر مما تعبر عنه الكلمات.. وستجد أن الأجساد القادرة على التعبير تقدم حلولاً للفهم والمشاركة والانفعال أكثر مما تقدم الأجساد ثقيلة التعبير والتي تصعب عليها الحركة.
شعبة المسرح المتوقفة:
ما زالت شعبة المسرح في قسم الإعلام التابع لجامعة الملك سعود متوقفة.. والإدارات المعنية تقول عندما يأتي الطلبة سوف يعاد فتحها.. والطلاب يقولون عندما تفتح سوف ننخرط فيها.. والقضية ليست الطلاب ولا الإدارة المعنية بل هي النظر للشعبة بصفتها حاجة لسد فراغ المدارس والجامعات للمختصين في مجال التدريب والعرض المسرحي.. لذلك نهيب بالمسؤولين في جامعة الملك سعود أن تفتح شعبة المسرح بصفته ضرورة لسعودة الوظائف قبل التفكير في الفن المسرحي من جوانب ايديلوجية مختلفة أو وجود طلاب من عدمه لأن القطاعات المختلفة ومنها المدارس والجامعات وجامعة الملك سعود نفسها مازالت تعاني من نقص في كوادر العمل المسرحي يضطرها للاستقدام من خارج المملكة مع أن الخريجين في مجالات متفاوتة لا يجدون الوظائف مثل خريجي الصحافة والعلاقات العامة في قسم الإعلام نفسه .
فلما لا نفتح الشعبة لسد الحاجة للكوادر المسرحية المدربة بعد أن يتم تصنيف وظائف مسرحية تخصصية في مجال الدراما والمسرح.
Othaimm@ hotmail.com
|
|
|
|
|