| الثقافية
والحديث عن اللغة العربية لا ينتهي ولا ينقطع والبحث في أسرارها لا يُفقّط فهي لغة الجمال والجلال والمنطق، وهي التي أخذت في الأصالة مكانة لا تضاهيها مكانة، وملكت قوة على احتواء اللغات لا تماثلها قوة ولهذا فهي مهما تُشبّه بشيء فهي اكبر منه شأنا، وأعظم منه قدراً، وأعمق منه بعداً، لا يقف الواصف لجمالها عند حد ولا يصل المتحدث عن بلاغتها وبديعها وقوة اسلوبها وحسن تركيبها وعذوبة معانيها إلى نهاية.
هي بحر ولغات العالم جداول وافلاج تغرف في أعماق محيطها العظيم.
امتازت ب«ضادها» التي يصعب على أي لسان غير عربي أصيل ان ينطق بها، كما امتازت على سائر لغات العالم بالمرادفات التي تسعف لسان المتحدث بها أو الكاتب بها، فإذا تعسر عليه او غاب عن ذهنه لفظة وجد لها مرادفاً يأتي بمعناها ومفهومها.
ولو لم تكن اللغة العربية ذات شأن لما كانت اللغة آخر الرسالات السماوية إلى الأرض فاستحقت بذلك الخلود.
وأبناء اللغة العربية يجدون في مديحها آفاقاً واسعة تمدهم برؤية حقيقية لواقعها، ولهذا جدت الأقلام في وصفها، وتمجيدها وذكر مآثرها والافتخار بتكريمها بالقرآن العظيم الذي نزل بلسانها لتبقى على الأرض ما بقي القرآن الذي تولت العناية الإلهية حفظه، قال تعالى في سورة الحجر آية «6»: «إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون».
وعن حياة اللغة العربية وسمو قدرها قال محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة 1377ه قصيدة طويلة قوامها ثلاثة وثلاثين بيتاً تضمنها ديوانه «خواطر الحياة» اقتطف منها قوله:
أبدع القول وقد اسعده
لهجة فصحى وجأش مستقر
لغة أودع في أصدافها
من فوانيس الهدى أبهى دُرر
لغة تقطف من أغصانها
زهر آداب وأخلاق غرر
أفلم ينسج على منوالها
كلم التنزيل في أسمى صور؟
ضربت في كل فن ساحر
من فنون القول بالسهم الأغر
لفظها الجزل له وقع كما
يقع السيف إذا السيف خطر
فاسأل التاريخ ينبئك بما
انجبت ارض قريش ومضر
من خطيب مصقع او شاعر
مُفلق يسحب أذيال الفخر |
(1) كتبت هذا الموضوع صبح يوم الاثنين 1 ربيع الأول سنة 1412ه بمدينة الباحة.
|
|
|
|
|