| مقـالات
استهلالا، إليكم بقصة حقيقية ترجمتها (بتصرف) من مجلة سيرد اسمها لاحقا.. (المشهد: مجموعة من لابسي القمصان البيضاء من طلبة كلية طب جامعة جورج تاون الأمريكية يتحلقون حول رجل يبدو انه يصارع الموت وذلك اثر تلقيه عدة طعنات نافذة في القلب والامعاء والطحال... بعد سبع عمليات جراحية بالغة التعقيد، ورغم اليأس والقنوط يبدأ المريض بالاستجابة للتدخل العلاجي، ويأخذ بالتحسن،
وتمضي الأيام والشهور، ليتعافى تماما. بعد ان تم سؤاله فيما بعد من قبل أحد طلبة الكلية المعنية عن مصدر قوته وسر اصرار جسده على مقاومة الموت، أجاب الرجل بالقول: «في الحقيقة هناك شيء (ما) يتعدى كافة حدود ما تلقيته من رعاية طبية فائقة للغاية،.. انه.. انه الله الذي منحني حياة كنت على قاب قوسين او أدنى من فقدها»).. حتى هذه النقطة يكاد الامر ان يكون عاديا، بل ان الامر في الحقيقة عادي لولا انها ظاهرة طرفها الآخر (العلم) حيث نشرت هذه القصة في المجلة الامريكية الشهيرة (Reader,s Digest) وذلك في عددها الاخير تحت عنوان «ما الذي جعل الأطباء يؤمنون ان في الايمان شفاء»، وقد أوردت المجلة المذكورة تفاصيل ظاهرة آخذة بالشيوع في أروقة الجامعات وردهات المستشفيات هناك كنهها استخدام الدين كوسيلة علاج واستشفاء.
فحتى عام 1992 الميلادية لم يُدرّس الدين - كعلاج روحاني - سوى عدد لا يكاد يُذكر من كليات الطب الأمريكية، بينما يُدرّس الآن فيما يقارب من 50 كلية طبية من مجموع الكليات الطبية الأمريكية البالغ عددها 125 كلية.
ماذا عن كليات الطب لدينا فيما يخص تسخير الدين - بطريقة علمية - كعلاج لما هو ميئوس منه من الامراض، وفي الرفع من معنويات المريض، وحتى في شحذ مهارات الطبيب والتأثير ايجابيا على تعامله الشخصي مع المريض؟ فالعلم الحديث لا يفتأ يثبت لنا متانة العلاقة بين الخصائص الجسدية للمرض (DISEASE) وجوانبه النفسية (ILLNESS)، وأهمية هذه العلاقة فيما يخص العملية العلاجية والتزام المريض بالارشادات الطبية ونحوهما. عليه وانطلاقا من الحقائق الثابتة المتمثلة في اننا ولله الحمد والمنة على الحق وان ديننا الحنيف هو الدين الرباني الصحيح لكافة البشر، وان في قرآننا الكريم شفاء للناس باذنه تعالى، فلماذا اذن لا نبادر فنشتق - علميا وخارج اطر التقاليد المتبعة في وقتنا الحاضر - من عظمة ديننا وكرامة قرآننا الكريم ما يساعد المريض منا على قبول الواقع، والقناعة بقدر الله، والثقة بقرب فرجه؟ لماذا لا يتم تدريس طلبة الكليات الطبية لدينا مواد دينية (ذات طبيعة موجهة) شريطة ان يقوم على صياغة هذه المواد (متخصصون) في العلوم النفسية والسايكايترية وان تكون منهجية تدريس هذه المواد ذات طابع يختلف تماما عن المعهود في تدريس المواد الدينية التي تعتمد في الغالب على التلقين المكرور والحفظ الرتيب، بل يجب كذلك ان يكون للمرضى (ولمرافقيهم كذلك، حيث ان مُصاحب المريض مريض، ايضا كما يقول المثل) نصيب من هذه الدروس كأن تُصاغ، على سبيل المثال، بطريقة تجعلها ذات تأثير ايحائي يبعث على التأمل، ويزرع الأمل في قلب المريض، ويدعم الثقة في كيانه، ويقوّي ارادته، ويبث في جسده القوة وفي عقله الباطني اليقين بأن الله سبحانه هو المُقدِّر للمرض وهو القادر عليه والشافي له.
.. في الختام، لا تنسوا انه - رغم ازدياد ضغوط الحياة لدينا - فنظمنا التربوية، ومن ضمنها طرائق التنشئة الاجتماعية بكافة أنواعها، تعاني من (الحسية المجردة والميكانيكية الجامدة)، ولذا فهي غير قادرة على تزويدنا بما هو كفيل بمدنا بالقوة الروحانية المنبثقة من الادراك - الذاتي - للعلاقة بين الجسد والروح التي من ثمارها القدرة على التأمل والثقة واليقين بخالق الجسد والروح والثقة واليقين.
ص ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|