| العالم اليوم
الدول التي تتورط في الحروب تفرض عليها تلك الحروب تحويل كل امكانياتها السياسية والاقتصادية وحتى اهتماماتها اليومية لخدمة تلك الحروب بحيث يجند كل شيء من أجل تحقيق النصر، ، أو الخروج من تلك الحرب بأقل الخسائر، ، ولذا نجد حتى الدول التي تخرج من تلك الحروب تعاني سنين طويلة بعد انتهائها، وأكثر من يتأثر بالحرب الوضع الاجتماعي والنفسي وقطاع الاقتصاد،
الكيان الاسرائيلي الآن ومهما حاول قادته السياسيون وكتابه وإعلامه أن يخفوا ذلك، فإنه يعيش حالة حرب ، وحتى وان اعتبرنا بالمقاييس المادية والعسكرية هو المتفوق ميدانياً، وأنه الأكثر سيطرة وقدرة على مواجهة فتيان الأنتفاضة وشبابها، وأنه تفوق على الشرطة الفلسطينية في تدميره لبعض المواقع والمراكز الأمنية الفلسطينية، ، إلا أن الصحيح والواقع يؤكدان أن الفلسطينيين هم الذين يحددون سبل المواجهة وسير «حرب الانتفاضة» وأن دور القوة العسكرية ونشاط جنودها تحدده رغبات الفلسطينيين، وبالتالي وحسب الحسابات العسكرية يظل الفلسطينيون أكثر نجاحاً في تحقيق اهدافهم الميدانية العسكرية، والسياسية وحتى النفسية،
كيف، وماذا حقق الفلسطينيون وما هي العلاقات والمتغيرات التي يمكن البناء عليها لتأكيد هذا الاستنتاج، ، ؟
أولاً: اندلعت الانتفاضة الفلسطينية كرد فعل ايجابي غاضب على فعل مشين لآرييل شارون الذي هدف من ورائه إلى تحقيق هدف آني، تمثل في احراج رئيس الحكومة السابق ايهودا باراك وتعريته امام الاسرائيليين بعدم قدرته على مواجهة الفلسطينيين، والهدف الثاني، وضع سابقة يهودية تجعل استباحة حرم المسجد الأقصى، عملية اعتيادية، كالذي حصل في الحرم الإبراهيمي والذي امكن لليهود مقاسمته مع المسلمين، وإذا كان شارون قد نجح في الهدف الأول وأبعد باراك عن السلطة، فإن نفس اسباب النجاح في الهدف الأول تجعله عاجزاً عن تحقيق الهدف الثاني، لأن الانتفاضة التي تسببت في اسقاط باراك هي نفسها التي ستسقط شارون، خاصة وأنها تطورت إلى أبعد من ذلك واضعة بدايات لحرب تحرير شعبية وبالذات اذا ما واصل الإسرائيليون تصعيد اعمالهم القمعية ضد الفلسطينيين الذين سيكونون على استعداد لرفع درجة مقاومتهم وكفاحهم بعد أن يكونوا قد وصلوا الى قناعة بأن لا يوجد شيء لم يفقدوه، وهم يعيشون بدايات هذه القناعات سواء على مستوى الشارع والمواطن العادي، ، أو على مستوى التنظيمات والقيادات الثانوية سياسية وعسكرية وتنظيمية،
ثانياً: يخطئ من يظن بأن شارون قدم الى رئاسة الحكومة دون أن يكون لديه هو وجماعته مخطط للقضاء على الانتفاضة، ، بل أكثر من ذلك، لديه تصور ومخطط ودراسة لفرض ما يريده تيار المتشددين من «سلام استسلامي» على الفلسطينيين بل أكثر من ذلك يطمح بأن يقنع الدول المجاورة اقليمياً، والحليفة دولياً، ، والصامتين أوروبيا، بأفكاره التي اقنعت نسبة كبيرة من الاسرائيليين، ، ومنهم من كان يعتمد غيرها واخذ يروج لها كجناح شيمون بيريز وبن اليعازر،
والمخطط الذي ينفذه شارون ليس مخططاً عسكريا وسياسياً فحسب بل يلزمه تكاليف اقتصادية وأعباء اجتماعية وضغوط نفسية، واذا كنا والمتتبعين لما يجري في فلسطين المحتلة بشقيها المحتل عام 1948م والمحتل عام 1967م نعرف الأعباء العسكرية والجهد السياسي الذي فرض على الاسرائيليين القيام به منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، فالاسرائيليون أصبحوا مستنفرين عسكرياً، وحتى الذي كانوا يحلمون بالراحة بعد الخروج من «المستنقع اللبناني» أصبحوا مرهقين جداً بعد التورط في «المستنقع الفلسطيني» الذي هو أكثر تعباً وإيلاماً للاسرائيليين اخلاقياً، واذا كان الاسرائيليون قد وجدوا «تفهما» من تدخلهم في جنوب لبنان، فإن العالم وحتى المتحالفين مع اسرائيل والغاضين الطرف عنهم في امريكا وأوروبا لا يمكن أن يسكتوا كثيراً على قتل الأطفال والفتيان وهدم المنازل وقد لاحظ «استيقاظات» للضمير الغربي، ، في حالة استشهاد «الطفلة مروة» ودخول القوات الاسرائيلية الى بيت حانون،
هذا العبء العسكري والسياسي لا يقتصر على الانشغال والعمل الذي سينهك المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيلية، بل ايضا يضيف اعباء مادية، فالاستنفارالعسكري وجعل القوات العسكرية الاسرائيلية في جاهزية دائمة ومتواصلة يفرض على القادة العسكريين جعل وحداتهم مكتملة العدد، مؤدية لتمارينها العسكرية وفق درجة عالية من الاستعداد العسكري تتعدى الدرجة «ج» في التصنيف الحربي وهذا يعني أن جميع افراد الوحدة يجب ان يكونوا ملتحقين بوحداتهم، وأن تمنع الإجازات، وتتواصل التمارين وهذا يعني في التنظيم العسكري الاسرائيلي ان يكون جنود الاحتياط ملتحقين بوحداتهم خاصة الشبان منهم، وأن يكون الأكبر سناً على استعداد للالتحاق بوحداتهم فور طلبهم مما يعني انشغال الشباب وتوقف وحدات الانتاج المدني التي كانوا يعملون بها، وأن تتوقف خطط الانتاج للمؤسسات التي يعمل بها الاكبر منهم، وبهذا يكون المجتمع الاسرائيلي قد تحول دون ارادة منه ونتيجة لورطة الانتفاضة الفلسطينية، ، الى مجتمع عسكري لخدمة الحرب، ، وهو ما لم تعشه اسرائيل الا لفترات قصيرة لم تصل في مجملها الى نصف الفترة الحالية التي فرضتها الانتفاضة الفلسطينية مما صنع انهيارات اقتصادية واجتماعية ونفسية بدأ الاسرائيليون انفسهم يتحدثون عنها، ، والتي سنتحدث عنها غداً،
لمراسلة الكاتب
Jaser@Al-Jazirah، com
|
|
|
|
|