| مقـالات
ما اليتم..؟ ومن هو اليتيم.؟
اليتم في اللغة؛ هو الانفراد. فمن فقد أباه في الناس فهو يتيم، ولا يقال لمن فقد أمه يتيم؛ بل منقطع. اما من فقد أباه وأمه معاً؛ فهو (لطيم). وهذا التدرج في وصف الانفراد الذي هو اليتم؛ من اجل دلائل البلاغة في اللغة العربية؛ التي لا تجاريها فيها أي لغة أخرى. لأن لفظ (يتيم)؛ أخف وقعا على السمع من لفظ (منقطع)، لأنه يعبر عن حالة اخف من اخرى؛ كما ان (يتيم ومنقطع) أخف من (لطيم)؛ فماذا يعني (الانقطاع واللطم) إذن..؟
الانقطاع هو الانقسام والانفصال والفرقة. ولاشك ان من فقد أمه؛ فإن بؤسه اشد من فقده لوالده؛ ذلك ان دور الام؛ يفوق دور الأب في الحضانة والرعاية، وهذا يفسره قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (.. أمك ثم أمك ثم أمك؛ ثم أبوك).
أما (اللطم)؛ فهو ضرب الخد والوجه حتى تتضح الحمرة، وفي هذا تعبير عن الحسرة واليأس وعمق الجراح، نتيجة فقد الأب والأم معا. وهذه حالة اعظم من اليتم بفقد الأب؛ والانقطاع بفقد الأم.
إن الولد لا يدعى يتيما بعد بلوغه ومقدرته على الاعتماد على نفسه، اما الجارية فهي يتيمة حتى يبنى بها. قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم). هذا؛ إذا آنستم منهم رشدا. وقد تلازمهما التسمية بعد ذلك (مجازا)، فالرسول صلى الله عليه وسلم ظل يسمى يتيم أبي طالب، لأنه رباه.
وصورة اليتم في المجتمع؛ مكونة رئيسة في نسيجه العام منذ ان خلق الله الخلق، لأن النوازل والفواجع تَكِرّ كر الليالي والأيام ولا تتوف، وما يخفف من قسوة الحالة وبشاعة الصورة؛ هو ذلك التكافل الاجتماعي التعاوني، الذي أرست قواعده الشريعة الاسلامية السمحة؛ فجاء تعزيز الأمر برعاية اليتامى وحفظ حقوقهم المشروعة؛ وتربيتهم وتهيئتهم للحياة؛ في القرآن الكريم في (23) مرة بلفظ؛ (اليتم واليتيم واليتيمة والأيتام واليتامى). في (23) آية قرآنية. وتكرر ذكر ذلك في الحديث النبوي الشريف مرات كثيرة.
وما دام اليتم بهذه الصورة؛ ومكانته في المجتمع معروفة؛ فهذا المجتمع نفسه؛ يتحمل المسؤولية كاملة؛ بأن يتضامن ابناؤه ويتعاضدوا فيما بينهم، افرادا وجماعات، حكاما او محكومين؛ على اتخاذ كافة المواقف الايجابية التي تكفل رعاية الأيتام، بدافع من شعور وجداني عميق، ينبع من أصل العقيدة الاسلامية، ليعيش اليتيم في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة هذا اليتيم؛ المنسجم معها في سيرها نحو تحقيق مجتمع افضل.
إن وسائل التكافل الاجتماعي كثيرة، على ان اهمها علي الاطلاق؛ هو الإنفاق في وجوه الخير، فالشريعة الاسلامية حثت على هذه الخيرية؛ وحذرت من الشح والبخل، وجعلت في أموال الموسرين والأغنياء حقا معلوما للفقراء واليتامى والمساكين.
فالرسول صلى الله عليه وسلم؛ حض على كفالة اليتيم، وأمر بوجوب رعايته، وبشر كفلاء اليتيم؛ أنهم ان احسنوا الى اليتامى؛ سيكونون معه في الجنة. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا.. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما) رواه البخاري.
وروى الإمام احمد وابن حبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وضع يده على رأس يتيم رحمة به؛ كتب الله له بكل شعرة مرت على يده حسنة).
ورعاية الأيتام واجبة في الأصل على ذوي الأرحام والاقارب، اما الدولة؛ فإنها لا تلجأ الى الرعاية إلا عند الحاجة.
وقد درج المسلمون منذ عهودهم الاولى؛ على افتتاح الدور لرعاية الأيتام، لتتولى المؤسسات الاسلامية العامة والخاصة؛ تربية الأيتام ورعايتهم والإنفاق عليهم، ومساعدتهم على النمو الطبيعي، والحياة الإيجابية في المجتمع.
وفي بلادنا الحبيبة؛ امتثال لهذا الواجب الرباني، وتمثيل حي لما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولما اخذ به الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم اجمعين، وما سار عليه أتباعهم من بعدهم عبر مئات السنين، من كفالة اسرية اجتماعية (مؤسساتية) للأيتام؛ كانت وما زالت من علامات التحضر والتمدن في المجتمعات الاسلامية. فيوجد دور كثيرة لرعاية الايتام في مناطق ومدن المملكة، تشرف عليها الدولة، واخرى اهلية تقوم على خيرية المحسنين الموسرين، الذين اعطاهم الله وأغناهم؛ ولكن جعل في اموالهم هذه؛ حقوقا متوجبة الأداء للسائلين والمحرومين والمقطوعين واليتامى. وابناء المملكة على العموم؛ ضربوا اروع الامثلة في هذا المجال الخيري؛ فهم في كل ميدان يقرب الى الله؛ لهم سهم نافذ؛ وقدح معلى، وحصتهم اكبر، فعموا بفضلهم من هم في حاجة إليه، سواء في داخل المملكة أم خارجها.
أما اليوم؛ فإن كلامي هنا؛ يأتي على جمعية خيرية وليدة، هي (الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمحافظة الطائف)، التي تأسست في الثلث الاخير من عام 1421ه، واستطاعت في اقل من خمسة اشهر فقط؛ كفالة (400) يتيم، كفالة متميزة، بمعنى ان كفالتها لليتيم؛ تكون لدى اسرته الطبيعية، او اسرة حاضنة او بديلة، وهذا الاسلوب الفريد؛ يحقق جملة اهداف؛ اهمها: إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والصحية لليتيم.
على ان الامر الأهم في الكلام هنا؛ هو عدد الايتام في محافظة الطائف، فهذه الجمعية التي كفلت في العام الفارط (400) يتيم؛ وتخطط لكفالة (300) يتيم في العام القادم؛ ليس بوسعها في ظل إمكانياتها الحالية؛ كفالة (21 ألف يتيم)..! هم فوق سن الست سنوات، وتم حصرهم (مبدئيا)؛ فقط من خلال الوثائق الرسمية في عدة جهات، ولابد ان الرقم اكبر من هذا بكثير؛ لو ان الدراسة جاءت شاملة لكافة التجمعات السكانية داخل المدينة وخارجها.
لقد خطت الجمعية خطوات مهمة نحو تحقيق اهدافها، التي منها؛ العمل على رفع مستوى اسرة اليتيم بالتأهيل المهني، لجعلها اسرة منتجة ومكتفية في المستقبل. ومن برامجها الجيدة؛ ان جعلت من نفسها مرجعا أسريا لليتيم، تزوره شهريا في الدار والمدرسة، وتقوم بتفقده؛ وتكتب عنه التقارير الصحية والنفسية والتعليمية والاجتماعية، وتنظم له الرحلات والحفلات الترفيهية والعلمية والمهرجانات الخيرية. بل تسعى الى تذليل ما قد يعترضه من صعاب لدى بعض الجهات الحكومية والأهلية؛ من أجل استخراج الوثائق الثبوتية.
وقد لفت نظري هنا؛ عمل غير مسبوق تأخذ به هذه الجمعية، هو تسليم المعونة الشهرية بشيك لأسرة اليتيم في داره، توفيرا للوقت والنفقة؛ وحفظا لماء الوجه.
إن مما يحمد لهذه الجمعية التي تتحدث بفخر عن إنجازات كبيرة حققتها في فترة قصيرة؛ وعن تعاون منقطع النظير من أهل الخير من كافة المدن والمناطق؛ هو تركيزها على اليتيم السعودي الجنسية، وطموحها في الوصول الى القرى البعيدة والقريبة، ووضوح اهدافها، فالجمعية تضع امام الراغبين في الكفالة؛ ستة مشاريع هي: (التأهيل، تأثيث منزل، برامج ثقافية، واجتماعية، وصحية، واستثمارات وقفية).. وفي المقابل؛ فإنها تطرح امام هؤلاء؛ ستة خيارات خيرية تتمثل في: (تعليم، كسوة، صحية، غذائية، سكنية، مقطوعة)، وتأتي الكفالة السنوية في حدود (3600) ريالا.
إن مؤسسة اهلية بهذا الطموح وهذا الوضوح الذي رأيناه، تستحق منا جميعا؛ الدعم والمؤازرة والمعاضدة، لمصلحة أبنائنا الذين حرموا عطف الابوة وحنان الامومة. ، ومن حق الباذلين انفسهم لرعايتها وإدارتها؛ ان نسدي لهم كلمة شكر على اقل تقدير. فقد برزت الجمعية للنور في 1 / 8/1421ه بعد ان كانت فكرة، فرأس مجلس ادارتها معالي المهندس عمر بن عبدالله قاضي؛ وتولى الإشراف عليها؛ الاستاذ اسماعيل بن بكر قاضي. وكان معالي محافظ الطائف فهد بن عبدالعزيز بن معمر وما زال؛ الراعي والمتابع لنشاطها وما تحققه من نجاح. وعمل خيري كهذا لا يستغرب من ابناء الطائف؛ الذين كان لهم السبق والريادة مع الاتقان والإجادة في مثله، فقد عرفت الطائف مشروع (القرش الخيري) قبل حوالي ستين سنة مضت، وكان اول من نهض بالفكرة ودعا اليها؛ هو الشيخ عبدالله قاضي الذي عاش ردحا من حياته في واحات الحسا وبلدان الخليج، حيث عمل في الماليات ومكتب توريد الأرزاق للمملكة من الكويت.
إن أبناء الطائف كافة؛ يحدوهم الامل؛ في أن تتوسع الجمعية في مصادر تمويلها، وفي التقصي والبحث والدراسة، وان تعمل على ان تشمل بخيريتها؛ اكبر عدد ممكن من اليتامى السعوديين، في اطار التميز الذي رفعته الجمعية شعارا لنشاطها، وجعلته عنوانا لعملها في الحاضر والمستقبل.
كما ان الواجب يحتم علينا جميعا؛ وخاصة الأثرياء والأغنياء والموسرين ورجال الاعمال والبنوك والبيوت المالية؛ داخل الطائف وخارجها؛ تقديم الدعم العاجل لهذه الجمعية الوليدة، لتمكينها من القيام بالواجب المتوجب علينا جميعا. وفيما يلي؛ عنوان الجمعية وهواتفها:
(الطائف - ص ب 5937. ت 7404300 - 7404301 فاكس 27404303، ورقم الحساب في شركة الراجحي المصرفية 5 - 40000 ثم بريد الكتروني: aitam@arabia.com
يقولون في كمبوديا: بأن يتيم الأب أشبه بالبيت بلا سقف. ولكن مجتمعنا العربي المسلم والحمد لله؛ هو السقف الذي يظلل الأيتام في بلادنا. وشاعرنا المتنبي يقول في هذا:
وأحسن وجه في الورى وجه محسن
وأيمن كف فيهمُ كف منعم
assahm2001@maktoob.comfax027361552
|
|
|
|
|