| عزيزتـي الجزيرة
الحمدلله رب العالمين، الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الحمدلله القائل: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- القائل: {إن الله تعالى لاينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}، وبعد:
ففي الآية الكريمة، والحديث النبوي الشريف، وغيرهما من الآيات والأحاديث التي وردت في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام - مايؤكد على عظمة القلب، وأنه بإذن الله تعالى معيار صلاح الإنسان، وصلاح الجسد، ولهذا سيكون حديثنا في الصفحات القادمة عن القلب، الذي في صلاحه تكون حسن الخاتمة، وفي فساده عكس ذلك -سوء الخاتمة - وتحديداً سيقتصر الحديث على سلامة الصدر أو القلب في التعامل مع الناس.
فنظرة الإسلام إلى القلب خطيرة، فالقلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة، ويعكر صفوها، أما القلب المشرق فإن الله يبارك في قليله، وينال الأفضلية.
لقد أصبح فضل سلامة الصدر ونقاوته خصلة عظيمة عند كثير من المسلمين، عزيزة المنال، بعيدة التحصيل، إلا من استلهم العون من الله - عز وجل- وصدق في طلبه وبحثه، وأحب للناس مايحبه لنفسه.
ولقد بين الله -عز وجل- الفضل العظيم لمن وقي شح نفسه، وشح النفس ليس مقصوراً على الشيء المادي كالمال والإنفاق، بل يتعدى إلى الشيء المعنوي، مثل: العفو، والسماحة، وسلامة الصدر، ونقاوته من الحقد، والضغينة، والكراهية للخلق دون أدنى مبرر، قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.
وقد كان عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه- يكثر من الدعاء في طوافه إذ يقول: اللهم قني شح نفسي، فقال له رجل: ما أكثر ما تدعو بهذا، فقال: إذا وقيت شح نفسي، وقيت الشح والظلم والقطيعة.
ولهذه الخصلة العظيمة فضائل كثيرة، منها:
أولاً انها سبب في دخول الجنة، وأنها من صفات أهل الجنة، من كان عليها في هذه الدنيا فإنه يذوق عيش أهل الجنة ومسراتهم ، يقول تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين}.
وعلى هذا فسلامة الصدر راحة في الدنيا، وغنيمة في الآخرة، وقد أشار ابن حزم إلى هذا المعنى، أنقل لكم بعضاً من كلماته بتصرف: «رأيت أكثر الناس إلا من عصم الله -وقليل ماهم - يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا، وذلك بنياتهم التي تحمل الخبث، يتمنون أشد البلاء لمن يكرهون، ويتمنون الهلاك للناس، وقد علموا أن تلك النيات الفاسدة لاتعجل لهم شيئاً يتمنونه، وأنهم لو صفوا نياتهم، وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم، وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد».
ومن فضائل سلامة الصدر أيضا محبة الناس للعبد، وحصول الطمأنينة، وسعة البال، وانشراح الصدر، وحصول المأمول - بإذن الله -، وتركيز العبد في عبادته حين تأديتها، حيث يكون القلب مقبلاً على الله جميعه، والاتسام بالخيرية، وسد باب الحسد والغل، واختلاف ذات البين، التي تعتبر من أعظم الأسباب لتطهير القلوب، وقد جعلها الله من أعظم الأعمال أجراً ومثوبة، فقد جاء في الحديث: )ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين(، كما إن إصلاح ذات البين من لوازم التقوى، يقول تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}.
وإن المتأمل في سير الأنبياء والصالحين، يظهر له جلياً صفاء السريرة، ونقاء السيرة، وسلامة الصدر، وقدوتنا في هذا النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى مع أعدائه والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى عليكم، ومنها:
ما كان يوم الطائف، وكيف أنه - صلى الله عليه وسلم - انطلق مهموماً عندما رده ابن عبدكلال، فإذا بجبريل يناديه: إن الله -عز وجل- قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فقال له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال -صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لايشرك به شيئاً.. الله أكبر، فما فكر -صلى الله عليه وسلم - في نفسه، والانتقام لها، فكل همه أن يعبد الله وحده.
ومنها: في غزوة الطائف لما قيل له: يارسول الله ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفاً وثبتهم، إنها صورة مشرقة. لو أن أحدنا أتى يشتكي إلى صديقه موقفاً حصل له لربما كان رده: لاتسكت هل أنت ضعيف؟ افعل كذا وكذا..، والنتيجة تطبيق مايقال انتقاماً للنفس،
فأين تلك الصورة من موقفه - صلى الله عليه وسلم - فهذا حاله مع أعدائه -صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا ضربوه قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
هذه الكلمات الأربع فيها أربع مقامات من الإحسان:
1 - عفوه عنهم.
2 - استغفاره لهم.
3 - اعتذاره عنهم بأنهم لايعلمون.
4 - استعطافه لهم بإضافتهم إليه فقال: اغفر لقومي ، كمن يقول: )هذا ولدي..(.
والمواقف عنه كثيرة، أما مع أصحابه لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق، ولايجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
وهناك مثال آخر، يوسف -عليه السلام- كلنا يعلم ماذا فعل إخوته به، حرم بسببهم حنان أبيه، وألقي في البئر، وتعرض للرق، وعندما جمعه الله معهم في مكان يستطيع أن ينتصر منهم رغم ماحصل له منهم فإذا به سليم الصدر، والقلب، وبكلمات رقيقة يقول لهم: {لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.
وأيضاً هناك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- لما دخل عمران بن طلحة عليه بعد موقعة الجمل، وهي بين علي -رضي الله عنه- وطلحة والد عمران، فيرحب بعمران ويدنيه، ويقول: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين}، ثم أخذ يسأله عن أهل بيت طلحة فرداً فرداً، وهو يقول: يا ابن أخي كيف فلان؟.. الله أكبر، أين الذين إذا حدث بينهم خلاف ونزاع، وإن كان على موقف من أمور الدنيا تدابروا، وأعرض بعضهم عن بعض؟.
وهناك موقف الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - حيث ساق المقدسي - رحمه الله - بسنده إلى أبي علي، وقد رأى أحمد بن حنبل يبكي في ليلة فيقول: بت مع أحمد بن حنبل ليلة فلم أره ينام إلا يبكي، فلما أصبحت قلت: يا أبا عبدالله كثر بكاؤك الليلة فما السبب؟ قال أحمد: ذكرت ضرب المعتصم إياي، ومر بي بالدرس قوله تعالى : {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله}، فسجدت وأحللته من ضربي في السجود.. هكذا هي القلوب، وهذا هو التدبر للقرآن والآيات، فمن منا يريد أن يعفو الله عنه ويصفح؟
ومن المواقف أيضاً، موقف الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- في حوار مع الشيخ السدحان - أحد تلامذة الشيخ- رحمه الله - يقول: سألت الشيخ عن سبب محبة الناس له، فكأنه لم يرد الإجابة، ولما كررت السؤال، قال: لا أعلم في نفسي غلاً على مسلم، ولم أعلم بين اثنين شحناء إلا سارعت للإصلاح بينهما.
وأما الآثار التي تحل بسبب فساد ذات البين، فيمكن إدراكها من خلال قول النبي -صلى الله عليه وسلم - : )فساد ذات البين الحالقة(، فهي تحلق الدين وتذهبه، وقد لايشعر المرء بذلك، ومنها: ضعف الأمة وتكالب الأعداء عليها، وفوات الفضائل، ومنها: عرض الأعمال ومغفرة الذنوب، كما في الحديث: )تعرض الأعمال كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لايشرك به شيئاً إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا(.
حتى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم - كان التخاصم سبباً في فوات بعض الفضائل، ومن ذلك نسيانه -صلى الله عليه وسلم - تحديد ليلة القدر بعد أن أعلمه الله بها، جاء في الحديث )خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة(.
ومن الآثار أيضاً سوء الخاتمة، وذلك حين يصل فساد ذات البين إلى الهجر والقطيعة، قال -صلى الله عليه وسلم -: )لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجره فوق ثلاث فمات دخل النار(، الله أكبر، أين الذين يتهاجرون سنوات طويلة عن هذا الحديث، إنه -والله- لأمر جلل وعظيم.
وهناك الفساد الباطني، كالغل، والحسد، وأقبح أنواعه مايكون بين أهل العلم والصلاح.
وهناك الغم والهم، وهو يجعل الحاسد والحاقد ينقطع عن كثير من الأمور النافعة، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ماهو أهم عنده، وخير له منه، فيكون بذلك مغبوناً، ويكون هذا الغم في نفسه كموج البركان المكتوم، يقول مالك بن دينار: إن الأبرار تغلي قلوبهم بأعمال البر، وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور، فانظروا ماهمومكم -رحمكم الله -.
ومن آثار فساد ذات البين الغيبة، ويقع الحاسد فيها -ولابد-، لأنه عندما يرى من يثني عليه الناس ويحبونه، فيرى أن يسقطه عند الناس حتى يكفوا عن إكرامه ومدحه فيذمه وينزل من قدره، يقول الله تعالى: {ولايغتب بعضكم بعضاً}، وفي الحديث: )إن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه(.
وهناك الظلم أيضاً، قال محمد بن سيرين: )ظلمت أخاك إذا ذكرت مساوئه ولم تذكر حسناته(، وهناك الكذب، وهذا يقع فيه من فقد صوابه، ولم يراقب الله تعالى في نفسه، فيحمله حسده على أن ينسب لمحسوده كلمات ما قالها وتصرفات مافعلها، كما نسب للإمام البخاري )القول بخلق القرآن(.
وأيضاً الهمز واللمز، يقول تعالى: {ولاتلمزوا أنفسكم}، ومن وقع في الغيبة، وهانت عليه لحوم إخوانه فلن يجد في نفسه حرجاً فيما هو أخفى من ذلك، ومعنى الآية الكريمة ولالتمزوا بعضكم بعضاً، يقول الميداني: اللمز هو الإشارة على سبيل التحقير والتنقيص ببعض حركات الوجه مع كلام خفي يتضمن ذلك بحضور من يراد تحقيره وتنقيصه، أما الهمز فهو نظيره، ولكن في غيبة من يراد تحقيره وتنقيصه، ودون اشتراط إخفاء الكلام.
وفيما يتعلق ببعض صور عدم سلامة الصدر فنقول: إن منها التعالي على الآخرين بغير وجه حق، وهذا يوجد كثيراً للأسف، إذ يرى نفسه أفضل من غيره علما وعملاً ونسباً، وخاصة إذا وجد الثناء من أحد كالمدير أو غيره، وهذا الأمر يجر إلى أمر خطير، ويمثل ذلك الصورة التالية:
- انتقاص مكانة الغير، وتحقير أعمالهم، وهذا يدخل ضمنها إما بسبب النسب، وينسى هؤلاء أن أبا جهل - وهو من كبار قريش - لم ينفعه نسبه عند الله، بينما بلال - وهو عبد - جاوز السحب بإيمانه، ورفع الله مكانته في الدنيا والآخرة، فالله أكبر.
- الغيرة من مركز علمي أو منصب أو جمال وغير ذلك، وقد تكون هناك علاقة حميمة بين الأطراف، وتنقطع بسبب ذلك.. وبعض الناس يكون هذا الإحساس في نفس، ولكن يضعه في إطار النصيحة، فيبدأ بالانتقاص من عمل غيره بصورة النصيحة، ويرفق معه الألفاظ التي تدل على عدم سلامة الصدر، فالنصيحة لا يمكن ان تلحق بالألفاظ التي تدل على التنقيص من شأن العمل، قال الفضل - رحمه الله - : المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير.
- إعطاء معلومات خاطئة عند السؤال أو عدم إعطاء إجابة كاملة، حتى لايكون أفضل منه، وليبرز عند القيادة.
- الإيذاء باللمز والهمز عند وقوع الخلاف أو من باب الاستهزاء، وسبب ذلك ما يقول الميداني: «إن الإنسان حينما ينفخ في نفسه الغرور، فيرى أنه كبير، ويرى غيره أصغر منه وأقل شأناً، فيشعر نحوه بنوع من الاستعلاء، فإذا ظفر بعيب في الجسم أو القول أو بنقص في الرأي أسرع إلى لفت الأنظار إليه والاستهزاء به والسخرية منه، وإذا لم يظفر حاول أن يتصيد من أسمائهم أو ألقابهم مايكون منالاً للهزاء والسخرية كل ذلك سببه شعوره بالنقص».
-عدم التثبت عند نقل الأخبار، والأنانية وحب الذات.
ولاشك أن هناك أسباباً كثيرة لعدم سلامة الصدر، وهي: ضعف الصلة بالله، وهو سبب مباشر في سيطرة الأهواء والشبهات على القلوب، ومتى أصبحت القلوب مليئة بالغيظ والحقد والضغينة، ضعفت الصلة بالله، والجهل بفضل سلامة الصدر، وخطورة عدم سلامته سبب في الوقوع فيه، وهذا من قلة العلم الشرعي، وعدم مراقبة الله -عز وجل- في المقاصد والنيات والأقوال والأفعال، والغضب، وهو مدخل عظيم من مداخل الشيطان، وقد مدح الله من يغفر عند غضبه، فقال: {وإذا ماغضبوا هم يغفرون}، والنميمة - والعياذ بالله-، قال تعالى: {ولاتطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم}.
ومن أسباب عدم سلامة الصدر أيضاً الحسد، وقد سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - داء الأمم: دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، فقد قرن -صلى الله عليه وسلم - في الحديث الحسد والبغضاء، لأن الحاسد يكره أولاً فضل الله على ذلك الغير، ثم ينتقل إلى بغضه، وأقبح أنواعه هو مايكون بين المنتسبين إلى العلم والدعوة، وقد عده ابن تيمية -رحمه الله- من صفات المغضوب عليهم.
وأيضاً التعصب لغير الحق، سواء التعصب لمذهب أو قبيلة أو حزب أو جماعة أو شخص أو عالم أو رأي، وهناك التنافس على الدنيا، يقول ابن الجوزي:
تأملت التحاسد بين العلماء ، فرأيت منشأه من حب الدنيا؛ فإن علماء الآخرة يتوادون، ولايتحاسدون، والله -عز وجل- يقول: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}، وهو زائل.
وهناك حب الرياسة، فهي داء عضال، بسببه أزهقت أرواح، وهتكت أعراض، وخطورة هذا الداء تكمن في خفائه على النفوس مع تمكنه منها في الغالب، وهي الشهوة الخفية كما سماها شداد بن أوس.. وأما علامة حب الرياسة فيجليها لنا شيخ الإسلام -رحمه الله-:
وطالب الرياسة ولو بالباطل ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه، وإن كانت باطلاً، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمة، وإن كانت حقاً، والمؤمن ترضيه كلمة الحق له وعليه، وتغضبه كلمة الباطل له وعليه.
وأيضاً هناك حب الظهور، والحزن عند الذم، والفرح عند المدح، يجعل الهم هو تحقيقها وكراهية من فاقه في هذه الأمور، وهناك عدم القناعة، واستشراف النفس لما عند الآخرين، والبيئة التي يعيشها الإنسان، لذا فعلى الأم ان تربي أولادها على سلامة الصدر، وهناك الحساسية المفرطة في تفسير الأمور، وحملها على غير محملها، وكثرة المزاح، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم - قليل المزاح، والمزاح كالملح في الطعام، إذا كثر أو عدم فسد الطعام، وهو يجر إلى الهمز واللمز.
والأسباب كثيرة جداً، ولايسعنا المقام لحصرها جميعاً.
أما طرق العلاج فهي عديدة، منها الإخلاص، وصدق اللجوء إلى الله، والاستعانة به على طرد الخواطر، والهواجس، ومكائد الشيطان، والنفس، والهوى، وتكرار الآية: {ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}، وأيضاً من الطرق أن يضع قاعدة في تعامله مع الآخرين، وهي إن طبقت استطعنا القضاء على الخلافات، هي عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، جاء في الحديث الذي رواه مسلم: «فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» وفي الحديث الآخر: «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه».
والأعذار وحسن الظن، يقول محمد بن سيرين: )إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً فإن لم تجد له عذراً فقل لعل له عذراً لا أعرفه(، وهناك الزهد في الدنيا، والعلم بحقارتها، والزهد فيما أيدي الناس، وهذا مدعاة لحبهم، لقوله -صلى الله عليه وسلم -: )وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس(. وأيضاً السعي للإصلاح، والقضاء على المشاكل والخلافات أول ظهورها، بالمصارحة الودية، حتى لا تتراكم في النفس، وعدم العجلة في أخذ التصرف، والانشغال بعيوب النفس، والعمل على إصلاحها.
يقول الشاعر:
ولم أرى في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام |
وأيضاً هناك الصدقة، لأنها تطهر القلب، وتزكي النفس، يقول تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}، ويقول -عليه الصلاة والسلام- : )داووا مرضاكم بالصدقة(، ومن العلاجات الناجحة، وهي مجربة: الدعاء لمن ظلمك، فيها أثر طيب في القلب، وهي عامل كبير لدحض نزغ الشيطان، ومنها الجود بالعرض، يقول السعدي -رحمه الله - : )أي الذي مقصوده سيئ ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل فمكره إنما يعود إليه، وقال: سنة الله لاتتغير فكل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد فلابد أن تحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته(.
إخواني...
إن قضية سلامة الصدر قضية تحتاج إلى التدرج في البناء التربوي الأخلاقي، حتى تصل إلى ما هو أفضل، وقد خلق الله الدنيا في ستة أيام من أيامه تبارك وتعالى، وكان في قدرته أن يخلقها في كن فيكون، ولكنه -عز وجل - اختار لنفسه سمة الإنشاء المتدرج، فلا تيأس إذا أخفقت مرة أو مرتين في التخلص من صفة سيئة كشفتها في نفسك، بل توكل واستعن، ومع الإخلاص والمجاهدة ستصل بإذن الله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وأوصيك بالإكثار من قراءة القرآن، ففيه شفاء للصدور {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}.. أقول ذلك، واستغفر الله العظيم لي ولكم، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
سراب عبدالرحمن
|
|
|
|
|