| عزيزتـي الجزيرة
تظل «حواء» ذات حضور متوهج في ذاكرة الزمن.. وعطاء متأجج في قافلة التاريخ الذي يشهد للمرأة بأنها النصف الآخر.. الفاعل والمؤثر.. والقادر على إعداد الجيل النافع وممارسة دور بنائي في مسيرة الأمة.. فضلا على أن العقيدة السمحة رسمت للمرأة إطارا مشروعا يحفظ كرامتها ويصون أنوثتها ويحقق لها خصوصية ملائمة تواكب مقوماتها النفسية والبدنية.. نعم الدين الحنيف أنصف المرأة وأغلق كل باب من شأنه المساس بهذه الجوهرة المصونة.. أو التغرير بها ورسم المكائد للنفاذ إلى عالمها المليء بكل ما هو نبيل. أصيل..
ولعل المرء يعجب أشد العجب ويتألم وهو يرى المرأة لدى بعض المجلات مجرد أداة لترويج المجلة ووسيلة للتسويق وزيادة مساحة التوزيع.. وهي مجلات تتخذ من (حواء) قناة جذب ولوحة إغراء تشتعل فوق الغلاف المبجل.. عبر فلاشات مثيرة.. ومشاهد جديرة تجيءتلك النوعية من المجلات بدون استحياء تقدم (غلافاً مترفاً ) يذرف الانبهار في الأحداق.. يلوي الأعناق.. وعلى جبينه صورة إحداهن وقد أثقلها المكياج وأثخنها الإخراج.. وسطعت بها الكاميرا.. فملأت الغلاف وسرقت الهتاف.. في مشاهد الاستخفاف.. عبر ملامح مكتظة بالألوان.. وشفاه مسكونة بالابتسامة الصفراء.. ولا عزاء للنساء!! حقا غلاف يعرض الإثارة بجدارة.. وحقارة يتخذ من حواء وسيلة إغراء.. يسحب خيوط الانتباه.. وتظل تتعلق به الأبصار.. تتدحرج الأنظار.. آه ما أقسى هذا الإطار!!
دائرة ضوء مثقوبة.. كرامة مسلوبة.. حضور هش زائف.. يلجم إجابات اللحظة.. ويحرث الشفاه بتساؤلات حادة موغلة بالألم: هل غدت المرأة مجرد أداة دعائية تتناقلها المجلات التجارية بطريقة سمجة يمجها الخلق الكريم وينفر منها الذوق السليم.. وكأنما المرأة اللوحة.. أو التمثال.. هل هذا هو قدر مربية الأجيال.. وصدق الشاعر:
والأمهات إذا ما كن في سفه
فاحكم على الجيل أن النقص حاديه
كيف يمكن تقديم حواء بهذه الطريقة الرخيصة؟! إنها منبع الحياء.. رمز العفة والطهارة.. مصدر الأمومة.. والقائمة بالتربية وإعداد النشء.. وما زال المجتمع يحتفي بها ويثمن كرامتها ويعلي من قدرها.. ويضعها في مكانة أسمى.. ومنزلة أعلى.. كيف تأتي بعض المجلات الهابطة وتتكئ على المكتسبات الجمالية والمعطيات الإغرائية للمرأة لزيادة رقعة البيع وجذب المشترين.. وكأن المرأة مجرد لوحة تستمتع بها الأعين النازحة من دوائر الحياء!! شيء مؤلم أن تتخذ حواء قناة لتمرير البضاعة الرديئة.. عبر مناظر استفزازية تخدش المشاعر..
ولو تأملت محتوى هذه المجلات الطارئة الجامحة لوجدتها تحمل بين طياتها مضامين رخيصة.. وفكرا أجدف.. ومادة إعلامية هابطة.. وستجد تفاهة الأفكار.. ورداءة الطرح.. وسذاجة العرض.. وفساد المضمون.. ولا تستغرب أن تقرأ عن أخبار الفنانات.. رحلات الممثلات.. أحوال عارضات الأزياء.. قضايا فراشات السينما.. نتائج مسابقات ملكات الجمال.. وستطالع أساليب الريجيم.. ونصائح الحب.. ووصفات المشاكل الزوجية.. هي مجلات «بتاع كله»!! دوائر تدور في فلك الإغراء مصابة بالخداج..
آه من تلك المجلات الخارجة عن النص.. المسكونة بحمى الوادي. وهي تسكب أوعية الغبض وتلتقط فواصل الإغراء المعلب.. لتذره في العيون المتورمة برمد الانبهار.. مجلات تمارس تجارب نزقة عبر عزف مشروخ منفلت من إطار المشروعية.. متسرب الى ساحة الأضواء.. يرسم ملامح متجمدة تحت صقيع القفز الماتع.. إنما ممارسة فجة تهزأ بقيمة المرأة وتستخف بإنسانيتها وتستبيح حرمتها وتنتهك عالمها المكنون.. لتجذب أناساً مبهورين بالنغم الأنثوي المسافر في أعماقهم المستحوذ على عقولهم الهشة.
ويندرج تحت ذلك ما تمارسه القنوات الفضائية من استغلال لمناظر الإغراء.. يمضي الليل سريعا يستحث الخطى وهؤلاء يسافرون بين دوائر الفضاء الطلق عبر نزوح مر منزوع الحياء تتقاذفهم مناظر الإغراء وتسحرهم لوحات الغرام.. تسلب عقولهم مواقف الهوى وتخدر مشاعرهم حوارات الهيام!!
وها هو الإحساس يغفو وأنى له أن يستيقظ وللفيديو كليب حضور مدهش طاغ.. ولم يزل هؤلاء تبهرهم الأعين النجل والمحيا المثقل بالمكياج وأناقة تصحبها لباقة لدى مذيعة بديعة!!
لم تكن السماء صحواً ولا الشمس صافية ولم تكن درجات الحرارة معتدلة بل كان جو الحياء باردا معبأ بالصقيع.. ساعات مثخنة بالاهدار.. ولم يكن الهدف سماع نشرات الأخبار..إنما كانت هناك قصص وحكايا.. ومناظر تتهشم منها المرايا .. آه لم يعد للبوح بقايا.
وكأن المسافة ضاقت بين جنون البقر وجنون البشر.
ومع كل تظل حواء.. المدرسة التي فتحت فصولها لقوافل حافظ إبراهيم .. ليصوغ حروف الإشادة بالمرأة الرمز رافا عقيرته: الأم مدرسة..
وبرغم النماذج غير المعتبرة تبقى حواء العاقلة مدركة لما يحاك للمرأة في هذا العصر من أساليب خادعة محاولة تسخيرها كعملة جذب ووسيلة إعلان.
وتحية من الأعماق لوزارة الإعلام في وطننا المعطاء التي تقف في وجه كل مطبوعة وافدة تحمل صورا فاضحة أو مشاهد مخلة.. وما زلنا نحتفي في هذا الوطن الغالي بحواء العاملة الباذلة.. المفكرة.. الأديبة.. الطبيبة.. التي تمارس دورا توعويا لبنات الجيل.. وترسم خريطة ناصعة من الالتزام لأن لها في المجتمع حضوراً وفي ذاكرة التاريخ ظهوراً..
محمد بن عبدالعزيز الموسى
بريدة
|
|
|
|
|