| الاخيــرة
في أثناء دراستي لمادة التدريب الميداني في الولايات المتحدة الأمريكية قمنا بزيارة لإحدى مدارس المرحلة المتوسطة، وفيما نحن نتجول بين الفصول الدراسية دخلنا واحدا منها فلفت انتباهي وجود نوعين من الطاولات المستديرة التي يتحلق حولها الطلاب وهم يتلقون العلم. وكان نوع منها مرتفعا عن النوع الآخر بحيث كان نصف الطلاب يجلسون على الكراسي بينما النصف الآخر يفترشون الأرض، ويعملون جالسين أرضاً وقد خلعوا أحذيتهم خارج الفصل.
وسألت المعلمة ان كان هؤلاء الطلاب ينتمون الى فصلين دراسيين مختلفين فأجابت بالنفي، وأحست بعلامات استفهام مرسومة على وجوهنا!! فاستطردت قائلة: قد تتساءلون عن اختلاف وضع وارتفاع الطاولات الدراسية. قلنا: نعم كدنا نسأل عن ذلك. قالت: كان ذلك من قبيل الصدفة. في بداية الفصل الدراسي كرست واحدة من ارجل احدى الطاولات، وكنوع من التقنين والاستفادة من هذه الطاولة قصصنا الأرجل الثلاث الباقية لتتساوى مع الرابعة القصيرة ووضعناها في زاوية هذا الفصل.
وفوجئنا بأن الطلاب اخذوا يتزاحمون للجلوس حول هذه الطاولة، حيث طاب لهم الجلوس على الارض، وفهمنا ان تغييرا في البيئة التعليمية اصبح ضروريا لجذب انتباه الطلاب ودافعا بل ومحفزا لمزيد من الاهتمام والتعلق بالدرس. من اجل ذلك قمنا بقص أرجل نصف طاولات الفصل لمن يرغب في الجلوس حول هذه الطاولات.. على الارض.
من تلك الحادثة تعلمت انه لكي نبدع في عطائنا التعليمي ولكي يبدع طلابنا في أدائهم، فإنه لابد من الأخذ في الحسبان أهمية كشف ميول ورغبات واستعدادات الطلاب النفسية، والوقوف على قدراتهم الذهنية، ثم تلبية كل ذلك على يد معلم واع قادر على التفاعل مع الموقف التعليمي بأكمله، ودون ذلك لن نستطيع الكشف عن المهارات الخبيئة في نفوس أبنائنا، ولن نتمكن من الخرج على دائرة «التلقين والتلقي» التي لم تتطور منذ بدء التعليم النظامي، والتي لانزال نطلب من ابنائنا ان يلتزموا الصمت، والهدوء، والثبات في المكان، في الحصص الدراسية وكأنهم أوعية يقوم المدرس بملئها بالكلام تارة، وبغبار الطباشير تارة اخرى.
في الوقت الذي يبحث فيه العالم الأول عن منافذ الوصول الى قدرات الأجيال بغية التجديد والتطوير، نقوم نحن ايضا بالتجديد، ولكن بعيدا عن جوهر طرفي المعادلة في العملية التعليمية التربوية وهما: الطالب.. والمعلم.. وتاليتها؟!!
|
|
|
|
|