| أفاق اسلامية
من خصائص هذه الشريعة المطهرة شمولها وكمالها لجميع أمور وشؤون الحياة.
فقد استغرقت كل ما يتعلق بالمسلم والمسلمة وأحوالهما وما يصلح شؤونهما حالا ومالا.
لقد جاء الحث من الشارع سبحانه وتعالى على النكاح والترغيب في الزواج لما يتضمنه من المصالح العامة والخاصة على الفرد والمجتمع والأمة جمعاء.
فكان هذا الأمر هديا للأنبياء والمرسلين وسمة من سمات عبادالله المتقين.
لذا لم يكن غريبا ان يتناول الفقه الاسلامي دقائق هذا الأمر بأركانه وشروطه وسننه وآدابه وشتى ما يتعلق بتحقيقه ونيل المقاصد منه وذلك حفظا للأعراض وصيانة للحرمات ورعاية لمصالح الزوجين.
إن أي حديث عن الزواج وتحقيقه لابد وان يتصدره عقد النكاح والزواج فهو بوابته الشرعية ومدخله الرئيس.
وتناولت كتب الفقه في أبواب النكاح هذا الجانب تفصيلا.
والقضاء السعودي ولكونه ولله الحمد يستمد قوته ونجاحه من شرعيته فهو يمثل بحمد الله أنموذجا أمثل في التعامل مع الأمور الزوجية وتحقيقها للغايات المرجوة منها.
والحديث عن النكاح لابد وأن يتناول مأذوني عقود الأنكحة الذي لهم دورهم الرئيس المشهود في عقد الزواج الشرعي المبني على الزوجين والايجاب والقبول وعن طريق العاقد أو المأذون حسبما تعارف الناس عليه لتتحقق شروط النكاح والمتمثلة في تعيين الزوجين والتحقق من رضاهما والاستماع الى الولي وموافقته وحضور الشاهدين.
هذا وقد نصت المادة 69 من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي وكذلك المادة 78 التي نصت كل منهما على الإذن للقاضي ورئيس المحكمة باعطاء إذناً لعقود الأنكحة لمن يرون أهليته الشرعية.
إلا ان من الملاحظ وقوع كثير من التباين في تعامل المأذونين في العقود وذلك من خلال الجوانب التالية والتي آمل ان تحظى برعاية واهتمام من قبل معالي الدكتور الشيخ عبدالله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ وزير العدل وفقه الله الذي استطاع من خلال خطواته الناجحة ان يقفز بالوزارة وتنظيماتها وان يحدث مزيدا من التطور والحيوية على مناشط الوزارة ومسؤولياتها مقرونا بحكمة وأناة وحسن خلق وتعامل يحظى بتقدير الجميع.
إلا أن الأمل يراود الكثيرين وخصوصا بعد صدور نظام المرافعات الشرعية وقرب العمل بتطبيقه والترقب لنظام المحاماة حيث يصدر قريبا.
أن يكون هناك تنظيم لمأذوني عقود الأنكحة مراعيا الأمور التالية:
أولا: أن تكون هناك معايير منضبطة لمن يعطون إذناً بعقود الأنكحة من حيث أهليتهم الشرعية وتخصصهم وجدوى تحقق منفعتهم.
حيث ان من الملاحظ ان هناك عددا من المأذونين ممن لا يحملون أي خلفية شرعية أو حتى دراسية ومع ذلك يتولون هذا الأمر المهم مع ما يتعلق به من جوانب ينبغي ان تكون في متناول طلبة العلم أو أئمة الجوامع وغيرهم.
كما ان اعطاء مأذوني الأنكحة أصبح مجرد مظهرية عند البعض ولم نلمس أي نفع أو أثر لهم فقد أخذ هذا الإذن مجردا ولا يعلم به أحد إلا من خواصه ان من المنتظر ان تقوم الوزارة باصدار دليل يتضمن أسماء وعناوين مأذوني عقود الأنكحة ليكون في متناول الناس أو على الأقل أهل الاختصاص من المأذونين وقبلهم رئاسات المحاكم والقضاة.
ثانيا: ان يتم تزويد كل ما يحمل ترخيصا بالإذن بجميع التعليمات والتعاميم الصادرة فيما يتعلق بالنكاح والمأذونية حيث ان من الملاحظ غياب كثير منهم عن أي تعميم أو توجيه في اختصاصه.
وأرى ان يتم انشاء ادارة أو وحدة في الوزارة تتولى هذا الشأن على أن ينشأ في كل رئاسة محاكم أقسام لهذه الادارة العامة.
كما أرى ان يتم عقد اجتماعات دورية مع المأذونين ليتم الاستماع الى بعض اشكالاتهم وعوائقهم وهمومهم.
ثالثا: من أعظم الاشكالات ما يتعرض له مأذون عقود الأنكحة من أخذهم مبالغ عند عقدهم للزيجات.
وفي التعميم الصادر برقم 8/ت/90 في 18/7/1421ه والمتضمن ان أغلبية من مأذوني عقود الأنكحة لم يلتزموا بما أعلنوه عند التقدم للحصول على التصريح بأنهم سيقومون بذلك العمل احتسابا للأجر من الله ولكنهم لجأوا الى أخذ مبالغ من المال وأنه لمس ذلك من خلال تذمر بعض المواطنين.
وقد تضمن التعميم التأكيد على عدم أخذ مبالغ من الناس مقابل اجراء عقد النكاح.
وأحب ان أتناول عددا من النقاط هنا:
أ- ان المأذون قد تحمل مسؤولية في هذا العقد عليه أن يلتزم بها ويتحمل عواقبها تتمثل في التحقق من الأزواج وتدوين ما يتعلق بهم وكتابة عقودهم ومراجعة الدوائر الشرعية في ذلك واستلام العقود وضبطها.
ب- ان المأذون قد ترك اعمالا له وتفرغ لقضاء حاجة هذا الشخص الذي هو مستعد لدفع أي مبلغ في تلك الساعة حتى تقضى حاجته ويتم العقد له أو لموليته.
أما ما يتعلق من تذمر بعض المواطنين فهذا محل نظر فالمبالغ المستحصل عليها من قبل بعض المأذونين والتي تعارف الناس على دفعها معلومة ومتواضعة ولا تستحق التذمر حسب رأيي.
لقد تناول بعض المأذونين عددا من الفتاوى الشرعية التي تجيز لهم أخذ بعض المبالغ من المعقود لهم لكن من غير اشتراط وان ما يعطون إياه لا بأس بأخذهم له.
والبعض الآخر تحرج في تلك المبالغ علما ان ذلك العقد استهلك واقتطع جزءا من وقته وجهده والتزاماته الشخصية وتحمل أثرها مسؤولية.
ومن هنا ان البعض يتقدم لأخذ المأذونية ويقول انها لأقاربي ولمن تربطني بهم صلة ومن هنا فليس عليه ملامة إذا امتنع أو اعتذر عمن سواهم فما على المحسنين من سبيل.
إذن فلماذا لا تفكر الوزارة جديا بقطع هذا الجدل الدائر حول تلك المبالغ المعطاة للمأذونين مع ان تلك الاشتراطات في عدم أخذ المبالغ تتفاوت بين منطقة وأخرى؟
وأطرح في هذا الرأي عدة خيارات:
الأول: ان يتم اعطاء مكافآت من قبل الوزارة لهؤلاء المأذونين على غرار مكافآت أئمة المساجد وبذلك يتم الزام الجميع بالعقد للناس في أي وقت وعدم أخذهم أي مبالغ.
ثانيا: أو أن يتم تقدير سعر رمزي لهذه الوثيقة المتضمنة العقد بحيث يتسلم المأذون القيمة الرمزية لهذه الوثيقة وتكون حقا له. وبذلك لا تتحمل الوزارة أي تبعات مالية إثر ذلك.
ثالثا: أن يتم عدم الاعتراض على المبالغ التي قد تصل الى المأذون من جراء عقده لأحد لأن ذلك من باب المكافأة والتقدير من قبل المعقود لهم شريطة أن تكون المبالغ غير مبالغ فيها وغير مشروطة.
وان كنت حقيقة لا أحبذ مثل هذا لأنه أمر غير منضبط.
إنني أرى أن تقوقع البعض وتحجيرهم للعقود نتيجة مشاغلهم أو أنهم من المحتسبين لا يوقع عليهم ملامة وان كنا نطالبهم بالاحتساب والأجر لكننا في ذات الوقت نحتاج الى الآلاف من المأذونين المحتسبين في مدينة الرياض وحدها!! فما بالكم بمناطق المملكة.
وختاما: فإنني أرجو أن تقوم الوزارة بدراسة لهذا الموضوع وان تتم معالجته بجدية مع التفكير بامكانية زيادة بعض المسؤوليات على المأذونين مقابل المكافأة التي يحصل عليها أو المبلغ الرمزي الذي يمنحونه إياه ويمكن تفعيل دورهم عبر تشجيعهم على المبادرة في التوفيق بين الأزواج وتعريف ودلالة بعض الأسر ببعضها وخصوصا في الأحياء والاصلاح بين الزوجين وغير ذلك.
|
|
|
|
|