أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 2nd May,2001 العدد:10443الطبعةالاولـي الاربعاء 8 ,صفر 1422

مقـالات

أين نحن من السلامة؟
د. فهد سعود اليحيا
من يسكن الرياض ومن زارها لابد وان يعرف اسواق العقارية في العليا. وميزتها وربما احد مزاياها مواقف السيارات الفسيحة متعددة الادوار تحت الارض. ومساحاتها توفر مواقف لكل السيارات يقصد ركابها تلك الاسواق وتفيض. ولكن عقليتنا )العرباوية( أو «العربانية» بالاضافة الى مبدأ )والله كنت مستعجل( تجعل السيارات تقف كيفما اتفق في كل جزء منها، وعلى جانبي الممرات، وامام المداخل والمخارج، فتمنع انسيابية الحركة وتعيق الدخول والخروج!
يوم الاربعاء الماضي كنت اناور للخروج من مواقف العقارية من المخرج الخلفي المؤدي الى شارع موسى بن نصير. كانت البهلوانية نصيب كل من اراد الخروج. وفي الخارج مباشرة كانت تقف سيارة شرطة واثنان من الافراد يتفحصان محركها. وبدون تنسيق توجهت وسائق السيارة التي خلفي والذي يبدو انه أردني إليهما لنشتكي. تقبل العسكري شكوانا بهدوء ونصحنا بأن نتوجه الى رجال الامن في داخل المواقف لنقدم شكوانا. قلت له: المشكلة ليست في اعاقة الخارجين ولكنها تتعارض مع مبادىء السلامة والأمان. قال: الشكوى لله!
الاستعداد لمواجهة الكوارث بأنواعها طبيعية كانت ام نتيجة خطأ بشري لا ينحصر في اعداد فرق الدفاع المدني فحسب ولكنه يتعداه الى امور أكثر تبدأ بوسائل الوقاية وتنتهي بلجنة او ادارة تنسيقية يتكون اعضاؤها من ممثلين لجميع الاجهزة المعنية بالتعامل مع الكارثة ونتائجها مثل الدفاع المدني والصحة والاعلام والمرور والشرطة!
والوقاية لا تقتصر على تصميم المباني والمنشآت ولا تزويدها بأسطوانات الاطفاء فحسب ولكنها تشمل كذلك الاجراءات التي تساهم في سرعة مواجهة الكارثة والتقليل قدر الامكان من الخسائر واهمهما قاطبة الخسائر في الارواح والابدان.
بيد ان حديثي هنا ليس عن الكوارث ومواجهة الازمات لكنه عن استعدادنا الذهني والمادي كافراد ومجتمع لمراعاة اصول الامن والسلامة واتباعها في كل ما يمس حياتنا اليومية ولندعوها هنا )حوادث( تمييزا لها عن الكوارث ومستثنيا حوادث السيارات واعتقد ان توفير وسائل الامان والسلامة حق طبيعي لكل مواطن )ومقيم( كما اعتقد بنفس الوقت ان التزام المرء ولا أنزه نفسي كما سيتضح بعد قليل بأصول الأمان والسلامة واجب قومي يستدعي التقصير فيه المسألة والتجريم ايضا اذا لزم الامر.
اكثر الحوادث شيوعا في العالم هي الحرائق سواء كانت صغيرة على مستوى كوخ او بيت يسكنه بضعة افراد، او عمارة سكنية او مجمع يكون فيه الحريق اقرب الى الكارثة. اما اكثر الاصابات شيوعا فهي الاصابات الناتجة من حوادث عرضية السقوط والانزلاق والاصطدام بأجسام صلبة.
والآن اطلب من القراء الاعزاء ان يحاولوا الاجابة على هذه الاسئلة: كم من المباني السكنية والتجارية مجهزة بوسائل السلامة تحوي مخارج للطوارىء موضوعة حسب المواصفات العالمية؟ كم من اماكن العمل حكومية او خاصة تتوفر فيها وسائل السلامة؟ من يحوي بيته اسطوانة اطفاء؟ كم شخص بيننا تحوي سيارته اسطوانة اطفاء؟ هل العاب الاطفال في الملاهي مصممة لتراعي اصول السلامة؟ هل القائمون على تشغيلها يراعون تلك الاصول؟ هل وقوف السيارات العشوائي وازدحامها يتعارض مع اصول السلامة )الاجابة بنعم( وكم مكان يمر به فيجد هذا تراكم السيارات الواقفة عشوائيا؟
بإمكان القارىء الكريم ان يسترسل في اسئلة من هذا القبيل ولكني اجيب على تلك الاسئلة بقولي بأن مراعاة اصول السلامة لا تصل الا عشرة بالمائة بصورة عامة! واني احمد الله ليل نهار لرأفته بنا، وابتهل اليه ان يتغمدنا برحمته ولا يكلنا الى عدله.
سأحكي لكم حكايتين: الاولى، في احدى الاماسي قبل عيد الاضحى الماضي ببضعة ايام كنت قادما واسرتي من الثمامة. وعندما نزلنا من السيارة رأيت النار بادية من تحت السيارة! كان المحرك يحترق! حاولنا اطفاء النار وكان كل خوفي ان تصل النار الى مخزن الوقود فتنفجر السيارة والله وحده اعلم ما يمكن ان يحدث. ولما كنت لا املك اسطوانة اطفاء تركت نسيبي والسائق والاطفال يكافحون النار، وانطلقت الى مركز الدفاع المدني القريب جدا من البيت علني اجد اسطوانة اطفاء. حكيت للعسكري هناك ما حدث، فقال انه لا توجد لديهم اسطوانات نقالة كما ان سيارات الاطفاء جميعها قد خرجت. وشرع يدير رقما ويطلب سيارات اطفاء. قلت له انما مبتغاي هو اسطوانة اطفاء. للاختصار عدت الى البيت ووجدت ان النار قد اطفئت ولله الحمد. وجلست انتظر فريق الاطفاء كي اشكرهم على حضورهم واعتذر لهم عن الازعاج. واثناء ذلك كنت الوم في سري ذلك العسكري الذي طلب فريق الاطفاء. ولكني انتبهت الى امر مهم جدا: لو لم تتم السيطرة على الحريق وانتشر لكانت الحاجة ملحة للفريق. بالتأكيد كانت هذه الحكمة من سرعة طلبه لفريق الإطفاء.
عرفت خطأي بعدم وجود اسطوانة اطفاء في البيت او السيارة وثمنت موقف الرجل، ولكني في الوقت ذاته تساءلت: ما هو اكثر كلفة ان يأتي فريق الاطفاء او ان تحتوي مراكز الدفاع المدني على اسطوانات اطفاء نقالة؟ ما رأيكم؟
والحرائق من اصعب ما يواجهه الناس من حوادث وكوارث، وعلاقة الانسان بالنار عجيبة فقد كان تمكنه من الحصول على النار خطوة كبيرة في التقدم الحضاري، وفي نفس الوقت نمتلك في عقلنا اللاوعي الجمعي مخزونا هائلا من الخوف من النار حيث كانت تطارد اجدادنا الاوائل في الغابات نتيجة الصواعق وغيرها. وعرف الانسان بخبرته الطويلة ان النار من مستصغر الشرر. وكم من حرائق كبيرة اشتعلت نتيجة لعقب سيجارة! والخوف الانساني من النار، ورد فعله غير العقلاني في مواجهة الحريق يعود ايضا الى ان النار هي عقاب رب العالمين في الآخرة. وعندما أله بعض الغلاة )علي بن ابي طالب( امر بحرقهم فشرعوا يقولون )أنت أنت( لانه لا يعذب بالنار الا رب العالمين. وخطر الحرائق على الحياة لا يقتصر على سرعة انتشارها وتصاعد الادخنة المميتة فقط ولكن ايضا لتدافع البشر هربا من الحريق. وفي عدد من كوارث الحريق الكبرى كان عدد من توفوا نتيجة الدهس بالاقدام اكثر من الذين ماتوا بسبب النيران والادخنة.
لذا يتخذ الاحتياط من الحرائق اهمية كبرى ولهذا ايضا فإن اكتظاظ اي مكان بالسيارات الواقفة عشوائيا يتعارض مع الاستعداد لمواجهة الحرائق.
اما الثانية: فهي اني ذهبت باطفالي قبل اشهر الى المجمع التجاري القريب وكان مقصدنا الملاهي الملحقة به. طفلاي الكبيران انطلقا لممارسة الالعاب التي تناسب سنهما، اما ابنتي الصغيرة فكنت معها بقصد المتابعة المباشرة الى احدى الالعاب التي لا اعرف اسمها عبارة عن كراسي مصفوفة على قطر دائرة تدور على مستوى افقي لعبة بسيطة، ولكن اعمار ركابها كانت من سنتين الى خمس سنوات ولذا فمخاطرها كبيرة ويتوجب ان يشرف راشد على ركوب الاطفال وربطهم الاحزمة وعند نزولهم. ولكن هذا لا يحدث! بعض الآباء يوجهون اطفالهم و يجعلون ذا الخمس سنوات يشرف على ذي الثلاث سنوات مشغل اللعبة متكىء يوجهه على راحة يده ويضغط باليد الاخرى على زر التشغيل والايقاف. والادهى من ذلك انه يشغل اللعبة قبل خلو الساحة من الاطفال احيانا. صحت به، لكنه بدا وكأني احدثه عن طلاسم وامور لم يسمع بها مطلقا! ذهبت لمدير المركز للشكوى فتقبل شكواي بترحاب وشكر وتقدير ولما اقفلت خارجا من مكتبه استأنف حديثه الشيق مع ضيفه الكريم الجالس معه! عند لعبة تشبه البولينج الصغيرة كان الطفل يقفز الى سطح اللعبة المائل الزلق ليحضر الكرة. كان يفعلها عدة مرات. تلفت علني ارى والديه. كان هناك الكثير من الرجال والنساء مشغولين بالحديث والاطفال الآخرين. صحت بالطفل ونهرته لئلا يضر نفسه، واستعددت لامرين لا ثالث لهما اما ان يتعارك معي ابوه لتدخلي في شؤون طفله او يشكرني على اهتمامي. ولكن الثالث حدث: سمعت صوتا ورائي ينادي الطفل: )يا للا يا حكم، بدنا نروح( هكذا فحسب. اما ماذا «كان بدو يصير لا قدر الله» هو امر متروك للمشيئة )شو بدنا نعمل لنعمل(.
وقد روت لي زوجتي ان خيمة العاب بلاستيكية في احدى الملاهي التي لا يدخلها الا النساء والاطفال قد هوت على ما فيها من الاطفال فبادرت بسحب الطفلين )كان ذلك منذ سنوات( وكاد الاطفال يختنقون ولا اذكر تفاصيل ما حدث.
واقول بقدر كبير من الثقة ان معظم الالعاب الموجودة في مراكز الملاهي لدينا لا تتفق مع المقاييس العالمية للامان والسلامة. كما ان الاغلبية الساحقة من الذين يقومون بتشغيل تلك الالعاب والاشراف عليها رجالا ونساء لا يعون شيئا من تلك الشروط فهم يأتون من بلاد متخلفة تكثر فيها الحوادث والكوارث، ثم اذ ان هذه المعرفة ليست مطلوبة توظيفهم فأهم شيء هو المرتب الصغير، والطاعة العمياء لرب العمل، والقدرة على العمل عشرون ساعة في اليوم.
ماذا أقول؟ ربنا يستر!
فاكس: 4782781
fahads@suhuf.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved