| محليــات
كيف يُخرج الرئيس نفسَه من ثوب العروس؟، ويقف مجرداً أمام مرآة ذاته، ومكبرات ضميره، وشعوره؟!...
تُرى لو تخيّل أيُّ رئيس نفسَه واقفاً أمام محكمة الضمير...، تُرى ما الأسلحة، وشهادات البراءة، وصكوك الإثبات التي سيقدمها لضميره؟!...، وهل كلُّ رئيس استعدَّ أو يستعدُّ لمثل هذا الوقوف؟...
لعلَّ من أصعب المحاكمات تلك التي يواجه فيها المرءُ ضميره عندما يكون الضمير يقظاً في أكمل قوة اليقظة...، وفي أجلى مواقف المواجهة...، ذلك موقف الصدق...
لذلك فإنَّ الحقَّ مقصلةُ الغفلة...
وإنَّ الحقّ صدقُ الحقيقة، وإنَّ الحقيقةَ هي التي لا تُدلَّس، ولا تتزيَّا، ولا ترتدي ثوب العروس... إنها الأبيض... والأبلج...
فكيف يواجه الرئيسُ هذا البياض...؟!... وكيف يفتح عينيه أمام الانبلاج...؟؟...
وكيف يواجه الرئيس مقعده...
ذلك الشَّاهد.. النَّاطق... الصَّامت، على الحقيقة؟...
و... عندما يواجه الرئيس مقصلة الغفلة...
هل سيتذكَّر أنَّه أهمل مقعده...، وظنَّ أنَّ جلده الصقيل، ووثارته، وشموخه، ومرونة حركته من تحته، وارتفاع قامته به، لم تكن إلاَّ آليات الظهور، واستراتيجية الجلوس، وهو مجرد آلة... أو وسيلة يتمكَّن هو بها من الجلوس إلى مكتبه؟!...؟!...
وماذا سيقول المقعد فيما لو نبت له لسانٌ، وظهر له صوتٌ، وبدت له قدرةٌ على المجاهرة، والحديث؟!...
هل سيتذكر ويذكِّر صاحبه الرئيس بكم موقف قسا فيه على صاحب حق، وأخرجه من «موقعه» غاضباً، أو مكلوماً، أو مكتوماً، أو مصاباً بخيبة أمل، أو حزينا، أو ساخطاً؟!... وبكم موقف جامل فيه من لا يستحق، وربَّت على كتفيه، وألبسه من حلل الثَّناء، والعطاء، ما أتخمه، فخرج من عنده، يتخبَّط داخل كرة بلُّونية، دسَّه فيها، وتركها تلعب به في الهواء؟!
مساحات الحزن كيف هي تلك التي فرشها أمام الآخرين؟!...
وفرص الفرح كيف هي تلك التي أهداها جزافاً لسواهم؟!...
وكم أفضى إلى غير الثقات، وكم مكَّن من لا قدرة لهم؟! ولا أمانة يتحلّون بها؟
هل سينطق المقعد بلسان أبلج، ونُطْق أبلغ كي يصف له وجوه بطانته، تلك التي ترتسم فوق محيَّاها نواياها، يراها المقعد بينما الرئيس يومئ برأسه إلى الورق، يوقِّع هنا، ويعلِّق هناك، ويُذيِّل بما يملي عليه أحدهم؟!...
وعندما ينطق بذلك كيف يواجه الرئيس تلك الوجوه؟ وما الذي سوف يتخذه من قرار تجاه ذاته قبل أن يتخذ في حق سواها؟...
متى يقف الرئيس في حجرة «الملابس» ويبدِّل ثيابه؟!...
ومتى يتذكَّر أوَّل عهد له بالمقعد؟!... كيف اعتلاه؟ وكيف تمكَّن منه؟ وكيف فعل طيلة زمن بقائه فوقه؟ وكيف ترك من أثر بعد مغادرته؟!... وبالشكل الأكثر مواجهة ومكاشفة، ومصارحة... ماذا ترك الرئيس فوق مقعد الرئيس؟... أو ماذا يفعلُ؟ .. وماذا سيتركُ؟!
اسماً عطراً، وموقفاً محموداً، ونتيجة مثمرة؟!
أم اسماً لا يكاد يذكر حتى تنهال الألسنة في قدحه لا في مدحه، وفي الدعاء عليه لا في الدعاء له...
وموقفاً لا يكاد يعبُر بذاكرة أي ممَّن مرَّت بهم المواقف معه، إلا يسخط على أي سبب جمعه به، أو رمى بين يديه مصلحةً له،...
ونتيجة لا يكاد يسعى المرء لثمرتها إلا يجدها قد عطبت، ونفذت رائحتها... فيصاب المرء بذهول، ومكابرة، و...
هذا المقعد ذو عيون...
كلُّ عين ذات منافذ لنوافذ...
وكلُّ عين ذات رؤى لانعكاسات...
وهو ذو آذان...
كلُّ أُذُن ذات حجرات تستقطب... وتختزن... لما يُقال...، ولما يُنقل... ولما يكون...!
وكلُّ.. أذنٍ ذات مستودع... لا ينسى ولا يخلط...، لا يمتلك..، ولا يفرِّط...
وكلُّ ما يأتي إلى حجرة الرئيس، ويتمُّ فيها، أو يخرج عنها... هي آذان وعيون ومراكز استقطاب...، ومنافذ تعبير...
فإما إلى السعادة المزدحمة في النفوس...، وإما إلى ما تأتي به نزعات بعضهم...
فإن كنتَ رئيساً فاعرض نفسك أمام مرآةٍ مكوَّنة من حروف هذا المقال...
وابحث فيك عنك، وفي المقعد عمَّا كان منك...
تجد نفسك...
فإما إلى مساحات البياض التي تنأى علواً عن موقع مقعد الرئيس...
وإما إلى مساحات تشرع فسحةَ النَّفس فيها...
فإلى أي المساحات... كي تنبسط همهمة المقاعد...، وتأتي صور المريدين، ويعرفُ الرئيس نفسه... قبل أن يحاول رؤيتها في ثوب العروس.
|
|
|
|
|