أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 7th May,2001 العدد:10448الطبعةالاولـي الأثنين 14 ,صفر 1422

العالم اليوم

الجزيرة تنشر مآسي الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي
الشهداء الأطفال
* رام الله نائل نخلة:
^^^^^^^^^^
عدت إلى البيت الساعة التاسعة والنصف مساء، لقد كان أولادي الأربعة بانتظاري وطلبوا مني بعض الحاجيات، فخرجت ثانية ومعي طفلي الأصغر عبدالمنعم سنة ونصف لكي اشتري لهم شوكولاته وبعض الحلاويات.
^^^^^^^^^^
وأثناء عودتي إلى المكان بسيارتي شاهدت سيارات الإسعاف والشرطة وعدداً كبيراً من الناس يركضون باتجاه المنطقة التي اسكن فيها، وعندما وصلت لم اصدق ما شاهدته، كأن بيتا كان هنا، وأي بيت انه منزلي في تلك اللحظة شعرت أن حياتي قد انتهت وكل شيء لي في هذه الدنيا زوجتي وأولادي قد فقدتهم إلى الأبد.. هذا ما قاله لنا جمال بركات 27 عاما الذي لم يفارق زوجته وطفليه في مستشفى رام الله المتبقين من جريمة الاحتلال الإسرائيلي الذي تؤكد الأجهزة الأمنية الفلسطينية انه المسؤول عن تفجير البناية السكنية وسط رام الله مساء الاثنين 30 4 وراح ضحيتها الطفلان شهيد وملاك إضافة إلى الشاب حسن القاضي.
كان الوضع طبيعيا جدا كما رأته الام، فهي مشغولة في بعض أعمال البيت وأطفالها الأربعة شهيد 7 سنوات ووعد 5 سنوات وملاك 4 سنوات عبدالمنعم سنة ونصف يلعبون في غرفتهم مثل كل الأطفال في العالم وبوضع خاص لأطفال فلسطين الذين لم يعد البيت آمناً لهم من همجية الإسرائيليين الذين يلاحقونهم في بيوتهم ومدارسهم.
وتقول أم شهيد الذي بدا عليها التعب والإرهاق على سرير الشفاء في قسم الجراحة بمستشفى رام الله الحكومي طلبت منهم الهدوء وعدم الصياح، ولكنهم رفضوا ، فهم كانوا مندمجين جدا مع ألعابهم وحاجياتهم الخاصة.
وتواصل أم شهيد الابن البكر لها وهي تسترجع اللحظات القاسية التي مرت بها مساء الاثنين «دخل زوجي جمال الذي يأتي في العادة بمثل هذا الوقت المتأخر حيث يعمل بالإضافة إلى عمله في بلدية رام الله سائقا لتكسي بعد الظهر وهذا كله بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقد لاحظ علي التعب، وركض نحوه شهيد ثم تبعته ملاك ووعد كل واحد منهم يطبع قبلة على وجهه ويقولون له «بابا نحن نحبك كثيرا كثيراً»..
أراد جمال مثل كل الآباء أن يدخل السعادة على أبنائه فأخبرهم انه سيخرج إلى السوق لكي يشتري لهم ما يحبونه من الشوكلاته والشيبس وغيره ، فكانت الفرحة العارمة على وجوه شهيد وملك ووعد وعبدالمنعم لكن الأخير امسك بقدم والده وهو يصرخ لأنه يريد الخروج مع أبيه وبالفعل يقول جمال «حملته وأخذته معي وقال لي أبنائي، بابا نحن ننتظرك حتى تعود ، لن ننام.. وبالفعل كان مساء أطفال جمال دمويا ومأساويا بكل ما تحمله الكلمة من معنى لحظات والأم منهمكة في عملها على برندة المنزل المكون من طابقين والذي يبعد 300م عن مقر إقامة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات شاهدت نارا ثم تبعها مباشرة انفجار ضخم حوّل البيت إلى أنقاض، وتتحدث أم شهيد عن هذه اللحظات وهي تبكي «في لحظة انهار البيت علينا سمعت صوت ابنتي ملاك وهي تصرخ وتقول «ماما، أنقذيني، أني خائفة ويتعالى بكاؤها ونحيبها.. ولكنني لم استطع أن افعل لها شيئا وهنا تتوقف الام عن الحديث، لا تقوى على الاستمرار في التذكر أو قول أي شيء، إنها بكت كثيرا وأبكت زوجها ووالدها وعمها وكل من حولها، إنها عاطفة الأمومة وإرهاب الاحتلال اللذين التقيا دفعة واحدة ليعكسا تناقضات الحياة بجملها.
لحظات بعد الانفجار الذي دوى صوته في رام الله، وصلت قوات كبيرة من الأمن الفلسطيني الذين نجحوا خلال الدقائق الأولى للانفجار من إزاحة الردم الذي سقط على أم شهيد التي لولا عناية الله لكانت أحد القتلى لو انفجرت اسطوانة الغاز التي كانت بجانبها.
وعندما وصل جمال بركات إلى منزله المدمر شاهد طفلته وعد وهي تصرخ وتبكي وقد وقع عليها أحد جدران البيت وبمساعدة رجال الدفاع المدني الفلسطيني تم فتح منفذ على الطفلة التي ترقد اليوم في مستشفي رام الله بجانب والدتها تعاني من كسر في اليد والحوض إضافة إلى كدمات في وجهها عندما شاهدتني هدأت وتوقفت عن البكاء حيث رافقتها بسيارة الإسعاف إلى المستشفى وأخبرني المسؤولون هناك أن جميع أطفالي بخير ويتابع والدها «عندما وصلت إلى غرفة الطوارئ بدأت أفتش عن أطفالي فلم أجد سوى زوجتي التي كانت تعاني من انهيار عصبي شديد، أدركت بعدها أن ابني شهيد وملاك غير موجودين هنا فعدت مسرعا إلى البيت وحاول الشباب هناك منعي من الاقتراب ولكنني اصررت على ذلك وبالفعل أول ما وصلت شاهدت يد ابني شهيد ورجال المدني يزيلون الركام من على جسمه فأدركت أن ابني قد انتهى عمره فاحتسبته عند الله، لقد كان وجهه مهشما بشكل كامل.
ولكنني صدمت مرة ثانية بابنتي ملاك بنت الرابعة التي كانت تحت شهيد مباشرة فعندما سحبوا ابني ظهرت ملاك التي سمعت أنينها الذي بدا خافتا قبل أن ينقطع مرة واحدة، لقد توفيت هي الأخرى». هكذا هو القدر أن يستشهدا فوق بعضهما حتى إن قصتهما في الموت كانت واحدة ومميزة، فلم تجمع شهيد وملاك رابطة الاخوة فقط فهما يشكلان معاني كثيرة لوالدهما.
شهيد الذي يحمل اسما مميزا يتكرر بشكل يومي على ألسنة الناس في الشارع والمدرسة والبيت، إضافة إلى ما تتناقله وسائل الإعلام عن سقوط الشهداء من أبناء شعبه. يتحدث والده عن ردة فعل الطفل عند سماعه لهذا كان في البداية يسألني، بابا هذا أنا؟، وعندما كبر اصبح يعرف أن الاحتلال قتلهم، وأننا نسميهم شهداء لأنهم سيدخلون الجنة.
عم شهيد الذي كان يحبه جدا ويشجعه على الدراسة والتفوق اشترى لابن أخيه جهاز كمبيرتر قدمه له كهدية لتفوقه في صفه، ولقد كان سعيدا جداً بالهدية، حيث تعلم في وقت قياسي على الجهاز وبدون مساعدة من أحد مما يدل على ذكائه وتفوقه واكثر ما كان يستمع إليه هو القرآن.. كذلك كان يحب الأناشيد الوطنية.
وعندما سألت جمال عن سبب تسمية ابنه بهذا الاسم قال«رزقني الله بطفل بعد عام من زواجي عام 1993 ، فكنت ابحث عن اسم يعطي ابني حياة أطول، ويساعده على الاستمرار في الحياة مع والديه الفرحين جدا بطفلهم الأول، فلم أجد غير كلمة شهيد تعطي المعنى المقصود.
فالشهيد في ديننا هو رمز للحياة السرمدية في جنات الخلد وهو الوحيد في البشرية جمعاء لا يموت، وهذا ما كنت أريده لابني فسميته شهيد».. ولكن والدموع تتقاطر من عينه الذي حاول والد الشهيد شهيد عبثا حجبها كان الاحتلال، الاحتلال الذي لا يفرق بين طفل وشاب، بين امرأة ورجل ، فكلهم فلسطينيون في نظرهم يستحقون القتل..
ملاك تلكم الطفلة التي أضاءت النور على بيت جمال بقدومها حبكت مع بداية حياتها قصة معاناة الفلسطينيين منذ عقود مع الاحتلال الذي يعتقل ويقتل ويدمر كل شيء فلسطيني.
وكان الاحتلال الذي حرم جمال من أن يشاهد ابنته لحظة قدومها إلى الدنيا نفسه الاحتلال الذي سرق لعبتها، وسوى بالأرض غرفتها ومنزلها الذي قتلها. والد ملاك يقول وهو ينظر إلى بوستر علق على باب الغرفة التي ترقد فيها أسرته تتميز بكل براءتها وجمالها وطفولتها التي شاهدها الجميع الا الاحتلال يقول «عام 1997 كنت اقضي اصعب أيام حياتي في زنازين التحقيق بسجن الرملة، اكثر من سبعين يوما وأنا منعزل عن العالم بشكل تام، وأنا كذلك أواجه شتى أصناف العذاب على يد المحققين الإسرائيليين جاءت مكالمة خاصة لي بترتيب من الصليب الأحمر الذي في العادة يرتب مثل هذه المكالمات في الحالات الطارئة، فأبلغت من قبل اخي أن زوجتي في مستشفي الهلال الأحمر برام الله وقد رزقني الله بطفلة. فبعد أن اطمأننت على صحة زوجتي سألتني ماذا نسمي الطفلة الجديدة، فقلت لهم صفوها لي.. وبالفعل بدأت تصفها لي، بيضاء، عيونها ملونة تميل إلى الخضرة ، شعرها خروبي، تقاسيم وجهها ناعمة ومميزة، فقلت لها انك لا تصفي لي طفلة عادية، انك وصفت ملاكاً فسمها على ما وصفتها«ملاك» ولكن جمال لم يكن يعلم أو يتوقع أن تكون نهاية طفليه بهذا الشكل المؤلم، انه يعبر عن وحشية الإسرائيليين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، انهم يقتلون الأطفال والنساء في بيوتهم الآمنة، ان تصرفاتهم وحشية اكثر من النازية.
هذه استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون الذي أعلن قبل أيام في جلسة حكومته المنعقدة فلأول مرة في تاريخ دولة إسرائيل بمستوطنة عوفرا التي لا تبعد عن بيت شهيد وملاك سوى 3 كم أن الجيش الإسرائيلي يقاوم الإرهاب، ومن حقنا أن نستخدم كل الوسائل للدفاع عن مواطنينا، وإننا نستخدم أساليب لم ولن اكشفها لكم الآن لمواجهة الإرهاب الفلسطيني «ليرد عليه وعد بنت الخامسة التي ترقد في مستشفى رام الله بأنينها وصراخها الذي لم يتوقف لحظة انهيار بيتهم عليها بفعل الوسائل الإسرائيلية للدفاع عن النفس!!
من يضيء شمعة هذا البيت الذي احرقه الاحتلال ودمّر كل ما فيه؟ من يعوِّض هذه الأسرة التي دفعت كل ما تملك في تأثيثه وتحديثه، بعد أن اصبح اليوم ركاماً؟ من يخفف عن أسرة الشهيدين شهيد وملاك التي لجأت إلى رام الله لكي تكون آمنة وبعيدة عن بطش الاحتلال الذي اعتقل جمال اكثر من ست مرات من عام 89 إلى 97 قضى في سجونها اكثر من خمس سنوات؟

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved