أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 29th April,2001 العدد:10440الطبعةالاولـي الأحد 5 ,صفر 1422

مقـالات

شدو
في ذهنية الذهان! « الأخيرة»
د. فارس محمد الغزي
أشرت في مقالة «شدو» يوم الخميس المنصرم الى ما هنالك من انشطار او صراع، في الثقافة العربية تجاه الحقوق المعنوية للمرأة قياساً على الجوانب الحسية من هذه الحقوق، وأشرت كذلك الى أن ذهنية القبلية العربية قد تم دمجها ثقافياً واستدماجها نفسيا الأمر الذي على إثره تخلقت «ذهنية الذهان» مشطورة بين ما يجب احقاقه للمرأة دينيا وما تفرضه العقلية القبلية من تأطير وأساطير لا تمت الى الدين الحنيف بصلة.. والسؤال المطروح هنا هو: لماذا لم يرث الرجل المرأة مقدار ما تغزل هذا الرجل بهذه المرأة؟
وللاختصار لأقول إن هناك أسباباً مصدرها دونية مكانة المرأة في الثقافة العربية على وجه العموم، حيث يذكر الدكتور عبد الرحمن السماعيل في دراسته القيمة المعنونة بـ «رثاء الزوجات في العصرين الأموي والعباسي، ص 458»أن من ضمن أسباب عدم رثاء الرجال للنساء هو اعتقاد العرب بأنه «... عجز يحط من قيمة الرجال، فهن لسن من زينة الحياة الدنيا التي ذكرها الله في القرآن، ولا يحملن سيفا ولا يقدن جيشاً، بل إنهن يلدن الأعداء، ويورثن أموال آبائهن للأباعد من الناس، كما انهن من حبائل الشيطان، فهن السبب في خروج آدم من الجنة».. ليواصل الباحث ايراد العديد من الأمثلة المدعمة لهذا الاعتقاد الخاطئ مؤكدًا في الوقت نفسه مخالفة مثل هذه الآراء المجحفة بحق المرأة لروح تعاليم ديننا الحنيف.
جدير بالذكر ان الرثاء مدح للمرثي والثقافة العربية ثقافة ذكورية اختصت الرجل ـ دون المرأة ـ بصفات معينة من ضمنها الشجاعة والكرم، فقد تعارف العرب الأوائل على تجنب الاقتران بالمرأة الشجاعة السخية! ولماذا؟! .. إليكم الإجابة، حيث يذكر الصفدي في كتابه: «الغيث المسجم ص 412 ـ 413» موضحا أسباب تفضيل الثقافة العربية لصفتي الجبن والبخل في المرأة .. «إنهما صفتان محمودتان في النساء مذمومتان في الرجال، لأن المرأة اذا كان فيها شجاعة ربما كرهت بعلها فأوقعت به فعلا أدى الى هلاكه او تمكنت من الخروج من مكانها على ما تراه لأنها لاعقل لها يمنعها مما تحاوله. وإنما يصدها عما يقتضيه عقلها، الجبن الذي عندها والخوف، فإذا لم يكن لها مانع من الجبن أقدمت على كل قبيح، وتعاطت ما تختاره ، إقداما منها على ما يأمرها به عقلها.. واذا كانت المرأة كريمة سمحة جادت بما في بيتها فأضر ذلك بحال زوجها ومتى علم منها الجود بما يطلب منها ربما حصل الطمع فيها بأمر آخر وراء ذلك ... وبالجملة، فما حمد أحد من العقلاء كرم المرأة ولا شجاعتها»... ويورد الصفدي عددا من القصص المؤكدة لاستهجان الثقافة لشجاعة المرأة من ضمنها قصة شرحبيل بن الخريت وزوجة له اشتهرت بشجاعتها: ففي ليلة من الليالي وبينما كانا نائمين كاد ثعبان أسود هائل الحجم ينهش شرحبيل لولا ان زوجته استيقظت صدفة وبكل هدوء أخذت بحلق الثعبان وخنقته حتى الموت ثم رمت به جانبا وغطت في النوم، وفي الصباح الباكر قدم والد شرحبيل ليوقظه من النوم فهاله منظر الثعبان الميت، فتساءل عمن قتله؟ فبادرته الزوجة بالقول : «أنا ولو كان أشد منه لقتلته! وحينئذ بادر الأب ابنه بالقول: «يا شرحبيل خل عنها فهي للرجل أقتل!.. فطلقها شرحبيل!». وعلى الرغم من ضجيج الثقافة العربية تأكيداً لأهمية دور المرأة بوصفها مربية أجيال وأنها «المدرسة التي إذا أعددتها...!!» فثمة «خصخصة» ذكورية لخصلة أخرى ـ بجانب الشجاعة ـ ليس للمرأة فيها نصيب وتلك هي خصلة الكرم، فكما تغنى بها الشعراء جبانة فقد تمنوها بخيلة ايضا بغض النظر عن مدى التعارض الجوهري بين الجبن والبخل ووظيفة المرأة الثقافية ـ تربية الأجيال ـ فها هو شاعر يصرخ في عجز بيت له بكل قناعة بأن «.. جود النساء يعد في البخل.. » وهذا شاعر آخر «ينزّهها» عن سخاء النساء الذي لا يعادله في القبح ـ حسب سياق قوله ـ سوى بخل الرجال:


تنمى الى القوم جادوا وهي «باخلة»
والجود في «الخود» مثل الشح في الرجل!

في الختام، لا شك ان الشعر الشعبي يحوي قيماً إنسانية راقية تدل على التصاقه بالواقع وانبثاقه منه بدليل ان الشاعر الشعبي لم يعان ثقافيا من «خجل الثقافة العربية!» فيترفع عن رثاء زوجته المتوفاة، بل إنه على النقيض من ذلك حيث تزخر ثقافتنا الشعبية بقصائد رثائية خالدة للزوجات وللأمهات وللأخوات كذلك، كرثاءنمر بن عدوان لزوجته «وضحى!» وبكائيات ابن لعبون على «مي» بـ «قبر بتلعات الحجازي!» .. بل كما يتضح في اعتزاز البطل الشعبي باسم أخته الكبرى حين لا يتوانى عن الانتساب اليها «عزوة» استدرارا للشجاعة والثبات في مواقف الخطر والشدة كما اشتهر عن «أخو نوره» .. البطل المؤسس الملك عبد العزيز أغدق الله عليه شآبيب رحمته ورضوانه ، فيا حبذا لو بادر الإخوان في صفحتنا الرائدة «مدارات شعبية» وعلى رأسهم الزميل الاستاذ الحميدي الحربي، فأتحفونا بالمزيد عن هذه السمة الانسانية التي يتميز بها الشعر الشعبي قياسا على «نخبوية» الشعر العربي الفصيح.
المراجع:
1 ـ صلاح الدين بن أيبك الصفدي . «الغيث المسجم في شرح لامية العجم» م1، دار الكتب العلمية، بيروت 1995م.
2 ـ الدكتور: عبد الرحمن إسماعيل السماعيل. «رثاء الزوجات في العصرين الأموي والعباسي» مجلة جامعة الملك سعود «الآداب 2، م12» ص ص 451 ـ 494. 1420هـ.
ص ب 454 رمز 11351 الرياض.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved