| مقـالات
هناك مَنْ يقول إنه «كلما زاد الدخل أي دخل الفرد كلما تعددت أوجه الإنفاق وبالتالي يقل الادخار» وهذا القول يمكن ان نعتبره فرضية وليس حقيقة واقعة في مجتمعنا السعودي ما لم يثبت عكس ذلك. إن إثبات عكس ذلك يحتاج الى دراسة ميدانية وأخذ عينات من شرائح المجتمع بدخول شهرية أو سنوية مختلفة وعلى ضوء ذلك يتضح مدى قبول الفرضية أو رفضها. لاشك أن هناك اختلافا في مقدار الإنفاق بين شرائح الدخول لأفراد المجتمع وبالتالي في مقدار الانفاق ونسبة الادخار بالنسبة لمقدار الدخل. كما ان نسبة الادخار تختلف بين أفراد الشريحة الواحدة أي المتساوين في الدخل ومن هنا فإنه يمكن النظر الى أوجه الانفاق أو مجالات الانفاق من خلال محورين:
المحور الأول يتمثل في الانفاق على الحاجيات الضرورية كالغذاء والملبس والمسكن، ورغم ان الاختلاف وارد في مقدار الانفاق بين أصحاب الدخول الواسعة إذا تصورنا ان عدد أفراد الأ سر يختلف لكل من أصحاب الدخول في شريحة واحدة، ولكن لماذا الاختلاف عند تساوي أعداد أفراد الأسر في شريحة واحدة؟ ولماذا يزيد إنفاق الفرد ذي الأسرة الأقل في العدد عن الانفاق في أسر أكبر مع العلم ان الدخل واحد؟ لا شك ان مرد ذلك الى السلوك الاقتصادي للفرد، وهذا السلوك يعتمد على النظرة للمستقبل ومدى الرغبة في الحفاظ على وضع اقتصادي منتظم للأسرة. وهذه الرغبة لا بد ان تكون مقرونة بالقدرة على التخطيط لميزانية الأسرة التي تشمل الدخل وهو في الغالب معروف وتشتمل على الصرف والادخار. إن البعض يتبع سلوكا إنفاقيا أو شرائيا لا يتناسب إطلاقا مع دخله قد لا يتجاوز دخله ولكنه لا يدخر شيئاً، في الوقت الذي يستطيع أن يدخر. كما وأن البعض قد يفوق إنفاقه دخله ويتخبط في الديون مع العلم انه ليس مضطرا لذلك، وفي هذه الحالة يحدث الخلل المالي حيث ان الفرد يلبس دخلا غير دخله ويجاري آخرين من أصحاب مداخيل مرتفعة دون الحاجة الحقيقية لذلك وإنما لمجرد التباهي بمظهر مزيف وهنا مكمن الخطر.
البعض يستأجر فيلا في الوقت الذي لا يسمح فيه دخله إلا باستئجار شقة ويكون السكن على حساب جوانب أخرى كالملبس والغذاء. البعض قد يستأجر بيتا متواضعا ولكنه يصرف على الملبس والولائم بشكل كبير فهو يهتم بجوانب مظهرية أكثر من غيرها. لقد تبين من خلال مسح أولي للسلوك الشرائي في بعض أسواق الرياض أن نسبة كبيرة من المتسوقين لا تحدد ما ترغب في شرائه قبل الذهاب الى السوق. وإذا حدد فإنه في الغالب لا يلتزم بما حدد وإنما يشتري أشياء كثيرة قد لا تكون ضرورية أو يحتاجها في ذلك الأسبوع وخاصة في الأسواق المركزية التي تحسن عرض الأشياء وإظهارها بالمظهر المغري للشراء.
وجد ان الكثيرين لا يحددون ميزانية لما ينفقون ويتبعون القول الذي يقول «انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» وما في الغيب غير معلوم فقد يكون مالا وقد يكون إنذارا بطرد من المسكن وقد يكون أشياء كثيرة ويظل الغيب غيبا لا يعلمه إلا الله.
أما الوجه الثاني من وجوه الانفاق فيتمثل في الصرف على الأشياء الكمالية. ولا شك ان الكماليات تختلف لدى الأفراد وتخضع لاعتبارات عدة فالبعض يرى ان لوحة فنية تزين جدار البيت هي من الضروريات والبعض لا يرى ذلك ولكن من باب المحاكاة يلزم نفسه بشراء لوحات في وقت لا يسمح دخله بذلك مما يجعل صاحبه يعيش على الكفاف بل والدَّين أحيانا. وقد يكون لربة البيت دخل بل تدخل في ذلك للمباهاة أمام صديقاتها. فهل بالإمكان تغيير هذا التوجه وترتيب أمورنا المنزلية ماليا وتعميق النظرة الاقتصادية بشكل أفضل دون إسراف ولا بخل؟ )ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط(.
المواسم والسلوك الشرائي
تنتشر المحلات التجارية بشكل كبيرة في مدن وقرى المملكة الى درجة أنها قد تفوق أعداد الوحدات السكنية بنسبة ليست بالقليلة. هذا بالنسبة للمحلات التجارية على الشوارع الرئيسية ناهيك عن المجمعات التجارية التي تضم أعدادا من المحلات التجارية لتصبح تحت مسمى سوق واحد. إن هذه المحلات وهذه المجمعات التجارية تضم الأصناف التي حللها الله مما يخطر في ذهن الإنسان من البضائع ومن أصقاع شتى من بلاد العالم. كما ان هذا التطور في أعداد المحلات التجارية والتنوع في البضائع حدث خلال العشرين سنة الماضية وهذه مدة وجيزة وقد غير ذلك من السلوك التجاري لدى الناس.
إن هذا التعدد والتنوع جعل من السهولة بمكان الحصول على الاحتياجات اليومية من مكان قريب من سكن معظم السكان في المملكة. وهذا لا ضير فيه، إلا أن السلوك الشرائي الموسمي لا يزال ظاهرة ملحوظة. ماذا يعني السلوك الشرائي الموسمي؟ إنه يعني الذهاب للتسوق في الأسواق في مواسم معينة كما هو الحال قبل بدء شهر رمضان وقبل عيد الفطر بأيام ومع بداية موسم الشتاء ومع بداية إجازة الصيف لشراء احتياجات الأسرة المتنوعة حسب تلك المناسبات. ما مدى منطقية تلك الظاهرة؟
أعتقد ان تلك الظاهرة منطقية الى حد كبير وهي ظاهرة ليست جديدة على المجتمع السعودي. لقد كان سكان الأرياف والبادية يفدون إلى المدن بشكل أكبر في مواسم محددة كمواسم الأعياد وبعد الحصاد لبيع ما لديهم وشراء احتياجاتهم الأسرية من كساء وأغذية، كما كانت مناطق جنوب غرب المملكة ذات أسواق أسبوعية محددة الأيام ) أي أن كل سوق يقام في يوم محدد من الأسبوع( ينتهي السوق في ذلك اليوم ويصبح مكانه خاليا ليعاود الانعقاد في نفس اليوم من الأسبوع الذي يليه. وهذا يمكن السكان من العمل طيلة الأسبوع في مزارعهم أو رعي أغنامهم وأبلهم ثم التفرغ يوما واحدا في الأسبوع لقضاء مشترياتهم. ومع ذلك فإن أعداد الباعة تزداد في مواسم الأعياد وقبل دخول شهر رمضان بأسبوع كما تزداد أعداد المشترين وكميات البضاعة المعروضة كما يطرأ تحسن كبير على نوعيات كثير من البضائع.
إن المنطقية هنا في هذه الظاهرة تأتي من كون بدايتها مرتبطة بنهاية شهر تبدأ في الشهر الذي يليه مناسبة، وهذا واضح مع نهاية شهر شعبان وبداية شهر رمضان ونهاية شهر رمضان وبداية عيد الفطر في أول شوال ونهاية ذي القعدة وبداية العشر الأول من ذي الحجة حيث موسم الحج وعيد الأضحى. إن غالبية الأسر تنتظر راتب من يعيلها بنهاية كل شهر ولذا فإن الشراء الموسمي مرتبط بهذا الراتب. بالاضافة الى ذلك فإن مناسبة الأعياد وكذلك موسم الصيف مرتبط بإجازة وهذا يعني فرصة تسوق عائلي كما يعني نوعا من اللقاء الأسري والتجمع الذي قد يعني نوعا من المتعة والترفيه.
ماهو الجانب غير المنطقي في هذه الظاهرة؟ أقصد التسوق الموسمي. أعتقد ان عدم المنطقية تظهر في السلوك الشرائي نفسه. إن كثيرا من المتسوقين يذهبون الى الأسواق وفي ذهنهم شراء أشياء معينة، إلا أن تحديد الميزانية معدوم وربما لم تحدد نوعية المشتريات. كما انه وبمجرد الوصول الى السوق يبدأ في شراء أشياء تم تحديدها مسبقا وأشياء كثيرة أخرى لم تحدد. تشترى أشياء ضرورية تتطلبها الحاجة والمناسبة وأشياء ليست ضرورية ولا تتطلبها المناسبة.
يتم الشراء من أول زيارة للسوق وقد يكون من أول محل يزوره المشتري دون استطلاع ومفاضلة خاصة وأن أسواقنا يوجد بين محلاتها بون شاسع في الأسعار ولنفس السلعة؟ وهناك جانب غير منطقي في الباعة يتمثل في المغالاة في الأسعار في مثل هذه المواسم والمناسبات ومحاولة التخلص من البضائع القديمة دون ان يكون هناك إغراء كبير في الأسعار وهناك التخفيضات التي قد تكون وهمية واستغلال جهل أو طيبة المتسوق واستغلال حياء النساء في عدم المفاصلة والمناقشة حول الأسعار.
وعلى هذا الأساس فهناك جانب منطقي لزيارة المتسوقين وزيادة مشترياتهم في مواسم معينة وهذا وضع عالمي وليس قاصرا على المملكة وهناك الجانب غير المنطقي في السلوك الشرائي والبيعي. وكلما زاد الحس الاقتصادي لدى المتسوق وكلما نشطت حماية المستهلك وكلما راعى البائع الله ثم ضميره في بيعه فإن ذلك يؤدي بالأسواق الى الاستقرار الاقتصادي والى جعل هذا السلوك الشرائي الموسمي أكثر منطقية وأكثر متعة.
* كلية الآداب جامعة الملك سعود
|
|
|
|
|