** قلت: ما الحسن..؟ قال: ما حَسُن في العقل، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حَسُن في العرف، قلت: ثم ماذا؟ قال: ما حَسُن عند الجمهور، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم لا ثم.
«المأمون» في حوار «منامي» مع أرسطو
** تعلمتُ - وحياتي مليئةٌ إلى هذا الحد بتنافر الأصوات - أن أوثر ألا أكون سوياً تماماً، وأن أظل في غير مكاني..
إدوارد سعيد
)2(
** «اللونُ» فاتحةُ الصَّباحِ
مساؤُه «الفرحُ» العميقْ..
اللون أسودُ حين ينكفئُ الرفيقُ..
ويقطعُ الأملَ الطريقْ
ويسودُ أقوامٌ يُحيلون
الحياةَ إلى حريقْ
وبفهمهم لا فرق بين
مَنْ ارتضى ظلماً لصاحِبه
ومن نصرَ الصّديقْ
أو بين من عبرَ الفضاء
بوعيه
وبعزمِه
ومَنْ غشاه الموجُ
إثر الموجِ
حتى غاصَ في
القيعان
يحسب نفسه
حيّاً
وقد دُفن
الغريق..
)3/1(
** رأى تمثالَه صنماً «جامداً» فملّه، وتحول إلى شخصٍ «متحركٍ» فملّه كذلك، وعاد إلى صمتِه وسكونِه فازداد ضجره..!
** هكذا استعاد «بجماليون» )كما في الأسطورة( رحلتَه مع «الفن» حيث غابَ «الجمالُ» في عين «المبدعِ» فلم يتجاوز «الفعلُ» المرتبط «بالتفاعلِ» تغييراً «إنسانيّاً» معتاداً لا دور له في تكوين «عواطف» ثابتةٍ أو مشاعرَ مستقرة..!
** تلك «أسطورةٌ» يُكتفى منها بدلالاتها «النفسيّة» التي تشيرُ إلى حالات «التلوُّن» التي تصيبُ المدركات «الحسيّة» فيصبحُ «الأبيضُ» أسودَ، و«المعتدلُ» مائلاً، و«الحلوُ» مرَّاً، وتتيهُ «الحقيقة» فلا نرى «الصحيح» من «الخاطئ»!
)3/2(
** لم يكن «بجماليون» عربيّاً، لكنَّ واقعَه عربيٌّ، وظلَّ «إنسانُنا» مأسوراً «باقتناعاتِ» سواه، أو «إقناعاتِه»، و«بدعاياتِه» أو «ادِّعاءاتِهِ»، وتحول «الملهمُ» -بالأمس- إلى «المُهمل» - اليوم - وانطفأَ «النجمُ» بغياب الوعي الذاتي المستقل..!
** هكذا أُريد للفرد العربي أو أراد لنفسِه ولم يعرفْ - مثل بجماليون - هل تروقُ له «صنميّة» التمثال أو «حيويّته»؟! فصفّق لهذا يوماً، ولذاك يوماً، ثم بكى على نفسه أياماً حين اكتشف وقته المهدر خلف «شعاراتٍ» و«مذاهبَ» و«أسماءٍ» و«مناصبَ»..!
)4(
** صدرتْ قائمةُ الأسماء «السبعة والعشرين» التي اختارتها الهيئة الإشرافية لمشروع «كتاب في جريدة»، وثبت ما سبق أن تحدث عنه صاحبكم من أن حُسْنَ النوايا لا يكفي للإشادةِ بالنتائج..!
** الموضوع لا يتصل بأشخاص القائمين على «الفكرة» أو «منفِّذيها» أو «المختارين» للنشر لهم فيها، فذلك أمرٌ آخر لا يُهِمُّ الخوضُ فيه، إلا أن الأهمَّ استمرار الممارسة «الانتقائيّة» التي تحاول - جاهدةً - تلميعَ «المُنْطفئ»، وتمثيل الثقافة العربية من خلال نماذجَ غير قادرةٍ على تكوين صورةٍ «ذهنيّةٍ» أمام الجيل الجديد المتطلع إلى قراءاتٍ «جادّةٍ» تستطيع خلقَ تكوينٍ فكريٍّ ثري يُجابِهُ به النشءُ حياتَهم القادمة «فعلاً» ذاتيّاً، و«انفعالاً» عمليّاً، «وتفاعلاً» جمعيّاً من أجلِ «الغد» الذي نتمناه جديداً مختلفاً..!
** لقد جاءتْ معظمُ الأسماءِ لتعبِّر عن نفسِها بكل انغلاقاتها المنكفئة على إبداعٍ خاص لا يستطيعُ تجاوز الذاتيّة الهائمة إلى الثقافة «المؤسّسة..!
** ولعلَّ من المؤسف أن تتدخل العلاقاتُ الشخصيّة في مثل هذه الاختيارات فيصرُّ «أدونيس» على النشر لأخت زوجته واسمها «سنيّة صالح»، وهي قاصّة سورية راحلة لم يسمع بها أو عنها الكثيرون، ولم تصدر في حياتها سوى مجموعة قصصية واحدة، وتتصل «المجاملات» من بقيّة المستشارين لتنتهي بكتب مختارة لعامين قادمين لا يستحقُّ بعضها «الحبر» الذي تُطبع به..!
** كان «كتاب في جريدة» سيصبحُ شيئاً ذا بال لو لمْ تتداخلِ «الألوانُ» و«الخطوطُ» ويُقْضَى علينا فنرى حسناً ما ليس بالحسن..ِ!
)5(
** في كثيرٍ من السلوكيّات «المجتمعيّة» المتغيِّرة يلجأُ «بعضٌ» إلى «تصدير» رؤاهم الخاصة لتصبح لها «السيطرةُ» المطلقة، رغم أن حقَّها «اجتهادٌٌ» قابلٌ «للصحةِ» و«الخطأ»، و«القبولِ» و«الرّفض»..!
** والمتابعُ قادرٌ على إدراكِ ما يُمكن أن يخلخله «الزمن» فيرفعُه أو يضعُه، وما هو ثابت أمام جميع عوامل «التعرية» المادية والبشريَّة..!
** يعجبُ جيلُنا «مثلاً» حين يعرف أن «الدراجة العادية» مثلاً أو «المذياع» أو «التلفاز» أو «تعليم البنات» كان محارباً بشكلٍ أو بآخر، وسيعجب جيل أبنائنا إذ يسمع أن «الفضائيات» أو «الإنترنت» أو نحوها قد جوبهت بشيء من «التحفظ» إن لم نقل «الرفض»، وسوف يبقى - أمام كل الأجيال - مناطقُ الخير مختلطاً بها نطاقُ الشر، وتظلُّ «التربيةُ» و«القدوة» و«فهمُ» الواقع، وقراءةُ «المستقبل» سدَّاً أمام «الغلو» إفراطاً أو تفريطاً..!
** حين تتداخلُ «الألوانُ» يعشى «البصرُ» وربما «البصيرةُ» فلا نرى بعين الوعي ما مضى وما سيأتي، وتتكاثر المناطقُ «الرماديّةُ»، وتصبحُ «الصُّورُ» باهتةَ الملامح فلا يُمَيَّزُ «الفجر» من «الغروب»..!
)6(
** تقف الأبعاد «السياسيّة» غالباً في مساحات «الظلِّ» مدركةً أنها بعيدةٌ عن التعاطي مع «الثوابت»، ومؤمنةً أن «المصالح» تتلوّن كما يشاء «زمنُها» و«أربابُها»، وما كان «لاءً» تحول إلى «نعم»، وما ظُنُّ «وردةً» اكتشف أنه «لغم»..!
** ولعلّ مشكلتنا «الحضاريّة، التاريخيّة، الأزليّة» مع «يهود» )وهي الأهمُّ في سيرتنا أفراداً وأمة(، توضِّح «التناقضات» الطرفيّة التي تغيّرتْ من «الضدِّ» إلى الضدِّ، وامتزجتْ مسافات «الحرب والسلام»، و«العدو والصديق»، و«المقاطعة والتطبيع».. وأثبت «العربي» أن لا فرق لديه في لون «الأحمر» إن جرى «دماً» أو ضاء «زهوراً» وتضوَّع «عبيراً..!
** احترنا - مثل بجماليون - فلم نعد نعرف أين نقف.. وعلام.. ولماذا.. وإلى متى؟
)7(
** لم يستطعْ الفكرُ السياسيُّ عزلَ نفسِه عن معضلة تداخل الألوان، فكانت شعارات «الوطنية» و«القوميّة» )وما لفّ لفّها( شعاراتٍ ذاتَ «امتداداتٍ» و«نتوءاتٍ» وتجاوزت مرونة «تبنّيها» و«تفسيرِها» ما خاله مؤسسوها وأضحت حكايات «الحريّة» و«الوحدة» و«البعث» «مفرغةً» أو «فارغة»، وفقد الإنسان العربي ثقته «بعَرَّابي» هذه النظريات، وربما لم يكونوا مسؤولين عن «الخلل» حين اختلف «التطبيق»، أو عندما «توارى» أصحاب المنطق الأحق فلم يقدِّموا حقائقهم بصورة قادرة على «المقارعة» و«الإقناع»..!
)8/1(
** في روايةِ «كوستانستين جورجيو، الشهيرة الموسومة «الساعة الخامسة والعشرون» ما يصلح مثلاً على اختلال «الرؤية» في التفرقة بين «الغسق» و«الفلق» إذ «يوهان مورتيز» الفلاح الروماني البسيط يعيش عذاباتٍ متصلة بسبب تغيير «هُويّته»، فقد رأى نفسه «مسيحياً محافظاً» يسير حسب الأصول المرعيَّة في بلده «ديناً وعرفاً وتقاليدَ»، ثم تحول إلى «يهودي أسير» في معسكر عمل، ورآه قومه «جباناً»، «مرتدَّاً»، ثم «جاسوساً» في نظر المخابرات المجرية، و«ضيفاً» في ألمانيا، ويحسبه أستاذ «الدراسات الاثنوغرافية» النازي نموذجاً أصيلاً للعِرْق «الآريّ» فترتفع أسهمه، ويضحي نجماً على أغلفة المجلات، وتأسره «أميركا» فيصبح - لديهم - مجرم حرب، وإذ يطلق سراحه يكتشف أن بلاده قد أصبحت ضمن المنظومةِ الاشتراكية، وتفرُّ «دموعه» أمام عدسات المصورين التي تطلب منه أن يبتسم، ويبتسم، ويبتسم..!
)8/2(
** إن «مورتيز» وهو لم يبرحْ ذاتَه أمام ذاتِه - قد مرّ بكل ألوان الطَّيف في إطار تجربته الحياتية الصعبة، وحاكمه الآخرون من خلال معاييرهم، وانتقل في -نظرهم - من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار رغم أنه لم يبرح منطقة الوسط..!
** هكذا تقضي «الساعة الخامسة والعشرون» علينا جميعاً، فلا نعرف -كما هي شخصية البطل الروماني - أين نحن وإلى أين نتجه؟ وما هي المساحات البيضاء والسوداء؟ ولِمَ تزدادُ المناطق الرمادية..؟
** في ممارساتِنا «الثقافية والاجتماعيّة والسياسيةِ» صورة أخرى من تردد الفلاح الروماني، فلا نعود ندري أيَّ «شخصيةٍ» نحاور أو أيّ درب نختار..
** لقد باتت الرؤية العربية لكثير من الاشكالات «المعرفيّة» و«الحياتيّة» مترددةً بين «تمثال بجماليون» و«فلاح جورجيو»، فغامت «الرؤى» وازدادت «الاستفهامات» ونأت «الأجوبة»..!
* الحقيقةُ «ليلى» وكلٌ يدّعي وصلاً بها!