| الثقافية
يركضون أبداً في ميادين القلب، مهمتهم صعبة، ولكنهم يصرّون على التصدي لكل ما يقف في طريق النقاء الأبديّ.
يشكّلون ظاهرة إنسانية مميّزة ورائعة على خريطة مشهد الوجود. ويدركون أهمية رسالتهم وقدرتها على التفاعل مع الإنسان في كل زمان ومكان، مخترقين حواجز القناعات واللغات.
مشاهدهم حيّة، ولا يوجد بينهم وبين جماهيرهم ستار أو حواجز.
وحين يجتمعون ليمارسوا عبثهم البريء على ضفاف الأحلام يرسمون أمنياتهم الكبيرة بالكلمات على الطبيعة والمدينة في الآن نفسه.
ويبرز حضورهم المهم، الآن، ونحن على أبواب مستقبل ثقافي غامض طغى عليه الكمبيوتر.
باحساسهم الفطري ينحتون صخرة الفضاء المترامي أمامهم، وباخلاصهم الشديد لفنهم وللانسان يؤكد كل منهم خصوصيته، فيما هم يسيحون معا بين ينابيع المتعة والعبقرية والحبّ والمكابدة.
ولا يزالون، ومنذ ان كانت الدنيا صغيرة وادعة، وإلى ان كبرت وكبرت معها أحلامهم، لتتحول ويتحولون بها ومعها إلى شجرة عملاقة من الأسرار والعلاقات الحميمية.
لهم عبق آخر، عندما يتحولون إلى حالات من التجلّيات، تنتج سيمفونيات انسانية يتردد صداها في الأرواح، ويصبح للأشكال أشكال لون جديد وحدهم الشعراء تزهو بهم الكلمة وتتألق وتزدهر وتحضر باذخةً بانسانيتها الشفّافة، ويتسامى الوجود نابضاً بالعشق والبساطة.
)لا تصالح
.. ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيكَ،
ثم اثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى( محمد أمل دنقل.
وهكذا، ومع الاحساس بالظلم والقهر والغبن والايمان بضرورة الثأر تتحول زهورهم الناعمة إلى غابة من الشوك تدمي من يحاول أن يدوس عليها، ويتحول الغناء الوادع إلى صراخ أليم، ويتحول الرحيل في فضاءات البهجة الى حفر عميق في الدم الإنساني الساكن.
)انها الحربُ! قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب ..لا تصالح ..ولا تتوّخ الهرب!(
واللغة المكتظّة بالمشاعر، هي ذاتها، والمتدفقة بالمودّة والخوف على الإنسان والسعي إلى تطهيره وتنقيته، حتى من الجبن والتردد والاستسلام، فيما هي لغة الشاعر.. الرائي والشاهر والشهيد في الآن نفسه، ذات نفس السمات والاشراقات.
)سيقولون:
ها نحن أبنا عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هَلَكْ.
واغرس السيف في جبهة الصحراء.. ..إلى ان يجيب العدم(
وإذ يتجاوزون بكلماتهم الأمكنة والفضاءات المختلفة، فتتحول الطرق التي يتلمسونها جيداً إلى أمٍّ حانية، وذات عطاء ساحر خاصّ، وتتكامل إلى درجة تغذيتهم بالكرامة قبل الحنان، وبالثأر قبل الصلح، وبالانتقام لا الاستسلام، وبالرجولة والايمان بالحق وضرورة استرجاعه قبل مدّ اليد بالسلام.
)كيف تنظر في يد من صافحوك ..فلا تبصر الدم.. في كلّ كفّ؟(
لتأتي وصفاتهم الإنسانية الخالدة، داءً ودواءً، في الآن نفسه، ووقوداً جديداً لمركبة الحضارة.
|
|
|
|
|