يكون للشعر حلاوة.. ويكون عليه طلاوة اذا ما لبس عباءة المداعبة والطرافة خاصة اذا ما صاحب ذلك ابتكار من الشاعر للصور التي يتحدث عنها وطرزها بطراز المفاجأة.. فيكون لذلك صدى في الذهن وسرور في القلب.. وعجب ورضا في العقل.. ويكثر هذا لدى الشعراء المتمكنين .. أمثال حافظ ابراهيم وشوقي والرصافي والنجفي وبعض شعراء المملكة العربية السعودية خاصة في المنطقة الغربية.. وقد يقول الشاعر أبياتا على لسان صاحبه الذي لا يحسن الشعر وانما يريد اثارة موضوع هو بيت القصيد.. الذي ولد الشعر والقصيد.. وهذا ما دفع شوقي الى كتابة قصيدة طويلة على لسان الدكتور محجوب يرد بها على سليمان فوزي صاحب مجلة الكشكول الذي كان كثير الهجوم على الدكتور محجوب. يقول الشاعر شوقي على لسان الدكتور محجوب:
يمينا بالطلاق.. وبالعتاق
وبالدنيا المعلقمة المذاق
فما لونت للدولات وجهي
ولم ألبس لها ثوب الرياق
بوقت ضاعت الأخلاق فيه
وأصبحت السلامة بالنفاق
أيشتمني سليمان بن فوزي
و«بيبي» في يدي ومعي تباقي
تقاقي ذقنه من غير بيض
ولي ذقن تبيض ولا تقاقي
ألم ير انني أعرضت عنه
وصار لغير طلعته اشتياقي
فسبحان المفرق حظ قوم
قناطير.. وأقوام أواقي
وقوم يرتقون الى المعالي
وقوم ما لهم فيها مراقي
وعيش كالزواج على غرام
وعيش مثل كارثة الطلاق
والذي يبدو ان الدكتور محجوب كان عرضة لشعراء عصره في المداعبات خاصة وانه اشتهر بتفخيم الحروف عند الكلام خاصة القاف واشتهر بالادعاءات في الحكايات بما لم يقع. يقول حافظ ابراهيم عنه:
يرغي ويزبد بالقافات تحسبها
قصف المدافع في أفق البساتين
يغيب عنه الحجا حينا ويحضره
حينا فيخلط مختلا بموزون
لا يأمن السامع المسكين وثبته
من كردفان الى أعلى فلسطين
بينا تراه ينادي الناس في حلب
اذا به يتحدى القوم في الصين
ولم يكن ذاك عن طيش ولا خبل
لكنها عبقريات الاساطين
ومن لطائف حافظ ابراهيم عندما أفلس وعجز عن شراء تذكرة لدخول حديقة الأزبكية وأخذ يدور حول سورها لعله يرى صديقا يساعده وفعلا لمح صديقا له يقال له رياض، فاشترط عليه هذا ان يقول شعرا مرتجلا وسيعطيه تذكرة فقال حافظ:
رياض الأزبكية قد تجلت
بفتيان كرام أنت منهم
فهبها جنة فتحت لخير
وأدخلني مع المعفو عنهم
وهذا الباب مليء.. لكن فتحه والدخول منه في مثل هذه المساحة صعبان.