حين يهدأ الكون حولي وينحسر الضجيج.. وتنقطع الأصوات عني تماماً فلا ايقاع لأحذية ولا ضجيج لأبواق السيارات.. ولا صراخ لأطفال الجيران.. عندها أعلم أنني توغلت إلى زمن جميل دافئ يتألق فيه الكون ليأخذ لوناً ونكهة مختلفة..
زمن استثنائي جميل اقترن به الكثير من الملامح والسمات الرائعة.. اقترنت به حروف اللام والباء والسين....«وجعلنا الليل لباسا». تتماوج الأشياء.. تعلو وتهبط حتى تكاد تغير مسمياتها وأرديتها.. عندها أعلم بأن الليل أسدل عباءته المخملية حولي.. وأن رتمه الهادئ بدأ بالتسلل إلى روحي شيئاً فشيئاً، لأصبح أنا وهو أكثر اقتراباً وأكثر انسجاماً.. ويصبح في ملامحي شيء منه وفي ملامحه همسات من أعماقي..
أشعر بذلك بصورة أقوى كلما كان النهار صاخباً.. متفجراً بالأحداث الرمادية والسوداء ومليئاً بالصخور المدببة والشظايا الساخنة!
يخشى البعض الليل لأنهم يواجهون فيه أنفسهم.. وتطفو خلاله أحزانهم وهمومهم الدفينة..
«أوّاه يا ليل طال بي سهري
وساءلتني النجوم عن خبري»
وآخرون يجدون فيه الكثير من المتعة والاسترخاء من عناء يوم شاق طويل.. أذكر على سبيل المثال أن يوسف ادريس قال مرة: «إن الليل غامض وحنون دائماً وهو شبيه بالأنثى، أما النهار فيتميز بالقسوة والصخب وهو في ذلك شبيه بالرجل..»
وما بين هذا وذاك تطوف اللحظة بالذاكرة أبيات شهيرة لأبي فراس الحمداني:
« بلى، أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سرُّ
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعاً في خلائقه الكِبرُ»
ملأ الله ليالينا ولياليكم قناديل حب وشوق.. وأمان وسلام..