رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 1st May,2001 العدد:10442الطبعةالاولـي الثلاثاء 7 ,صفر 1422

مقـالات

شدو
الإنسان بين الاستهلاك والهلاك )1(
د. فارس محمد الغزي
مجنونة هي التكنولوجيا، ومجنون مخترعها وأكثر جنونا منه ومنها مستخدمها، المستهلك الذي يكفيه جنون انه يعلم علم اليقين بأن ما يستهلكه الانسان بصورة أو بأخرى يستهلك هذا الانسان بحق )وحقيق( الى درجة الانتفاء، استدلالاً بما يشهده هذا العالم غير الفسيح من حوادث تكنولوجية قاتلة على مدار ثواني ودقائق عمر الانسان القصير مما يؤكد بالفعل «ان الحياة دقائق وثواني»، كما يقول عجز بيت أحمد شوقي القائل صدره «دقات قلب المرء قائلة له» فمشكلة التكنولوجيا إذن القتل، فإن لم تقتل فبحوزتها البديل بديل هذه الاعاقة قتلا معنويا لا يختلف عن القتل الجسدي سوى ان النوع الأخير من القتل يحدث مرة واحدة فقط بينما يتكرر القتل المعنوي كل لحظة من لحظات ما تبقى من عمر الانسان القصير أصلا. بالمناسبة، دأب العديد من العلماء، خصوصا في فترة الستينات الميلادية، على التحذير من العواقب الوخيمة للتطور التكنولوجي، فكتبوا الكتب، وألقوا المحاضرات، ولما لم يرعو أحد لتحذيراتهم هذه انزوى العديد منهم مفضلين العزلة على مشاركة الانسان او مساعدته على تدمير نفسه، وتقويض أركان كونه، بل التعجيل بانقراض جنسه من خلال نهمه التكنولوجي منقطع النظير استهلاكا فهلاكا، حيث ان هؤلاء العلماء، كما ذكرت آنفا، قد آمنوا بحتمية انقراض الحياة في حال استمرار التطور التكنولوجي بمعدلات أسرع من ان )يستوعبها( الانسان فكرا وقيما ووجودا.ان لهؤلاء العلماء عذرهم في سوداوية اعتقادهم هذا حيث ان غالبيتهم قد عاصر ذروة فترات الحرب الباردة وسباق التسلح النووي بين قطبي العالم آنذاك أمريكا والاتحاد السوفياتي، وهي فترة وصلت منتهى التأزم في الستينات الميلادية كحرب فيتنام وأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا، وقبلها العملية الفاشلة المعروفة بعملية خليج الخنازير the bay of pigs التي اضطلعت بها المخابرات الأمريكية تمويلا وتخطيطا للاطاحة برئيس كوبا: كاسترو، جنبا الى جنب مع ما نصبته أمريكا في تركيا من صواريخ نووية موجهة الى الاتحاد السوفياتي، أو ما يعرف بهذا الاسم آنذاك بل ربما ان هؤلاء العلماء قد جُبلوا على التشاؤم حيث انه من المعلوم ان التشاؤم من صفات العلماء المطلعين على بواطن الأمور استدلالاً بوجود ما يعرف بألم المعرفة the pain of knowledge الذي يشير اليه قول المتنبي:


ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

الغريب ان لدى الأمريكيين مثلا قريب الشبه بما لدينا من أمثال في شأن ألم المعرفة حيث يقول مثلهم: )ignorance is a bless( أو «الجهالة نعمة» وحقا نطقت الأمثال فما أكثر سعداء هذا الكوكب جهلا بألم ليس له من )مضاد حيوي(! سوى الجهل به انه الجهل الذي تمناه الشاعر بقوله:


من لي بعيش الأغبياء فإنه
لا عيش إلا عيش من لم يعلم!

ان المعرفة مؤلمة وما ذلك إلا لكون اطِّلاع الفرد على أمر ما يعني احاطة هذا الفرد بتفاصيل ايجابيات هذا الامر مما يمده )اتوماتيكيا( بالقدرة على معرفة الجانب الآخر، أقصد السلبيات وذلك حين يكون قادرا على تقمص أسوأ ما يمكن ان يحدث..! ماذا يمكن ان يحدث )تكنولوجيا(..؟!
هذا سؤال تجيبه شدو الخميس القادم إن شاء الله.
* خاص:
الأخ: احمد عز الدين: أولا لم أنفِ ظاهرة تمدد المدن نحو الشمال ولم انعتها ذاتها، بكلمة )تخمينات( كما ذكرت في ردك وانما عنيت بكلمة تخمينات )أسباب( حدوث هذه الظاهرة وليس الظاهرة ذاتها فيا حبذا لو امعنت النظر فتمعنت..
ثانيا: هل لديك يا أخي دليل علمي )استقرائي( قاطع عماده المنهج العلمي المبني على المنطق السببي، وليس ما يسمى بالمنطق او القياس الصوري وذلك اثبات )لأسباب( الظاهرة المعنية.
ثالثا: هناك فرق بين ما يتم التوصل اليه عن طريق الملاحظة الحسية كمرحلة معرفية فارطة من رحلة الانسانية والتفكير العلمي المنهجي كآخر مرحلة معرفية توصلت اليها البشرية حتى الآن ولكي يتضح لك ما أقصده هنا دعنا نفترض ان فلانا من الناس يعيش بيئة معزولة جاهلة وان هذا )الفلان( يصاب بضيق تنفس كلما قدر الله ان يأتيها المطر، هنا فالمُلاحظ )الحسي( لهذه الظاهرة سوف يربط بين ضيق تنفس فلان وهطول المطر في قريته، اما المفكر )العلمي الاستقرائي( فسوف يغوص في اعماق الظاهرة ليتواصل علميا الى ان هناك علاقة بين ضيق تنفس )فلان( هذا والرطوبة المصاحبة للأجواء المطيرة.
رابعا: ليس بحوزتي )ترف( الحيز مكانا وزمانا لأستعرض مثالب منهجية ابن خلدون انطلاقا من معطيات علمية عصرنا هذا، ومع ذلك دعني أسألك باقتضاب عما اذا كنت تعتبر كل ما ورد في مقدمة ابن خلدون )حقائق دامغة(؟! كما يوحي به ردك المعني.. حتى ولو كان على غرار قوله «ان العرب اذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب..» سواء قصد العرب هنا أم الأعراب بل ما رأيك في )علمية( عزوه بعضا من أسباب اختلاف الأحوال الاقتصادية بين المشرق والمغرب الى )النجوم(؟!
شكرا لتواصلك مع شدو..

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved