| الثقافية
الدكتور حسن الهويمل أحد الرموز الأدبية البارزة في مجال الدراسات النقدية الحديثة، فهو أستاذ باحث في هذا المجال منذ أمد بعيد. وهذه الأيام يسلسل مجموعة من مقالاته في جريدة الجزيرة كل يوم ثلاثاء، حول موضوع يتصدر الدراسات والنقاشات الأدبية في العالم العربي على وجه الخصوص، فالعالم المتقدم في هذه المجالات قد تخطى هذه الاشكاليات منذ زمن ليس بالقصير، وعرف المتلقي تلك الخصوصيات الضيقة، ولم يعد لديه ما يشغل باله مثل المتلقي العربي الذي وقع فريسة الدراسات المكررة بالإرث التقادمي والمسلمات المهيمنة على الساحة الأدبية منذ مطلع القرن العشرين، جغرافية وشخصية، فالقول ما قالت حذامي، كما تقول العرب. وكما بليت حذامي، تلك المرأة التي قالت كلمة فتورطت بها، ورط الكثير من الذين قالوا في زمن ما بالذين لحقوا بهم واتخذوهم متكأ في يوم عجزهم عن ابداع شيء جديد. فما قاله محمد مندور، وعز الدين إسماعيل، العقاد، وغيرهم في ذلك الزمان، صار مسلماً به إلى اليوم، ولا يظن البعض أنني ضد هؤلاء أو أولئك، لكنني أدعو إلى التفكير والتجديد في المفاهيم مع الحفاظ على الهوية العربية الاسلامية الرائدة الداعية في الوقت ذاته الى التفكر.
لكنني في الوقت نفسه أرفض التقليد والتسليم بالآراء البائدة المنتهية صلاحيتها. وقد أعجبتني مناقشة الدكتور الهويمل لبعض من كتبوا في الأدب السعودي من منطلق الفراغ الذي يعانونه في غربتهم في هذه البلاد، ولم تتعد دراساتهم هذا المنطلق الانطباعي من ناحية، والاتكاء على آراء السابقين من ناحية أخرى، وهذا ما أشار إليه الدكتور الهويمل مشكوراً على جرأته الأدبية التي افتقرنا إليها في زمن التطبيل الثقافي، وهذا التطبيل جاء من طريقين، الأول: من أناس يجهلون هذا الأدب وهم من أهله الأقربين.
والثاني: من الذين يعلمون ولكنهم لا يريدون أن يصرحوا بما عندهم لتعارضه والمصلحة الخاصة. لكنني أجد أن الدكتور حسن قد زلت قدمه مع من انزلق في هذا السبيل الوعر، فزلة الدكتور الهويمل لم تكن كزلة أولئك، أولئك زلوا عن جهل بما يكتبون فيه، فهم على حد زعمهم يكتبون عن شيء مجهول محدود بمحاذير ليس لها حدود، كما أنهم يكتبون لقراء ليس لهم معرفة بما يكتب؟؟!! وبالتالي يتقبل ما يكتب له، خاصة وهو مكتوب من أناس لهم من المسلمات ما يحميهم من الزلل.
أما الدكتور الهويمل فيكتب من منطلقين، الأول: ابن هذا الأدب، يعرف ما فيه وما عليه، ويعرف تمام المعرفة أن ليس هناك من محاذير كما يدعي البعض عن جهالة أو عجز، والثاني: أنه أستاذ لهذا الأدب منذ عقود من الزمن، وقد عمل فيه رسالة الدكتوراه تحت اشراف أحد الأساتذة المتخصصين فيه وهو من أبنائه أيضا ولو لم يكن ذلك الخبير فيه لما ناقشته بسعة صدر، وقد أعجبني في الكثير مما قاله حول تلك الدراسات الأولية المنطلقة من الانطباعية حينا ومن سد الفراغ أحيانا أخرى، ومن الأدلة على هذه الانطباعية والسير في ركاب الآخرين، ما ذكره الدكتور الهويمل عن دراسة الدكتور السيد ديب، الذي قال عن الكاتب إبراهيم الناصر، إنه من المقلين، مقلداً بذلك الدكتور منصور الحازمي، الذي كتب هذه المقالة في وقت متقدم قبل حضور السيد ديب بسنوات طويلة، لكن القول عند الديب ومن حذا حذوه يأخذ نوعا من القدسية، لتدخل في مجال الثابت دون المتحول، كما المصلحة الخاصة دعت البعض لقرع الطبول لفئة ظنت بعدها أنها وصلت إلى قمم المجد الفني، لكن ما علم أولئك أنها فقاعات سرعان ما غابت عن الساحة الأدبية.
ومما فهمت أن الدكتور الهويمل قد تأثر بتلك الدراسات الفجة وهو ينقدها ويؤصل لمثلها، فقد ذكر الكثير من المصلحين والحكائين وكتاب القصة القصيرة المشهورين الذين لا يحتاجون إلى تعريف على أنهم من فئة الروائين. فهل وجدت دراسة لها الاحترام في الوسط النقدي تعترف بأن قصص )سميرة بنت الجزيرة( تمثل شيئا من الرواية فضلا عن تمثيلها للبيئة المحلية؟؟؟. ومتى كان حجاب الحازمي روائيا؟؟ ذلك الرجل التربوي العالم المثقف، بصرف النظر عن مواهبه الأخرى . والدكتور، محمد عبده يماني، الذي كتب قصصا في الاصلاح الاجتماعي، والمواقف الفكرية الرائدة، ولا يعبه إن لم يستطع كتابة الرواية فالموهبة شيء آخر. ولم ينقص من حق عبدالله عبدالرحمن العتيق، القاص والناقد،، عدم قدرته على كتابة الرواية، إن لم يحاول. أما عبدالمحسن البابطين، فأظن أنك حملته مالا يحتمل، فما كتبه في )ثمن الكفاح( لا يتعدى الحكاية الساذجة، ومثله الأستاذ محمد عمر توفيق )الزوجة والصديق( قصة طويلة، لا تستحق أن يطلق عليها رواية، وأنت تعلم ذلك جيداً!! لكن متى كتب الشاعر حسن عبدالله القرشي الرواية، إن )أناث الساقية( مجموعة قصصية وليست من الرواية في شيء، وعبدالله سعيد جمعان الزهراني، كتب الرواية التي لم توردها، وهي )القصاص، ولية عرس نادية( أما ما ذكرته، )رجل على الرصيف، وبنت الوادي( فقصص طويلة. وكيف تذكر رائداً من رواد القصة القصيرة بعد إبراهيم الناصر ذلك هو أمين سالم رويحي، صاحب المجموعة الرائعة التي يمكن ان نقول أن القصة القصيرة الحديثة بدأت منها )الحنينة( ثم مجموعته الثانية )والأذن تعشق( على أنه روائي؟؟؟.
كما أن عبدالرحمن الشاعر من المحسوبين على القصة القصيرة، ولم يكتب رواية، ولو كان كذلك ما أهملته في دراستي للرواية. إننا يا دكتور حسن نعول على دراساتكم الجادة لتصفية الطريق أمام الأجيال القادمة التي لا تعرف عن أدب بلادها شيئا على الاطلاق، كما تعرف عن القصص البوليسية الهابطة هبوط الهذر السردي الذي ظهر بظهور بعض الرموز التي كان لها الاحترام الابداعي في مجالات غير المجال السردي،.
يعزز ذلك من دخل في المجال الأخطر من السرد، أي نقد السرد. لقد سئل الكاتب، معجب العدواني، في ملتقى هجر الثقافي.
هل عندنا رواية؟؟ فأجاب بما يشبه الخجل، عندنا رواية على قد حالنا!! فإلى متى ستدوم هذه الانهزامية أمام أجيالنا التي لا تعرف عن أدب بلادها شيئا.
كما كنا لا نعرف عن أدب بلادنا وأدبائها قبل دخول أقسام اللغة العربية، وكان ذلك على استحياء، ولو لم نكن في اللغة العربية لما عرفنا الى اليوم.
فقد آن الوقت لتبرئة الذمة من هذه الأجيال بتعريفها بأدبها والفروق الجوهرية بين فصائل العائلة الأدبية.
وأنت تعرف يا دكتور مدى الدهشة التي يصاب بها الطالب المبتدئ عندما تشرح له عن أحد الأدباء السعوديين، أو تطلب منه الكتابة عن رواية سعودية.
وإن طلبت منه رواية بشكل عام أحضر لك رواية من روايات )أجاثا كرستي( وأخواتها. إن الشخصية الأدبية في بلادنا ما زالت مهضومة،
ولن يكون لها من معين بعد الله، إلا النقاد، من المنصفين، العارفين بها وبأهلها، وليس من المتطفلين على الثقافة الأدبية بالأفكار المتكلسة..
|
|
|
|
|