أيُّها الغالي الذي يعبد ربَّهْ
أنتَ أصبحتَ لنا رَمْزَ المحبَّهْ
أيُّها الغالي الذي أصبح عندي
كضياء الشمس لا أسطيعُ حَجْبَهْ
لُمْ كما شئت فلن يغضب قلبي
ربَّما جهَّلتِ العاقلَ غَضْبَه
لم أزلْ أذكر أيَّامَ صِبانا
يوم كانت خُطوةُ الأحلام وَثْبَهْ
يوم كانت رُتْبَةُ المُمسكِ فينا
قَلَماً في كفِّه، أعظمَ رُتْبَهْ
لا تسلْني، كيف أسرجتُ حصاني
ومتى حدَّدْتُ للهيجاءِ دَرْبَهْ
ومتى أركضْتُه حتى تناءَى
عن قلوبٍ لم تزلْ تطلبُ قُرْبَهْ
لا تسلْني، كيف جرَّدْتُ القوافي
صارماً في وجهِ مَنْ أعلنَ حَرْبَهْ
ومتى صارتْ قوافي الشعر جَيْشاً
كل جنديٍّ، له سَهْمٌ وحَرْبَهْ
لا تسلْني عن حروف النَّصْبِ، لمَّا
أنكر المفعولُ في الجملةِ نَصْبَهْ
وعن المجرور لمَّا صار يشكو
ويرى في كَسْرةِ الجرِّ مَسَبَّهْ
وعن الغالب لمَّا صار يشكو
حينما أسمعه المغلوبُ شَجْبَهْ
لا تسلْني عن رجالٍ أَسْمعَُوني
من حديث الحبِّ والأشواق عَذْبَهْ
مدحوني مِدْحَة الكاذبِ لمَّا
صار محتاجاً إلى تحقيقِ رَغْبَهْ
شربوا كأسي، ولكنْ منعوني
حينما استسقيتُهم في القيظ شَرْبَهْ
حسبي اللّهُ عليهم، وسيبقى
شامخاً، مَنْ يكنِ الرَّحمنُ حَسْبَهْ
لا تَسَلْ عن جَمَّةِ البئر، لماذا
لم تَعُدْ في قريتي تملأ قِرْبَهْ
وعن المرعى الذي صار يباباً
وعن الرَّوض الذي أعلن جَدْبَهْ
لا تَسَلْ عن منبع النَّهر، لماذا
صار من حسرته يشكو مَصبّه
ولماذا أصبح التاجر يطوي
جانبَ الرَّحمة، كي يضمن كَسْبَهْ
ولماذا صارت الظلماءُ تخشى
ليلَها، والليلُ يستثقل شُهْبَهْ
لا تَسَلْني، فجنونُ الناس أَضحى
في زماني يسلب العاقلَ لُبَّهْ
في جنون الناس ما يجعل ليلى
أختَ قيسٍ، ويرى «الأعشى» ابنَ هُدْبَهْ
ويرى الأخطلَ في الشعر جريراً
حين يشدو، وصلاحَ الدين عُقْبَهْ
ويرى الخَلْفَ أماماً حين يمشي
ويرى جَبْهةَ مَنْ يلقاهرُكْبَهْ
ويرى في القدس للأعداء حقاً
وجهادَ الشعب في القدس مَغَبَّهْ
كم رأينا ضاحكاً يحمل نفساً
بين جنبيه، لها أوصافُ ذِئْبَهْ
ربَّما أعطاكَ معسولَ كلامٍ
فإذا استأْمَنْتَه وجَّهَ ضَرْبَهْ
فَرَّ من منزله ليلاً، فلمَّا
أسفر الفجرُ رأى في الوجه نُدْبَهْ
صار مثل الطائر التائه أمسى
دون عُشٍّ حينما ضيَّع سِرْبَهْ
سلك الناسُ دروبَ الوهم حتى
أبصروا شرق طريقِ الوهم غَرْبَهْ
أنشدوا شعر النُّواسيِّ مساءً
وصباحاً أنكروا الشعر ورَبَّهْ
رفعوا بالشاعر المغرور رأساً
حينما شوَّهَ «كافوراً» وسبَّهْ
ورأوا فُحْشَ قوافيه جمالاً
حينما سبَّ على الأَشهاد «ضَبَّهْ»
أخرجوا من لَفْظِ «قالوا» أَلْفَ قولٍ
صنعوا للناس منها أَلْفَ كِذْبَهْ
وروى فيها فلانٌ عن فلانٍ
مثلما تَروي عن القطَّةِ كَلْبَهْ
خَبَرٌ طار بلا أصلٍ فصرنا
كالذي يروي عن الأَبكم خُطْبَهْ
أو كمن يَقْلِبُ حرفَ التاءِ لاماً
حينما يُسْمِعُنا لَفْظَةَ عُتْبهْ
قَلَبَ الناسُ الموازينَ فلمَّا
قلبوها، صارت الحَبَّةُ قُبَّهْ