أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 27th April,2001 العدد:10438الطبعةالاولـي الجمعة 3 ,صفر 1422

شرفات

الباحث عبد المحسن الخنيزي ورحلة الخروج من المتاهة
قراءة في تشكل الوعي العربي منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن
لا يخاف من الفيروسات الفكرية إلا من يمتلك ثقافة هجينة ...!
الاتجاه العنفي في المجتمع العربي بدأ ينحسر منذ منتصف التسعينيات
عبد المحسن الخنيزي باحث من ربوع المملكة يحمل هما فكريا يشتبك فيه السياسي بالثقافي .. وقد صدر له مؤخرا عن احدى دور النشر اللبنانية كتاب جديد ومهم بعنوان « الوعي العربي في دائرة المتاهات» .. ولا شك ان هذا العنوان الجذاب والمحير في ذات الوقت يفجر العديد من التساؤلات حول أوضاعنا الفكرية والثقافية والسياسية ايضا ويطرح العديد من القضايا والمسلمات للنقاش والبحث.
مراحل نحو الديمقراطية
* في كتابك الصادر مؤخرا «الوعي العربي في دائرة المتاهات» قسمت المراحل الفكرية والسياسية للوطن العربي خلال قرن الى أربع مراحل .. فما هي أهم سمات كل مرحلة من وجهة نظرك؟.
في البداية نلاحظ ان المجتمع العربي بعد سقوط الدولة العثمانية واندراج الدول العربية تحت سطوة الاستعمار، اتسم المجتمع في تلك الفترة بهامش للحريات والعمل الديمقراطي او ما يمكن ان نسميه بالمرحلة الليبرالية، ثم أعقبتها المرحلة القومية الوطنية عقب الحرب العالمية الثانية واتسمت بالتحرر من ربقة الاستعمار من جهة وسقوط فلسطين في يد الصهيونية من جهة اخرى.
وتأتي بعد ذلك المرحلة القومية الاشتراكية التي أعطت للاتجاه القومي محتوى اجتماعيا. وحاليا بعد سقوط هذه المرحلة اتجهت الدول العربية بدرجات متفاوتة نحو بوابة الليبرالية والحياة الديمقراطية، هذه المرحلة الليبرالية الجديدة رافقها نشوء وتطور الاتجاه الاسلامي السياسي. هذا الاتجاه الذي امتد في مختلف الدول العربية في فترة متقاربة منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن، حيث يسعى هذا التيار في أكثر البلدان العربية الى ان يتسلم السلطة سواء بالعنف او بالعمل السياسي خصوصاً في دول مثل الجزائر ومصر.
لكن يشاهد منذ منتصف التسعينيات الانحسار التدريجي للاتجاه العنفي داخل التيار الاسلامي، وتبدو الغلبة الآن لأصحاب العمل السلمي ممثلين في بعض المنظمات المعروفة والتي استطاعت ان تجتذب رصيداً جماهيرياً كبيراًَ. كما ان لهؤلاء اكثر من موقع داخل اجهزة السلطة وفي المؤسسات المدنية المختلفة كالاتحادات والنقابات ومجالس الشورى وغيرها مما يبشر في النهاية وكما أتوقع بأن يتحول هذا التيار السلمي الى منظمات وأحزاب تتسم بالمصادقة الحقيقة وقبول الآخر بصورة جذرية وهذا ما ستثبته السنوات القليلة القادمة.
تراجع العنف
* هل يعني هذا الطرح ان استشرافك للمستقبل يميل الى التفاؤل الى نوع من المصالحة بين التيارات السياسية المختلفة؟.
أميل الى التفاؤل ولديّ بعض الأسباب لهذا التفاؤل .. من بينها ان الصدمات التي تعرض لها التيار الاسلامي في مواجهته العنيفة للأنظمة بالاضافة الى عدم قدرته على تحقيق النصر.. كل هذا جعل الجماهير الملتفة حوله تنسحب وتتراجع بالتدريج مما أوقعه في النهاية في حالة من التأزم ولا يملك إزاءها الا ان يراجع حساباته ويسير في طريق العمل السلمي.
* لكن، ألا يتعارض هذا الإحساس بالتفاؤل مع عنوان البحث نفسه حيث التأكيد على حالة «المتاهة»؟!.
المسألة في حقيقتها تتجاوز فكرة التفاؤل والتشاؤم، لأنني كباحث أحاول رص المراحل التي مر بها العالم العربي منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن. في هذه المراحل كان العقل العربي الجمعي خلالها يبحث عن مخرج لمشكلة التنمية بمختلف تفرعاتها، وكذلك مخرج لمشكلة الاستعمار والوجود الأجنبي في فلسطين. هذا البحث عن مخرج جعل العقل العربي مرحلة إثر مرحلة يجرّب من أجل الخروج من هذا المأزق على المستويين: السياسي والاجتماعي. وأزعم انه حتى الآن لم يتحقق له الخروج من تلك المتاهة.
إسلامية .. ليبرالية!
* إذا كان التيار الاسلامي يشكل ظاهرة اجتماعية وسياسية هامة في الربع الأخير من القرن الماضي، فهل ثمة فرصة لظهور تيارات اخرى موازية؟.
في الحقيقة، يسهل على المتابع للساحة السياسية في الوطن العربي ان يجد حاليا تيارين هامين، أولهما التيار الاسلامي كما أسلفنا والآخر يمكن ان نسميه بالتيار الليبرالي. هناك في الحقيقة فئة تتسع بالتدريج وتنمو وهي ما يمكن ان نسميها بفئة المثقفين الليبراليين، وهي فئة تنتمي الى عدة مصادر: قسم منها كان منتميا الى اليسار في الستينيات وآخر كان منتميا الى الاتجاه القومي في نفس الحقبة، وقسم ثالث ينتمي الى فترات لاحقة ويضم عناصر من أجيال مختلفة.
هذا التيار يتسع بشكل واضح في مختلف البلاد العربية، وهو مهموم بإنشاء أنظمة ديمقراطية تمارس دوراً فعالاً، وسيصل الى درجة منافسة حقيقية مع التيار الاسلامي.
* لكن البعض يتحفظ على ما تسميه بالتيار الليبرالي لأنه يضع علاقتنا مع الغرب في اشكاليات لا تنتهي؟.
نحن ننظر الى الفكر الديمقراطي عادة في إطاره العام، وهذا ما نشترك فيه مع أوروبا على سبيل المثال، ولكن في التفاصيل هناك اختلافات بلا شك، تتعلق بمستوى النمو في كل قطر من الأقطار العربية، فليس بالإمكان ان تنقل مواصفات خاصة بالانسان الفرنسي او الألماني الى الانسان في بلد آخر ليس له عهد بالديمقراطية وتطالبه ان يسير بنفس المواصفات .. !! كل مجتمع له مستوى خاص به من النمو.. مستوى من التطلعات.. مستوى من التراث أيضا .. وهذه المستويات يجب ان تراعى في عملية التدرج الديمقراطي.
الثقافة والمخاوف
* في ظل توازنات القوى على المستويين المحلي والخارجي، وصراع الأنا والآخر، تتجاوز المخاوف فكرة الديمقراطية والغرب الى مخاوف أعم تتعلق بالثقافة العربية في مطلع قرن جديد ونظام عالمي جديد .. ما تعليقك؟.
الثقافة العربية من الثقافات القليلة في العالم التي تتمتع بمتانة غير عادية، ولأضرب مثالين على ذلك .. أولاً قامت دولة اسرائيل منذ خمسين عاما ونشطت الصهيونية في اسرائيل وخارجها في حملات دعائية ضد العرب وضد الثقافة العربية ورغم ذلك استطاع العرب الفلسطينيون داخل الدولة العبرية ان يحتفظوا بثقافتهم العربية رغم مرور السنين ولم تُغْزَ ثقافتهم من الداخل.. المثال الآخر يتعلق بالمهاجرين العرب في اوروبا، وبعضهم أمضى ما يزيد على ثلاثة أجيال ومع ذلك ما زالوا يحتفظون بثقافتهم وتراثهم العربي . لذا لا أظن ان هناك خوفا على الثقافة العربية في ظل الصراع او الاندماج الثقافي العالمي.
* هل يعني هذا ان وسائل الاتصال الحديثة بوجه عام لن تؤثر بالسلب على هويتنا الثقافية، خاصة ان البعض يرى ان عدداً غير قليل من تلك الوسائل يفد الينا محملاً بفيروسات فكرية ضارة؟.
هذه مجرد وسائل .. وبإمكاننا ان نستغلها نحن استغلالا جيدا لنشر ثقافتنا في مناطق متعددة من العالم.. وان ننشر تراثنا وأدبنا بين دول اخرى، خصوصا الجانب المضيء من هذا التراث.. فهذه الوسائل ستفيد ثقافتنا لأننا بالأساس نملك ثقافة متينة قادرة على مواجهة التحديات .
أما الخوف من الفيروسات الفكرية فهو شأن خاص بمن يملك ثقافة ضعيفة او هجينة. وأحسب ان الثقافة العربية بما لها من عمر طويل تمتلك حصانة ذاتية وقدرة على المواجهة.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved