| مقـالات
عندما ينحرف أي نشاط انساني عن تحقيق أهدافه النبيلة، وينجرف الى تيارات تعاكس تلك الأهداف، لابد لنا أن نتوقف ونسأل: أين الخطأ وكيف العلاج؟!
أقول هذا متوجهاً بحديثي اليوم الى مشجعي كرة القدم المتعصبين عصبية جاهلية، تحول اللعبة الرياضية الجميلة الى مادة نزاع وشقاق، حتى نرى الأسرة الواحدة بعد أن تشاهد المباراة تنقسم الى فريقين متخاصمين، وربما طال الخصام لسنوات، لمجرد أن الكرة في قدم هذا اللاعب أو ذاك قد حادت قليلاً عن العارضة أو سكنت الشباك، أو لأن الحكم كان منحازا لهذا ضد ذاك! فما ذنب صداقات كثيرة تذهب ادراج الرياح، وماذا جنت أرحام حميمة تقطع لسنوات بسبب تلك الساحرة المستديرة بين أقدام اللاعبين! وهل يعني فوز فريق أو خسارته مباراة ما أنه الفريق الأفضل أو الأسوأ.. وإلى الأبد؟!
ولماذا لا ننعي حال مدننا وهي تحبس انفاسها عند كل مباراة، فالجمهور المندفع من الملعب عقب المباريات بكثافة مرورية زاخمة للطرق والشوارع، لا يكتفي بذلك الحرج على أجهزة الأمن والمرور، ولكن يخرج من بين صفوفه كثير من الشباب يوقفون سياراتهم ويعترضون سيارات الآخرين، وحتى العائلات التي يقودها حظها العاثر للمرور بسيارتها في الطرق القريبة من «الاستاد» لا تسلم هي الأخرى من الإيذاء والأذى وسط الدوامة الهائجة.
والمفترض أن تكون هذه اللعبة الرياضية مجالاً للتنافس «الشريف» بين لاعبي الفريقين وجمهورهما على السواء، لكننا نرى على أرض الملعب أفراد الفريق الفائز يصافحون زملاء اللعبة في الفريق الآخر متمنين لهم حظاً أوفر في اللقاءات القادمة، والآخرون يهنئونهم بالفوز في روح رياضية عالية، بينما تكون الحوارات الساخنة المثيرة بين الجماهير في المدرجات قد بلغت أوجها، وأسفرت عن العديد من المشاحنات والمخاصمات حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وكذا الحال بين من يشاهدون المباراة على التلفاز في المنازل وأماكن التجمعات.
هذه الجماهير الغفيرة التي تعشق اللعبة وتشجعها هذا التشجيع الأعمى لن أنعى اليها خواء قاعات المنتديات العلمية والأدبية من الجمهور المشجع لهذه البضائع التي أصبحت مزجاة حتى في عرف المتعلمين من عشاق المستديرة المثيرة، لكني أنعي عليهم هذه السلوكيات التي تنافي ثوابت المجتمع وقيمه ومفاهيمه.
ولن يغفر لهم - اذا استمرأوا - ان الجماهير في الدول الأكثر تقدماً تفعل ذلك وأكثر الى حد القتل في المدرجات، ذلك أن الجماهير هناك وهي تعيش خواءها العقدي لابد أن تتخبط في مثل ذلك وأكثر، وهو ما تؤكده في جوانب أخرى مؤشرات الجريمة كماً ونوعاً في مجتمعاتهم، وأنهم يوقدون الحرب ويؤججونها، مع أنهم يعلمون أنها - على الجانبين - لا تبقى ولا تذر، فبقدر ما خسرت دول أوروبا وروسيا من هجوم هتلر عليها، بقدر ما كانت خسارته هو أكبر بتقسيم بلاده بعد تحطيمها ثم انتحار هتلر ذاته، وهذا مجرد مثل يؤكد أثر الخواء العقدي على كل المستويات في الغرب المتحضر.
أما مجتمعنا المشبع بعقيدة الاسلام فلابد أن تكون سلوكياته منضبطة بتعاليم هذا الدين القيم الذي شجع الرياضة حتى سابقت عائشة رضوان الله عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجري فسبقها وسبقته، لكن الاسلام نفسه هو الذي دعا الى التآلف والتعاون والسلام بين أتباعه، وحرم عليهم التنازع والشقاق كي لا تذهب ريحهم، بل لقد حرم الاسلام الغيبة والنميمة بين الناس حتى جعلها كاللحم الميت في فم المغتاب النمام، لما تحدثه من تمزق في العلاقات بين المسلمين، وجعل الفتنة أشد من القتل، إن التصرف المثير بين الجماهير ولو جاء من قلة يعد أمراً خطيراً على الأمن والسلام الاجتماعي ولابد من تداركه لا بقرارات فوقية وانما بإحساس المواطنة في كل واحد فينا الذي يحتم عليه الحفاظ على هذا الأمن وهذا السلام.
|
|
|
|
|