| الاخيــرة
يرى المهتمّون بالشأن الانساني ان ظاهرة الإسقاط حيلة عقلية يلجأ اليها المرء أحياناً «لتبرير» اللوم المترتب على ذلك الخطأ الى شخص أو ظرف أو موقف آخر.. ويستوي في ذلك الأفراد والجماعات من الناس، وتحتفظ الذاكرة ب«وصفات جاهزة» من التبريرات او التمريرات! وأشهر هذه «الوصفات» ما نسمعه ونقرأه في المجالس والصفحات المهتمة بالحدث الرياضي، فحين يفشل فريق كرة القدم في منافسة رياضية، ينسب بعضُ القائمين عليه سببَ الإخفاق حيناً للمدرب، وحيناً للحكم ليكون أحدهما او كلاهما «كبش فداء» يزيح عن أفراد الفريق كابوس الفشل، ومعاناة المساءلة او السؤال، وربما يعزى سبب الإخفاق الى أمور أخرى مثل طبيعة أرض الملعب، أو الطقس، أو حماس أو خمول الجمهور ونحو ذلك. والمهم في الأمر أن يظل الفريق، قيادة وأفراداً بمنأى عن العتاب والعقاب!
وهناك أنماط أخرى من الإسقاط يمارسها البعض منا في مواقف عدة إما تبريراً للفشل .. أو هروباً منه!
فهذا موظف يعلّل فشله تارةً بسوء ادارة رئيسه، وأخرى بغياب التعاون بين زملاء العمل، وثالثة بتراجع حماسه للعمل بسبب احباطات الجزاء او الثواب. وهذا رجل أو امرأة يبرر أحدهما القصور في صلة الرحم بضيق الوقت، أو بعد المسافة، أو الالتزامات الخاصة والعامة. وأزعم انه لو كان للوقت وعي وإرادة ولسان.. لاشتكى وتظلّم من إفراط الناس في تحميله أوزارهم! وهذه زوجة تنعى حظّها العاثر بسبب ذوي القربى او الجيران او غياب زوجها عن المنزل أو سفره المتكرر، بسبب وبدونه! وقد تلوم «الأقمار الصناعية» .. لأنها اختطفت انتباه زوجها رغم وجوده بين جدران المنزل، بصنوف البثّ المباشر وغير المباشر. فلم يعد يعيرها اهتماماً ولا وزناً!
وهذا طالب يعزو فشله في الامتحان الى قسوة الأسئلة، أو قصور المدرس أو لتلوّث الجو الأسري داخل المنزل خلفاً وخصاماً، ونحو ذلك.
واذا كان هذا حال بعض الأفراد ، فإن هناك أمماً وشعوباً أسوأ حالاً، فبعض النظم السياسية تبرر تعثر برامج تنمية الانسان فيها او غياب الأمن والاستقرار لشعوبها، فتنسبه الى منظومة «الفكر التآمري » المسلط عليها من خارج الحدود، وتتخذ من هذا الفكر غطاء حميماً يستر عوراتها، فتحمّله أوزارها، وتعلق عليه أخطاءها، وتنسب اليه اخفاقها، لتبقى هي أبداً بمنأى عن الحساب والعقاب، بل قد توظف شماعة «العدو الخارجي» لاستدرار عطف أو تعاطف جماهيرها البريئة المغلوبة على أمرها.. ولتمرّر من خلال هذا العطف المزيد من الأوزار والآثام!!
*******
هنا يقف المرء متسائلا:
متى يصحو الناس من سبات الغفلة، أفراداً وجماعات، ليواجهوا أخطاءهم ببأسٍ يهزم نزعة الإسقاط المريض في أعماقهم؟! متى يصارح الناس أفئدتهم بما فعلوا ويفعلون، ويجاهدون انفسهم بحثاً عن الحلول للظهور على الأخطاء، بدلاً من تمريرها الى «الآخر»؟! متى يستيقظ في أعماقهم الإحساس بأنهم في معظم المواقف والأحوال مسؤولون عن أخطائهم.. ليواجهوها تقويماً وتصويباً ، كيلا يعودوا اليها كرّة أخرى؟!
وبعد..
فلو كان كل منا، مسلمين وعرباً ، موضوعياً مع نفسه قبل الغير.. وخصماً وحكماً لنفسه وعليها قبل الغير، لكان لنا شأن آخر بين العالمين، ولكُنَّا قوماً.. يصطفيهم الآخرون قدوةً، ويحتذونهم مثلاً!
والأمر، من قبل ومن بعد، ليس شيئا عسيراً.. متى توفّرت للمرء شجاعة العقل، وصلابة الإرادة، ونزاهة الوجدان!
جدة - 8/2/1422ه
|
|
|
|
|