| الاقتصادية
التدريب المهني يمثل عصباً اقتصاديا في معظم الدول، المتقدمة منها والنامية، والعناية والاهتمام به يعد أحد مقومات وركائز ذلك الاقتصاد، ولأن العديد من الأنشطة الاقتصادية تقوم غالبية منتجاتها على العمل الحرفي، لهذا فإن السعي والمضي الى ما من شأنه الرقي والنهوض بشؤون القطاعات المهنية عامة أضحى أمراً ضرورياً تمليه علينا متطلبات الحياة العملية باستمرار، وفي المقابل فإن الشروع في اقامة مراكز للتدريب المهني في المدن الكبرى يعد سياسة غيرفاعلة ولا تخدم على المدى البعيد الأهداف المرجوة والتي قصد منها ذلك التوجه من التدريب، والتجارب المشاهدة حاليا تثبت ان معظم خريجي مراكز التدريب المهني في انحاء المملكة العربية السعودية كانت أهدافهم منذ بداية انخراطهم في تلك المراكز واضحة واتضحت جليا عند التأكد للجميع أنهم لم يعملوا في مجالات تخصصهم، فقد كان الهدف الأوحد هو الحصول على شهادة تدريبية مصاحبة لشهادة المؤهل العلمي في التعليم العام الذي حصلوا عليه، ليمكنهم ذلك من الالتحاق بوظيفة غالبا ما تكون عسكرية أو مدنية في مجالات شبه فنية أو إدارية بحتة!! ولهذا فإن المضي قدما بإقامة مراكز للتدريب المهني في المدن الكبرى خاصة، يعد فقداناً لموازنات مالية اعتمدت لأجل النيل من أمر لم يتحقق، وان تحقق فإنه يعد نسبة غير مرضية، فضلا عما هو معروف من ان سكان المدن يرفض غالبيتهم العمل الحرفي، وهذا أمر مأثور وليس بجديد حدوثه في اي مجتمع داخل مدنه الكبرى، ويبدو ان هناك دولاً عديدة استشعرت هذا الأمر منذ زمن طويل فسارعت الى ايجاد مراكز للتدريب المهني بكافة أنواعها، في القرى والهجر، وقد لا يأخذ الأمر في إنشاء مثل هذه المراكز، وضع وشكل مراكز التدريب بمفهومها الفعلي من ناحية التجهيزات الفنية العالية والمساحة التي تماثل مراكز التدريب الكبرى، إنما يتمثل ذلك في إنشاء هذه المراكز بأن تكون صغيرة في كيانها، أو على شكل ورش فنية مهيأة للتدريب، وخصوصا إذا ما أخذ في الاعتبار عدد السكان المحدود في المحافظة أو القرية المزمع اقامة تدريب مهني فيها، ومن الدول التي خاضت هذه التجارب وقد نجحت بالفعل في توجهها هذا، هي على سبيل المثال )المملكة المغربية الجمهورية التونسية( فقد شوهد اقامة العديد من المراكز أو الورش للتدريب المهني ولحرف متعددة، وقد أسهم تواجد هذه المنشآت التدريبية في انخراط الكثير من سكان المحافظات والقرى المجاورة لها نظراً لقرب التدريب للقاطنين بها، مما جعل تلك المحافظات والقرى تشكل شبكة من المصانع منها اليدوية وشبه الآلية أو ما يسمى بالنصف آلية، وأصبحت تصدر منتجاتها الى المدن الكبرى في بلدها، مما أوجد دورة اقتصادية في بلد واحد، وأضحى هناك غنى نسبي عن الاستيراد لبعض مستلزمات بلادهم، كما أن من الفوائد التي اكتسبت جراء ذلك التوجه، التقليل بنسب جيدة من النزوح من القرى والهجر الى المدن، سوى من ناحية التعليم والتدريب أو للعمل بعد ذلك لتوافر الفرص المتكاملة لديهم، وأسهم ذلك في تحقيق توازن جيد في التركيبة السكانية السليمة المطلوبة بين المدن وقراها، ولأن عدم تحقيق مثل ذلك التوازن مؤداه وجود خلل عام يثبته بعد ذلك الاحصاء العام تجاه العديد من الموارد الأساسية للبلاد، خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية،
ومن هنا فإن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مطالبة بإنشاء مراكز للتدريب المهني في عظم المحافظات التي لم تنشأ فيها بعد وكذا القرى التابعة لها، وأن يأخذ هذا التوجه في التأسيس محدودية إنشاء هذه المراكز من ناحية المساحة ومستوى عملية التدريب، وبحيث يؤخذ في الاعتبار الطبيعة الجغرافية للمحافظة أو القرية المزمع اقامة مركز بها وكذا ماهية رغبات وميول السكان في تميزهم من خلال القيام بمنتجات معينة يشتهرون ويبدعون بها لتحقيق الأمل المطلوب، ومن خلال ذلك يتم تحديد المجالات التي يمكن قيام دورات تدريبية بها وأيضا مددها، ولعل هذا المقترح يذكر بما قامت به وزارة المعارف منذ عقدين من الزمن بإغلاق معاهد المعلمين في المدن ونقلها إلى المحافظات والقرى في انحاء المملكة، الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في سياسة التعليم في البلاد،
|
|
|
|
|