| مقـالات
عندما كنا طلاباً تتنازعنا أفكار وتوجهات مختلفة عن أي المدن أو الولايات أنسب، وأنفع للدراسة والتحصيل، واكتساب الخبرة، والتجربة، والتعرف على ثقافات مختلفة وأسلوب حياة معينة.. وكان بعض الطلاب يختار الولايات الهادئة ، وغير المزدحمة بالناس وبناءها المعماري لا يتجاوز مدناً صغيرة مقارنة بالمدن الرئيسة مثل نيويورك، وشيكاغو، ولوس انجلوس، وغيرها من المدن ذات الكثافة السكانية، والمشتملة على وسائل تكنولوجية ومتاحف ونشاطات ثقافية وفنية، وتنوع سكاني .. وينطلق هؤلاء الطلاب من قناعات أن الطالب عندما ابتعث للدراسة فان هدفه يرتبط بتخصصه، ومحاضراته، وجامعته فقط.. ولا ينبغي له ان يصرف بعض الوقت للتعرف على ثقافات أخرى، ونشاطات تبتعد قليلا او كثيرا عن تخصصه.. مركزا وقته واستيعابه على الهدف العلمي فقط.. وبالمقابل هناك بعض الطلاب الذين يريدون ان يجمعوا بين تحقيق الهدف العلمي، وبين التعرف على ثقافة الآخر، وطبيعة الحياة الامريكية، بما فيها من تناقضات وأفكار، وتقدم تقني، ومناشط فنية، وثقافية، وأساليب الحياة التي تتعامل مع معطيات الشارع الامريكي بدءاً بالأسواق وانتهاء بالمطاعم والمكتبات المختلفة المشارب.. والندوات والمشاركة في المؤتمرات والانصات للفكر الامريكي.
وفي تقديري ان الجمع بين التحصيل العلمي والتنوع الثقافي والاطلاع على آليات وأساليب الحياة الامريكية بكل ما فيها من اختلاف وتباين.. مفيد جداً، ويتناسب مع حياة طالب جاء ليتعرف ليس على التخصص فقط، وإنما المناخ الاجتماعي والسياسي والثقافي، والفكري الذي أخذ منه هذا التخصص وتشرّب منه.. والخلفية أيا كانت التي تمخض عنها هذا التخصص في ظل ذلك المناخ الانساني المتنوع.
لست من دعاة التغريب .. والأخذ من الآخر كل ما لديه وتمثّله .. والاقتناع به .. ولكنني من دعاة فهم الآخر فهماً حقيقياً يتناسب مع دور المبتعث العام كممثل لنفسه اولاً، ولبلاده أخيراً.. وأرى ان التقوقع على مسألة التخصص يعتريه نوع من الاستغناء عن مصادر معرفية متنوّعة قد يحتاج اليها المبتعث الطالب في وقت ما..
في تصوري أن المبتعث يمثل بلاده، سفيرا غير رسمي، يشرح مواقفها، وتاريخها وحضارتها وينافح عن كينونتها ويكتب اذا لزم الأمر عنها بلغة الآخر، ليكون لساناً إعلامياً ناطقا بكل ما تحفل به بلاده من مرجعية وخطاب ثقافي وحضاري، وفكري ، وتوجه سياسي وبناء اجتماعي ومعلنا بلغة الآخر ليسهل الفهم ومبشرا بالمبادئ التي تقوم عليها بلاده والقيم التي يؤمن بها أبناء جلدته.. ليكون بحق وفيّاً مع من قدموا له هذه الفرصة العلمية الكبيرة.. التي لا تمر بالانسان في حياته سوى مرة واحدة.. وليس من الضروري ان يؤجل الطالب المبتعث رد الجميل الى ان يصبح في موقع المسؤولية او ان يكون موظفا كبيراً.. إذ ان خدمته لبلاده وهو طالب وبين ظهراني الآخر، ومتفرغ أبلغ وأقوى وأقرب .. ذلك ان العطاء في تلك المرحلة يعوّد الطالب على حمل «الهمّ العام» لوطنه، والتفاعل الإيجابي مع قضاياه.. والاندغام في مجمل طروحاته السياسية والفكرية وخطابه الديني ومرجعيته الحضارية.. وفي الوقت ذاته يجنبه حياة الأنانية والسلبية التي تجعل الانسان يدور حول همومه وقضاياه وطموحاته الشخصية فقط.. وليتعلم ان العطاء طريق النجاح والسعادة والشعور بالانتماء ومن ثم الرضا.
ولو تصورنا ان كل مبتعث قام ببعض ما أشرت اليه من عطاء لبلادنا كل حسب قدراته ماذا ستكون المحصلة .. بالتأكيد صورة طيبة عن المبتعث الانسان الطالب السعودي في عين الآخر الذي يودّ معرفة الكثير عن هذه البلاد وقاطنيها.
ALRESHOUD@hot mail.com
ص ب 90155 رمز 11633 الرياض.
|
|
|
|
|