| مقـالات
سُئِل أحد الدبلوماسيين العرب عن مفهومه للدبلوماسي. فأجاب:
- هو الذي إذا قال: نعم، فالحقيقة أنه يعني «ربما»
- وإذا قال: ربما، فالحقيقة أنه يعني «لا».
- أما إذا قال: لا صراحة فهو دبلوماسي فاشل.
لا شك أن هذا الدبلوماسي العربي يقصد أن ما يقوله السياسيون والدبلوماسيون ليس هو الحقيقة بعينها، وإنما يقصدون «ضمناً» شيئاً أو أشياء أخرى.
إن هذا التعريف لا يعني أن الساسة أو الدبلوماسيين لا يقولون الحقيقة دوماً وأبداً، انه يعني أن إجاباتهم ليست قطعية وحدية، وإجابات لا تتضمن النفي المطلق أو التأكيد المطلق، فإذا سُئل أحد المسؤولين عن نتائج زيارته لبلد ما )وفي الحقيقة أن هذه الزيارة كانت فاشلة ولم تؤدِ إلى أية نتائج( فإنه يقول مثلاً: لقد كانت هذه النتائج مقبولة وجيدة ونأمل أن تكون أكثر إيجابية في الفترة القادمة.
إن مثل هذه الإجابة - أو على غرارها - لم تفصح عن حقيقة نتائج الزيارة، ولكن تضمنتها بشكل غير مباشر ويمكن للقارىء أو المستمع أن يلحظها دون جهد، لكن التصريح بها علناً قد لا يخدم الطرفين، لأنه قد يقطع الطريق نهائياً أو لفترة طويلة - على الأقل - لعودة المباحثات بينهما، بل قد يؤدي هذا التصريح العلني إلى اتخاذ دول أخرى - معنية بهذين البلدين بشكل مباشر أو غير مباشر - مواقف شبيهة علنية، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تأزم أكبر وأشد لا تحمد عقباه، ويكون السبب المباشر: كلمة بسيطة أدلى بها هذا المسؤول أوذاك، وكان يمكن أن يستبدلها بجملة أو بكلمة أخرى دون جهد.
إن الكلمة المدروسة الموزونة بدقة ضرورة لكل سياسي ودبلوماسي ولكل مسؤول كبرت مسؤوليته أم صغرت، لأن صدى هذه الكلمة ونتائجها لا تنعكس عليه كفرد، بل تنعكس على كامل المحيط الذي يتولى مسؤوليته.إن الكلمة الموزونة لا تعني بالضرورة الكلمة الكاذبة أو الخادعة.. إنها تعني الكلمة التي تحرص على مصلحة الجماعة ومصلحة المجتمع.. إنها وكما يقال أشبه ب«شعرة معاوية» التي يجب أن يحرص المسؤول على عدم قطعها، ويكون القطع في الكلمة هنا: جفافها وخشونتها، وحديتها، وقساوتها.
إن الكلمة الموزونة ليست ضرورية عند السياسيين والمسؤولين فحسب، بل هي ضرورة أيضاً عند الأفراد العاديين، فكم من كلمة قاسية ألهبت نار الحقد في الصدور، وباعدت بين الأخ وأخيه، وكم من كلمة موجعة قتلت صاحبها، وكم من كلمة جارحة ضيّعت مستقبل ومصير أسرة، بل وكم من كلمة واحدة غير موزونة أشعلت نار حروب كثيرة راح ضحيتها الأبرياء والعزل.
|
|
|
|
|