| الثقافية
يتقلص مدى مساحات الود بيننا حين نجتمع أنا وهي.
وتستحيل الألفة مداها، وتتصاعد اناشيد الزفرات حولنا رغم ان أطفالنا يلعبون في خارج حدود مساحاتنا، أمي تحاول أن تنشر مع تراحيبها بمقدمنا كل خميس خيوط ود حميم لتربط بيني وبين زوجة أخي تحاول أن تسقي صحاري علاقاتنا الجافة بوصيب من كلماتها العذبة.
ولكن عبثاً تحاول...
- ثم ماذا ؟؟؟؟؟
سؤال طرحته داخلي ولكن تمردت على إجابته بل وسكبت عليه كأس من العصير المثلج الذي قدمته لي خادمة أمي فهي تعلم مدى حبي لتناول هذا النوع من عصير الليمون بالنعناع المثلج.
علي أن أبقى أكثر انضباطاً.
مساحة الحديث الهامشي والمحامل تزداد تقلصاً وامتداداً في حضرتنا أنا وهي.. فالجميع يعلم أننا لسنا على وئام وئام ولكن..
كل ما يجمعنا هو يوم الخميس هذا الذي نرتمي فيه قسراً في بيت والدتي الحنون أنا وأخي وزوجته وأبناؤنا.
أخي )عبدالله( الذي يتوسطنا ويتشاغل بمتابعة مباراة رياضية على التلفاز يمثل الدور ببراعة.
في حين أنه يتابع مباراتنا النفسية أنا وزوجته المصون.
أمي في محاولات مستمرة تحاول لملمة شتات علاقاتنا تبسمت في وجوهنا وقالت:
بالأمس لم أنم، كنت في حالة قلق وفرح متعجل لاجتماعكم اليوم أنتم وبناتكم هؤلاء البذور الندية التي تزرع مساحات فراغي بالحب والحياة.
بارقة ارتياح طهرت ضمتنا لحديث أمي تلمستها في وجوهنا فتشجعت وقالت أترقب بشرى نجاحهم واليوم بعد أن تحققت ولله الحمد واجتمعتم لدي فهذا عيدي الذي أنتظر ليتكم تبقون معي دوما
)عبدالله( يابني العزيز لِمَ لا تلغي فكرة السفر في هذه العطلة وتبقى معي؟؟ دعوني استمتع بوجودكم حولي!
- ولكن يا أمي لقد قررنا ذلك مسبقا والأولاد سعداء بذلك القرار.
- وسعادتي من سعادتكم يابني يمكنك السفر مع زوجتك وترك أبنائك لدي؟
تفحصت وجه زوجته فوجدته قد تحول إلى قطعة جمر وتخيلت أدخنة الفضب غدت مراجل في عروقها يتراقص لهيبها في عينيها.
أمي - بفطرتها - أحست ذلك وتداركت الموقف باستدعاء الخادمة
- )ماري( جهزي العشاء حالاً سآتي لتجهيزه معك الآن!
واردفت تلك الأم الرؤوم في معالجة سريعة لحالة الضيق التي أحست بها زوجة أخي قائلة:
- لقد أعددت لأبنائكم الكعك والفطائر التي يحبونها.
تناسيت أنني في تلك الأحداث وتنبهت لذلك على صوت أمي تناديني: أسماء ياابنتي ساعديني
هرعت إليها وتركت أخي وزوجته وأدخنة الغضب تحوم حولهما.
أثناء تجهيزي العشاء مع والدتي تنامى إلى مسمعي كلمات من زوجة أخي لم أجهد تفكيري في ترتيبها لأبي اعلم أنها ردة فعل مضطربة ومعاكسة لرغبة والدتي في بقاء أم بجانبها هذه العطلة
أثناء تناولنا للعشاء كانت هناك غيمة مترددة نستظل تحتها لا أعلم هل ستمطر لهباً أم ذهباً أو لن تمطر أبداً؟؟؟؟
أثناء ذلك أمرت )مرام( ابنة أخي ذات العاشرة من العمر أن تجاورها على طاولة العشاء ابنتي )ليلى( ذات التاسعة من العمر بل وان تلتصق بها أكثر وتأكلان من طبق وأحد وكأنهن تردن أن تسدا تلك الفراغات الشعورية بيني وبين زوجة أخي.
لم تعلق زوجة أخي ولم أعلق أنا واكتفيت بتقليب محتويات طبقي والانشغال باطعام ابني )خالد(
وقبل الوداع تشبثت )مرام( بابنتي )ليلى( وتوجهت إلي قائلة: عمتي لقد دعوت )ليلى( اليوم للمبيت في بيتنا معي على أن أجيب دعوتها لي بالمبيت لديكم الأسبوع القادم أو لنبيت كلانا هنا في بيت جدتي. ما رأيك ياعمتي؟
هممت للإجابة عليها بعد ان تبسمت لها وأنا أمسح برفق على رأسها فلم تمهلني والدتها الإجابة جنبتها وهي تقول بعصبية: - هيا لنعد إلى منزلنا.. يكفينا سهراً اليوم!
الصغيرة )مرام(: ولكن يا أمي!!
- قلت كفى... هيا يا عبدالله.
استل أخي سيوف صمته وبحث عن شماغه وقدم تحياته الباردة وودعنا وذهبوا وسط ذهولنا.
عندها قررت المبيت لدى والدتي مع أبنائي تطيباً لخاطرها.
بعد أيام قالت أمي وبحزن: لقد سافر عبدالله مع أبنائه بعد أن مروا سريعا لوداعي.
حاولت تقليص مساحة حزنها واستجمعت شجاعتي المهزومة واردفت ربما سيعودون قريبا لاتقلقي عليهم سيعودون إليك وتسعدين بهم. ثم نحن هنا بين يديك سعادتنا معك.
مسحت وجهها بنظراتي فوجدتها تهرب مني وكأنها تخفي أمراً ما ورفعت يدها تسأل الله لهم السعادة والسلامة.
كانت تلك العطلة الصيفية باردة بأحداثها مثقلة بهمومها تصاعد المرض إلى قلب أمي وكان يمتد منذ زمن لم تفصح عنه ولم تلمح سوى برغبتها في بقاء أخي عبدالله إليها وبقائنا بجانبها أنا وهو فنحن وحيداها.
ماتت الحبيبة!! فكانت أزمنتي جميعها حبلى بالحزن
عاد أخي بعد أيام من سفره متجرعا الحزن لوفاتها عاد ليدفن دموعه الشاحبة في مسبحتها التي مافتئت تتركها..
أخي وزوجته جعلاها تموت حزنا استغفر الله العظيم - ولكنهما كذلك..
وددت صفعة بقوة ولكن تحاملت على نفسي ووددت أن أبصق في وجهيهما فتذكرت أنه أخي الأكبر.
ولكنها والدتي!!
مساحات التواصل، الأخوة، التقارب تقلصت بيني وبين أخي ثم احتجبت بيننا.
بعد سنوات طويلة ومازال الحلم ذاته يعاودني من حين لآخر.
والدتي - يرحمها الله - بيدها خيط متين تشده لتربط بين عصفورين محلقين أحدهما دامي الجرح
وكلما أوشكت على إيصاله.. وينتهي الحلم واستيقظ فزعة.. ويتكرر الحلم على امتداد أيامي
صباح اليوم الخميس.. أفقت من حلمي هذا فزعة.
- يا إلهي ماذا أفعل؟ ماذا يعني ذلك عن والدتي؟
لم أعد أستطيع الاحتمال.. هل.. أم لا لا لا أعلم كيف ومتى لماذا؟ كنت في منزل أخي يوم
الخميس فوجدته على سرير المرض.
- أخي، حبيبي ماذا أصابك؟
- أختي العزيزة سامحيني لقد فقدتك كثيراً وقصرت في تواصلي بك سامحيني.
اختلطت دموعنا وشممت ولأول مرة رائحة أمي تفوح بيننا ووجدتها في نظراته القابلة. ووسط تلك الكآبة أحسست بها ولأول مرة تضمني بحرارة وتمسح دمعي إنها زوجة أخي تخيلت أمي وهي تصل الخيط بين العصفورين كما في ا لحلم.
ابتسمت ونظرت بحب وود إلى أخي وأنا أضم يديه إلي يدي، وتبسم أبناؤنا فتناثرت زهور السعادة والرضا من حولنا.
)أحمد( ابن أخي لمحته وسط تلك المساحة الزاهية ينظر باعجاب إلي ابنتي )أمل( التي غدت عروساً جميلة ثم توارى خجلاً مني فضحكنا جميعاً.
وهزت زوجة أخي رأسها مبتسمة وهي تقول يبدو ياعزيزتي أن مساحات الود بيننا ستبقى دائماً رحبة عندها سقطت دمعة مختلطة بين الفرح والحزن والرضا من عيني
مساء ذلك الخميس فقط نمت سعيدة وايقنت ان أمي حتى بعد وفائها مازالت تزرع مساحات حياتنا بالود واللعب.
|
|
|
|
|