| محليــات
دأبنا نسمع ونقرأ عن، ونشاهد ونُدعى إلى «الاحتفائيات» التي يُقيمها القوم خارج حدود الوطن، لأفضل المسرحيين تأليفاً، والشعراء إبداعاً، والرسامين موهبةً، والصحافيين إنجازاً، والعلماء، والمخترعين، والموهوبين من المبدعين في المجالات المختلفة، ومن بينهم تطلُّ علينا أسماء بعضها نعرفها، وبعضها نسمع عنها، وبعضها لا نعرفها من داخل بيتنا الكبير...، ولاندري كيف يحدث مثل هذا؟!
كيف لا نعرف مفكرينا، ومبدعينا، وصحافيينا، وعلماءنا، ؟ ... كيف لا نعرف إلاّ من وُظِّف لهم الباب إلى الشهرة توظيفاً، وأوقف لهم «ربعُهم» ممّن يتقلّدون أساور المفاتيح، لنوافذ العبور، يخدمونهم حتى إذا ولجوا، قلَب بعضهم على بعضهم ظهر المجن!!...كيف لا نحتفي بصفاءبكلِّ الذين تلمع أعمالهم، قبل أن تضفي هذا اللمعان على أسمائهم؟! كيف لا نكتشف الفروق بين مستويات الأداء بين واحد وآخر ونمنح هذا المتميِّز فرصة الإحساس بتميُّزه؟! كيف نخلط الحابل بالنابل...، فتجدون الساحة تعجُّ حتى تختلط بالغوغاء، ويضيع الكبير فيها إلى جانب الصغير؟ ... ولكم خير مثال على ذلك صفحات الصحف التي لا يميَّز فيها المبدع المبتكر صاحب التميُّز في الفكرة والطرح مع مَن دونه؟ بل ربما يمنح الثاني من التقدير وفي أيسر أوجهه «المادي» أكثر مما يُمنح ذو التميُّز ... حتى إذا أفقنا، وجدنا الناس خارج إطار البيت الكبير قد رموا بشباكهم، والتقطوا بملاقيطهم ذوي التميُّز ومنحوهم من التكريم ما يجعلنا نقف مشدوهين؟ فأين يكون التكريم ذو الأثر؟! في الدار؟ أم في خارجها؟! كم كاتب أُهمل بين أهله وكُرَّم بين غيرهم؟
وكم من عالم رصدت له المناسبات في الخارج، وصُدَّت أمامه الأبواب هنا؟ وكم من معطاءٍ لا يكلُّ عن الالتزام بواجبه الفكري مع صحيفته ويجد الصغار يتسنّمون الأعمدة ويتلقون المكافآت؟
وكم من باحثٍ جاد تطاول عليه لصوصي متحايل؟ وأستاذ جامعي متفوق«ركنه» حسد الحاسدين ..، وكم من عاملٍ بصمتٍ، لم يُدرك قيمة عمله وظهر عليه غوغائي أجوف؟
وكم من عمل بارز ذي أثر، طمسه حقد الحاقدين، وتجاهله قومٌ حُسَّدٌ؟
وكم من تساؤل ارتفع عنه كلُّ رمزٍ لعلامة استفهام في العنان ولم يلفت نظر المعنيين به؟!..
لماذا يكرم الإنسان في غير داره؟ وأهلُه يتجاهلونه في عقر داره؟
لماذا نتعرَّف إلى أسماء «المتميِّزين» عند جيراننا؟ ولا نتعرف إليهم وهم بين ظهرانينا؟
أين «المصداقية» في التعامل؟ بل أين الموضوعية؟، وأين الحب والصفاء لمفهوم المواطنة؟ولقيمة الوطن؟ بين من يفُترض أن يكونوا النماذج في تحقيق هذا المفهوم؟...
أم أنّنا أناسٌ شغلتهم الدنيا، فضاعوا معها؟!
تذكرت هذا وخلال السنوات القليلة الماضية وحتى الآن مواقف كثيرة، وأسماء كثيرة في مواقع عديدة خارج الوطن كرِّم بعضها بجوائز، ودُعي آخر إلى منابر، وأسهم بعض في مشاريع وبرامج، جزء كبير منها من نساء هذا الوطن ورجاله، هذا الوطن الكبير الجميل ... الذي لم نسمع فيه من نفض عنه رداء الصمت في هذا المجال، ورفع إصبعه في عين الشمس وأشار إلى هذه الأسماء، أو سواها، وأكَّدَ أحقيّتها بالتقدير...
امرأة واحدة اعتلت سُدَّة الإنجاز في هذا الشأن...
هي: الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم...
هذه الناصعة بحب الوطن، هذه التي رصدت جوائز قيِّمة لكل منجزٍ متميِّز بتفوقه بين مستويات المرأة الدارسة في مراحل التعليم المختلفة تلك التي تؤدي إلى تواصل الإبداع في مسيرة الحياة، ...وكأنِّي بها تدفع عن النهر تلك المتراكمات التي أعاقت انطلاقة سيره ... فجرى النهر ... وجرى النهر .... ولا أدلَّ على تحقيق جذوة الحماس في عروق هذا النهر من تلك الليلة الغرَّاء في السادس عشر من محرم 1422ه، وفي جامعة الملك عبدالعزيز بجدّة، وعلى أرضها حين توّجت بيدها المتفوقات المبدعات بجوائزها المعنوية والتقديرية والتذكارية والمالية ...، إذ حصلت كل متميِّزة على درع وشهادة تقدير ومبلغاً مالياً قدّرته بخمسين ألف ريال.
لم يكن أجمل من الإحساس بالتقدير لكلِّ لحظة بُذلت في الضوء وفي العتمة كي يتمِّ التحصيل في شيء من العمق والحصاد...
ترى ...متى تُكَرَّم العناصر الفاعلة في حركة الإضافة، وفي حركة التجديد المبدع على الأصعدة كلها؟ هنا فوق أرض الوطن كما فعلت وتفعل الجوهرة بتجرُّد تحكمه معايير الإنصاف والصدق والاختيار الصائب بعيداً عن عتمة التحيُّز في المجالات الصحفية والأدبية والعلمية والاقتصادية والفنية والصحية والاجتماعية وكافة المجالات.
أولا تكون الجوهرة البراهيم قدوةً؟
أولا تكون الاحتفائيات الخارجية أُنموذجاً؟
أولا تكون هناك بادرة صحيحة وقريبة؟
ألا.. فلتهنئي يا جوهرة الوطن بحبِّ الوطن.. وتحية لكلِّ من أضفيتِ إليها روح الحماس بتكريمها ..
وتحية «لناهد باشطح» وهي تُكَّرم خارج الوطن..
ولكل الذين وجدوا من يزيح عن صمت كفاحهم لثام الصمت.
|
|
|
|
|