| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة، ، إن ديننا الحنيف دين ذوق رفيع وأدب عال، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة ولا شاردة ولا واردة إلا تحدث عنها ولم يترك صفة حميدة إلا وأرشدنا إليها وحثنا على العمل بها،
كثيراً أخي ما يجري بينك وبين صديق لك في العمل أو جارك أو قريب لك نقاش أو حوار حول موضوع ما، فالوسيلة تقوم على الحوار أو الكلمة، ، ذلك أن الكلمة رسالة وأمانة،
فالكلمة الطيبة هي سلاح المؤمن في أداء رسالته النبيلة وربما يكون النقاش أو الحوار في مضمونه حديثا أوله ممتع، وتكون المناقشة هادئة وهادفة تبغى الوصول إلى المعرفة والاطمئنان إلى الحقيقة والمناقشة هنا لا عيب فيها ولا ضرر منها، بل من واجب المرء أن يسأل ليعرف الحقيقة ويناقش ليفهم ويطمئن، ومن الواجب أحبتي ألا يخرج مفهوم الحوار عن جادته وصلبه وذلك من خلال: أولاً يجب احترام الطرف الآخر وعدم تسفيه المخالف في الرأي أو تجهيله أو التهكم عليه ويجب أن تمنحه حقه المشروع والمتوجب له من التقدير والتوقير، فلا بد من التأدب مع الخصم وحفظ اللسان عما يسوؤه من الألفاظ ويتجنب الاستهزاء أو السخرية منه وكل ما يشعر باحتقار المناظر وازدرائه لصاحبه أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم كالتبسم والضحك والغمز والهمز واللمز، والمحاور العاقل يحترم محاوره حتى ولو لم يكن راضيا عنه،
فلا بد يا أخي من تقدير مخلص للمحاور واظهار الاهتمام بالآخرين،
قال تعالى «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»
ثانياً: البعد من المرء ويقصد به الجدل الحاد الذي يدفع الغضب أو تنتقل المناقشة من هدوئها الرزين إلى ثورة البراكين وقد ورد في ذلك النصوص من الكتاب والسنة ما يأمر بالجدل وأخرى تنهى عنه فالجدال عموماً نوعان:
أ - جدال ممدوح وإليه تصرف نصوص الاباحة والجواز وهو ما كان لنصرة الحق وتبليغ الدعوة، قال تعالى «وجادلهم بالتي هي أحسن»،
بـ - جدال مذموم وعليه تحمل أدلة النهي والكراهية وهو ما كان بباطل وبغير علم ولنصرة الباطل والهوى، قال تعالى «وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق»،
فيا أخي تريد أن تحمل الآخرين على الاقناع برأيك بالقوة وتنقل من المعروف الهادئ إلى الجدل المرفوض فهذا المبدأ يباعد بينك وبين الأقرباء والأوفياء وينفر منك الأصدقاء،
وهذه الصفة مرفوضة ممقوتة فينبغي للمحاور أن يكون رفيقا وحليما وهينا ولينا يتسم بالصبر وعدم الغضب والانفعال، قال تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»،
ثالثاً: الانصات الكامل وحسن الاستماع للطرف الآخر فلا بد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع وكما أن الكلام فن وأدب فكذلك الاستماع مثله والمتحدث البارع مستمع بارع ولا بد من أن هناك اهتماما بكلام الطرف الثاني وما يدلي به فحسن الانصات إليه مفتاح لقلب الخصم ودليل الصدق في طلب الحق والحرص عليه فالناس تحب المستمع الجيد على المتكلم الجيد وليس الحوار حقاً لطرف دون الطرف الآخر يستأثر فيه بالكلام دون محاوره وفرق بين الحوار الذي فيه معنى للنقاش وتبادل الآراء والتجاوب في الكلام وبين الاستماع إلى كلمة أو محاضرة وفي الاستماع للطرف الآخر نوع من التواضع، ، وعدم مقاطعة الطرف الآخر هذا يحقق التدبر، والتدبر من الدبر وهو آخر الشيء فلا يكون إلا بسماع آخر الكلام فلا يحسن الاستعجال في قطع كلام المناقش قبل فهم كلامه ومقاطعة المحاور إلى ما فيها من سوء للأدب واحتقار الآخرين فإنها طريق سريع لتنفير الخصم وانفضاضه وتقليل قيمة فاعله وقد قال الشاعر:
وتراه يصغي للحديث بسمعه
وبقلبه ولعله أدرى به
فحسن الاستماع احترام للطرف الآخر واحترام حقه في التعبير عن وجهة نظره،
وكان ذلك من خلق النبي عليه الصلاة والسلام الانصاب وحسن الاستماع للمخالفين له وصبره على كلامهم مع أنه يظهر في بعضه الجهل والتعدي أو سوء الأدب وعدم التقدير ولكن أخلاق النبوة تحول بينه وبين أي تصرف آخر غير حسن الانصات والرد الجميل بعده وهذا ما نراه في قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تحفل بالكثير من الأسئلة والنماذج لحسن استماع الرسل لأقوامهم وانصاتهم للشبه والاعتراضات كما ورد في قصة سيدنا نوح عليه السلام،
قال تعالى«قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين»،
وأيضاً يجب أن نفهم أن أشد الناس جفافاً في الطبع وغلظة في القول لا يملك إلا أن يلين ازاء مستمع صبور عطوف،
فهد سعود النزهان
مدرسة معاوية بن أبي سفيان
|
|
|
|
|