| مقـالات
قال شاعر:
حبذا العزبة والمفتاحُ
ومسكن تقطنه الرياحُ
لا صخب فيه.. ولا صياحُ |
يرى هذا.. أن العزلة.. فيها راحة. وكثيرون يميلون للانفراد النفسي.. يحبون أن يتوحدوا.. يرون أمامهم ألواناً من الجماد الصامت.. هو يسليهم ولكنه لا ينطق.. بحيرة من المياه الصافية غب مطر.. وحولها سهول رملية رسم عليها السيل تعاريج.. لا يمكن لأحد قراءتها.. لكن العين ترتاح لها.. ويحس الإنسان.. براحة نفسية وشوق عارم داخل قلبه.. يرى أنه قد بدل المناظر.. وكسب لوناً آخر من الحياة.
الروابي الجميلة في بعض المتاهات الصحراوية جماد هي الأخرى تطبق على ما تحتها من الأرض.. لا يدري.. المنفرد بنفسه حولها ماذا تحتها؟! وماذا تخبيء؟.. لكنه يظل يرقبها بعينين داخل قلبه. فيزداد هناءً وسروراً.
الجروف على مجاري الأودية لغة أخرى.. تتحدث بها الصحارى الشاسعة لا يستطيع أحد فهم تلك اللغة.. لكنها.. ترسم داخل قلبه لوحة من السعادة والحبور.
الشجيرات الصغيرة والكبيرة.. رسوم ترفرف على خد الصحراء.. تهبها رقة النسيم.. وتتعرض مع هذا لشراسة الرياح العاتية التي تحفر تحت جذورها.. قبوراً. لكن تظل مفيدة لتلك الشجيرات لأنها تحدد خلايا تلك الجذور. فتنمو تلك الشجيرات جيداً. ولذلك صاح شاعرنا وقال: حبذا العزبة والمفتاحُ.. ومسكن تقطنه الرياحُ.. لا صخب فيه ولا صياحُ.
يهرب الإنسان من الإنسان.. ومن كل ما يعمله هذا الإنسان يهرب من التلفاز. ويهرب من الصحافة. ويهرب من المذياع. ويهرب من هذه الآلات التي تهين الأرض بعجلاتها. وتزكم الأنوف.. بدخانها. وتصك الاذان بهديرها.. وأخيراً. هذه التي تقضي على الإنسان وهو يقودها وتقضي على غيره وهو يشاهدها.
عندما كانت القرية هادئة.. وأسواقها ضيقة.. وقصيرة الالتقاءات، وعندما كانت البسمة على شفاه الناس بشكل دائم.. وعندما كانت النعجة ترعى مع الذئب.. فلا يمسها بسوء.. كانت الحياة جميلة.. وهادئة وآمنة لكنها الآن أصبحت شيئاً آخر ويسمونها تطوراً وهو موت قادم يقضي على الإنسان بتدرج مخيف.. فهل كان شاعرنا محقاً.. عندما قال ما قال؟!.
|
|
|
|
|