أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 27th April,2001 العدد:10438الطبعةالاولـي الجمعة 3 ,صفر 1422

أفاق اسلامية

من فتاوى الفضائيات:
هشاشة المضمون وشرارة الخلافات وتتبع الرخص
* تحقيق عبدالله بن ظافر الاسمري
كان صوت الموسيقى الغربية )الديسكو( يملأ جنبات المكان بالضجيج، ترجل احد الغيورين من سيارته لينكر على هذين الرجلين فعلهما، أجاباه بثقة، لا تنكر علينا!! فالموسيقى حلال، اصيب الرجل بالدهشة، فبادراه قائلين: نعم فقد قال الشيخ )فلان( ذلك عبر القناة الفضائية )الفلانية( على الهواء مباشرة حاول الرجل اقناعهما ولكنهما ردا عليه بحجة هل انت أعلم من الشيخ ولو كان ما لديه من علم لما تصدى للفتيا على الهواء مباشرة؟!!
هذه آفة ومصيبة ابتلي بها كثير من المسلمين فهم يعلمون ان هذا الامر او ذاك حكمه كذا وكذا، ولكن لهوى في نفوسهم او لشهوة سيطرت عليهم قام احدهم مجادلا عن فعله، وهو يدرك قطعا في قرارة نفسه، ان الصواب خلاف ما يفعل وما يقول، ولكن بحجة دامغة ـ حسب زعمه ـ ان الشيخ فلان قال: كذا وأفتى بكذا، معرضا عن الدليل الصحيح والفتاوى الواضحة لعلماء موثوقين.
ولأن هذه المصيبة التي عمَّت وطمَّت من نوع خاص، ابتلي بها الاعلام الفضائي في عديد من برامجه التي يدعي أصحابها انها ذات منهج قويم، لمزيد من تفاصيل جوانب الموضوع هلم الى جوانبه واطرافه.
الحاجة الملحة
يبدأ في ايضاح الموضوع فضيلة رئيس كتابة العدل الاولى بالاحساء الشيخ علي بن ابراهيم المحيش حيث يقول: ان موضوع الفتوى من الموضوعات المهمة التي ينبغي على الدعاة وطلبة العلم الالمام بها، ومعرفة حدودها وضوابطها، لانها بيان احكام الله تعالى، وتطبيقها على افعال الناس. قال الله تعالى: )فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(، والمقصود بأهل الذكر العلماء في الامة، فهي قول على الله تعالى، لأنه يقول للمستفتي: حق عليك أن تفعل، او حرام عليك ان تفعل، ولأن المفتي هو الموقع عن رب العالمين قال الله تعالى: )ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن(، وقال: )يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة(.
وان النبي صلى الله عليه وسلم كان يتولى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وقد كلفه الله تعالى بذلك حيث قال: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون(. فالمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في اداء وظيفة البيان، وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه الكرام، ثم اهل العلم بعدهم قال تعالى: )وإذ أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلا فبئس ما يشترون(.
ثم ان الله سبحانه مدح الحكمة والعلم في الدين قال تعالى: )يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب(، قال مجاهد -رحمه الله-: )الحكمة: العلم والفقه والقرآن(، وقال الامام مالك رحمه الله: وقع في قلبي أنه الفقه في الدين. ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: )لا حسد الا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها(، ويدل عليه ايضا قوله صلى الله عليه وسلم: )من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين(، الخير كل الخير في الفقه في الدين ومن أوتي الفقه فحري به ان يعرف كتاب الله عز وجل، وان يعرف سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فيفتي بها ويعلمها. ولهذا ذم الله الذين لا يفقهون ولا يعلمون، ويكتمون العلم قال تعالى في ذم المنافقين: )فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا(، وقال سبحانه وتعالى منبها المؤمنين: )قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون(، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: )من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة(.قال الامام ابن القيم: «واذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من اعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الارض والسموات»، ذلك إن الساحة الاسلامية على وجه العموم والعمل الاسلامي على وجه الخصوص قد جدت فيه امور غير معروفة، واحوال غير مألوفة، قد تضطر المسلم الى الوقوع فيما اصله المنع، ومنع ما اصله الحل، وقد بلغت هذه الاحوال من الكثرة حتى اصبح المسلم يواجهها في عدة صور وربما في كل يوم.
فعليه، فالناس في حاجة الى اهل الفتوى للقيام بواجبهم في بيان احكام الله تعالى للناس في عبادتهم ومعاملاتهم، وبذل العلم فيهم، ورفع الجهل عنهم، فلا يتصور وجود مجتمع سليم لا يوجدفيه علماء، ولهذا ذهب جمع من اهل العلم الى حرمة السكن في مكان لا يوجد فيه مفت وأوجبوا الرحيل الى حيث من يفتيه في احكام الدين وما ينزل عليه من النوازل.
أدب يقترن بالحكمة
ويواصل فضيلة الشيخ المحيش حديثه عن اهمية الموضوع وخاصة لمن يريد الاستفتاء، فنبه الى صفات وآداب يجب على طالب الفتوى مراعاتها فيقول فضيلته: يجب على طالب الفتوى مراعاة أمور منها:
1 - أن يعلم تمام العلم ان من لوازم التوحيد، ومقتضيات الشهادتين: الانقياد المطلق والاستسلام التام لله رب العالمين، والشريعة التي أنزلها على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم(، فلا يعارض امر الله وامر رسوله بعقل او قياس، او هوى، او عواطف، او غير ذلك، بل يحذر كل الحذر من مخالفة امره قال الله تعالى: )فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم(. فاذا بين له المفتي الحكم الشرعي وجب عليه الانقياد والاتباع.
2 - ان من نزلت به حادثة، يجب عليه علم حكمها، فإن لم يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل الى من يفتيه، وان بعدت داره، وقد رحل خلائق من السلف في المسألة الواحدة الليالي والايام.
3 يجب على المستفتي ان وقعت له حادثة ان يسأل متصفا بالعلم والعدالة، قال النووي: يسأل المستفتي من عرف علمه وعدالته، وقد صح عن الامام ابن سيرين انه قال: )إن هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك(.
4 إن وجد المستفتي أكثر من عالم، وكلهم عدل وأهل للفتيا، فقد ذهب جمهور الفقهاء الى ان المستفتي بالخيار بينهم يسأل منهم من يشاء ويعمل بقوله، لعموم قول الله تعالى: )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(.
5 إن سأل المستفتي اكثر من مفت، فاتفقت اجوبتهم، فعليه العمل بذلك ان اطمأن الى فتواهم، وإن اختلفوا، فللفقهاء في ذلك طريقان: فذهب جمهور الفقهاء: الحنفية، والمالكية، وبعض الحنابلة، وابن سريج والسمعاني والغزالي من الشافعية الى ان العامي ليس مخيرا بين اقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، ثم ذهب الاكثرون منهم الى الترجيح يكون باعتقاد المستفتي في الذين أفتوه أيهم اعلم، فيأخذ بقوله، ويترك قول من عداه.
6 ينبغي للمستفتي حفظ الادب مع المفتي وأن يجله ويعظمه لعلمه ولأنه مرشد له، ولما ينبغي أن يسأله عند هم او ضجر او نحو، ذلك مما يشغل القلب، ولا ان يسأل على سبيل التعنت والافحام وطلب الغلبة في الخصام، لما في الحديث الصحيح: )إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم(.
7 ومن أدب المستفتي ان لم يطمئن قلبه الى الفتيا لعلمه بجهل المفتي، أو بمحاباته له في فتواه، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، أو غير ذلك من الاسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها: فعليه أن يبحث عمن يطمئن لفتواه قال ابن القيم: المستفتي لا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الامر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك، لحديث: )من قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها(.
هدم وتفريق
وعن حقيقة هذه الفتاوى الفضائية وما وراءها من معضلات تحدث ل )الرسالة( فضيلة مدير ادارة التوعية والتوجيه بفرع الرئاسة بتبوك الشيخ عبدالرحمن القشيري قائلا: )كم كانت الآمال والطموحات معقودة على ان تقوم قنواتنا العربية الفضائية بتقديم البديل الذي يواجه الهجمة الشرسة التي تشنها القنوات الفضائية الاجنبية على المنطقة العربية التي تستقبل اكثر من 200 قناة غربية وشرقية، وكان المأمول ان تنقلنا الفضائيات العربية من مرحلة التلقي السلبي الى مرحلة الارسال الواعي وأن تصبح منارة علم وهدى لشعوب العالم، وكان المسلمون يأملون منها ان تجمعهم حول اسلامهم ودينهم.
لقد كان واجبا على القنوات الفضائية العربية ان تحمل على عاتقها مهمة توصيل دين الله تعالى في صورته الصحيحة وتواجه الاعلام الصهيوني والغربي المتحامل وتصحح صورة المسلمين عالميا وترد على الافتراءات الكاذبة التي تلصق بالاسلام واهله.كانت التوقعات ان تكون هذه الفضائيات العربية صوتا قويا يصل الى ابناء الاسلام في مشارق الارض ومغاربها، فهل حققت الفضائيات العربية الآمال التي انعقدت عليها يا ترى؟في الحقيقة ان المسلم يصاب بالاحباط والحسرة حين يقارن بين قنواتنا العربية وبين الرسالة المطلوبة منها.
دلائل وعلامات
بعد ذلك يطرح فضيلة الشيخ القشيري دلائل وعلامات على مفارقات واضحة عبر هذه البرامج الافتائية في القنوات الفضائية، حيث تطرق فضيلته الى مكامن الخلل ونقاط الضعف موضحا ذلك بقوله: وسأتناول قضية واحدة وصورة مصغرة لواقع قنواتنا العربية الفضائية، هذه القضية هي: )فتاوى الفضائيات( لادلل على مصداقية ما ذكرت فأقول:
أولا: ضعف كثير من الاشخاص المنتقين للافتاء في هذه الفضائيات وقلة علمهم وتساهلهم:
فالعلماء رحمهم الله قد بينوا شروط الافتاء والصفات التي تشترط في المفتي وهي إجمالاً: ان يكون بالغا عالما باللغة العربية وان يكون على علم بالقرآن والناسخ والمنسوخ، وان يكون على علم بالسنة النبوية والفقه وأصوله، وان يكون عدلاً وعارفاً بواقعه الذي يعيشه، وان تكون عنده الكفاية الضرورية من سبل العيش.
واذا تأملت في حال بعض المفتين الذي يفتون في بعض القنوات الفضائية فإنك تلاحظ افتقارهم الى كثير من الشروط اللازمة لا اقول كلها ولكن بعضها، فهذا المفتي غير عالم باللغة وذاك جاهل بأصول الفقه، وثالث مخروم العدالة ورابع جاهل بواقعه ويكفي فيمن فقد هذه الشروط او بعضها عدم صلاحيته للفتيا قال الامام الشافعي رحمه الله: لا يحل لاحد ان يفتي في دين الله الا رجلا عارفا بكتاب الله بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وتأويله وترتيله ومكيه ومدنيه وما اريد به، ويكون بعد ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناسخ والمنسوخ ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن ويكون بصيراً باللغة.. الى ان قال: فإن كان هكذا فله ان يفتي في الحل والحرام واذا لم يكن هكذا فليس له ان يفتي ا. ه.
كما أنه من الملاحظ على هؤلاء المفتين قلة علمهم وتساهل فيما يفتون به فتجدهم يتصدون لمسائل عظيمة لا يفتي فيها إلا جمع من علماء المسلمين الافذاذ الكرام، قال ابن عباس رضي الله عنه: )إن كل من افتى الناس فيما يسألون عنه لمجنون(، وقال سحنون بن سعيد: )أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد في العلم يظن ان الحق كله فيه(، وقال ابن القيم: رحمه الله )الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم(. اضف الى ذلك ان بعضا من مفتي القنوات الفضائية يعتمدون في فتواهم على الرأي الذي يخالف السنة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: )اتقوا الرأي في دينكم(، وقال علي رضي الله عنه: )لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه(.كما تجد بعض هؤلاء المفتين متهاونين ومقصرين في بعض ما فرضه الله عليهم متعدين لما نهاهم الله عنه، فهذا مقصر او حالق اللحية، وذاك مسبل لإزاره وآخر يفتي بالتحليل في مسائل معلوم حرمتها بالقرآن والسنة كالغناء والربا وسفر المرأة دون محرم بحجة الضرورة تبيح المحظورات او ان الواقع يفرض ذلك، او سدا للذرائع ومنعا للفتنة، ومما يلاحظ على بعض المفتين في هذه القنوات ضعف جانب العقيدة مثل قضية الولاء والبراء كقول احدهم: )إخواننا المسيحيين(، وكذلك ظهوره في بعض برامج النقاش وهو جالس بين النساء المتبرجات، أضف الى ذلك قيام بعضهم بإصدار فتاواهم بناء على الرأي لا الدليل الشرعي، ناهيك عما يتخلل برنامج الفتوى من موسيقى في اوله ونهايته وتخلل البرامج الدعائية له.
شبهة المقصد ونذير سوء
اما عن ظاهر اهداف وعلامات هذه الفتاوى المضللة فيواصل الشيخ القشيري حديثه موضحا الهوة المراد حفرها لمن يهتم ويعتمد على هذه الفتاوى قائلا: اذا تأملت في بعض الفتاوى التي تعرض على شاشات القنوات الفضائية تجد ان الهدف منها أمور منها:
1 زرع الفرقة والخلاف في صفوف الامة الاسلامية.
2 نزع الثقة من علماء الاسلام الربانيين والعلماء العاملين والالتفاف على متعالمين مضلين.
3 إظهار هذا الدين بمظهر الضعف والاختلاف.
4 حث الجهلة والسذج على تجاوز اوامر الشرع ونواهيه.
5 إظهار علماء الاسلام مظهر المتعالم الجاهل.
6 التهوين من شأن الفتوى والتقليل من عظمها، فإن الفتوى ذات خطر وشأن عظيم.كيف لا يحدث ذلك وهي تهدف الى جعل مسائل الدين وأمور الحلال والحرام اموراً قابلة للنقاش والاخذ والرد من قبل من لا علم لهم..ومعظم هذه الفتاوى الفضائية نذير شر وشؤم ودليل على رفع وقبض العلم ففي الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا(.
ثانيا: غموض الاسئلة وهشاشة الاجابة وتتبع الرخص:
عند مشاهدتك لبرامج الفتاوى الفضائية تلاحظ ان الاسئلة التي تطرح على المفتي يعتريها الغموض، بل ان بعضهم يتعمد طرح اسئلة ذكية ليس الهدف منها معرفة الحكم وإنما ايقاع المفتي في حرج امام مشاهديه، ومما يلاحظ على الاسئلة ركاكة عباراتها وافتقارها الى الايضاح وقد يكون مراد السائل شيئا معينا والفتوى تخص شيئا آخر وذلك بناء على فهم المفتي الخاطىء للسؤال، ومن الملاحظات على بعض المستفتين أنهم يسألون عن اشياء افتراضية لم تحدث اصلا، اضف الى ذلك تلمسهم للرخص والبحث عنها، فتجد المستفتي لم يترك عالما إلا وقد استفتاه في مسألة ما باحثا عن الرخص متتبعا لها مغيرا لأسلوب فتواه في كل مرة يستفتي فيها حتى يحصل على الرخصة والحل بعد الحرمة، وهذا ليس من ادب الاستفتاء وصاحب هذا الفعل يستحق التعزير والتأديب فقد كتب الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم مفتي الديار السعودية الى احد المواطنين كتابا ذكر له ان يستحق عقوبة بالغة في حبس وجلد وتوبيخ، وذلك لقيامه بالذهاب الى احد المفتين واستفتائه بطريقة اخرى في مسألة طلاق بعد ان افتاه قاضي بلدته.. )فتاوى ورسائل الشيخ( )كتاب الطلاق( ص 30 مجلد 11.
جدية الموقف وأهمية الحزم
ويتطرق الشيخ القشيري الى نقطة هامة عن موقف المسلم من مثل هذه الامور فقال ونقطة مهمة ثالثة ألا وهي: موقف المسلم من الفضائيات عموما وهذه الفتاوى خصوصا:لاشك ان هذه القنوات شر مستطير لم ينج منه إلا من عصمه الله تعالى وهي فتنة عمياء وداهية دهياء طالت منازل الكثير من المسلمين، فأمطرت عليهم الفساد والانحراف وتلقفوا افكار الغرب ومعتقداتهم وانه من الواجب على كل مسلم ان يحمي دينه وعرضه من شر هذه القنوات الفضائية وافكارها الهابطة وذلك بتربية ابنائه التربية الصحيحة على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وليعلم علم اليقين انه موقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة ومسؤول عما استرعاه الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته(، كما انه من الواجب على كل مسلم يؤمن بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ان يقي نفسه واهله شر هذه الفضائيات فلا يدخل وسائلها بيته، فكم من أسر تهدم كيانها وقل حياؤها بعد ان اقتحمت هذه القنوات بيوتها فالله المستعان وهذا هو الغزو الفكري الذي اطل بوجهه الكالح القبيح على امة الاسلام ولا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين إلا وقد اجتاحته.كما انه من الواجب الرجوع الى علماء الاسلام المعروفين بالصلاح والتقوى وسلامة المعتقد والحذر من المفتين بغير علم.
الحلول والاقتراحات
وفي نهاية حديثه يستعرض الشيخ المحيش بعض الحلول والمقترحات لايجاد مخرج نجاة من شرك وفخ اللبس الى شاطىء نجاة لطالب الحق وسائل الفقه فيقول فضيلته:
1 إنشاء محطة بث اسلامية تشترك فيها جميع الدول الاسلامية، وتبث بمختلف لغات الشعوب الاسلامية، وتلتقط في اي بقعة من الارض، وتعمل على مدى الساعة، تنبثق من رابطة العالم الاسلامي، ويتولى الاشراف على الفتاوى فيها المجمع الفقهي الاسلامي، ويكون لها موقع مقترح في الحاسب الآلي.
2 الاكثار من المنتديات التي تهتم بعرض اللقاءات العلمية للعلماء المعروفين بسلامة المنهج سواء المسجل منها، او عن طريق البث المباشر.
3 انشاء مكتبة سمعية وبصرية، عبر جهاز الحاسب الآلي- عن طريق موقع على الانترنت- يبث فيها المحاضرات الاسلامية، والفتاوى العلمية.
4 العمل على ايجاد موقع لهيئة كبار العلماء في هذه البلاد يستقبل الاستفتاءات على مدار الساعة ويرد عليها بمختلف لغات الشعوب الاسلامية.
5 إنشاء مجلس علمي يضم بعض العلماء باشراف المجمع الفقهي لمتابعة الفتاوى المخالفة للكتاب والسنة والرد عليها أولاً بأول.
6 التشهير والبيان لمن يتكلم في الامور الشرعية بغير سلطان.
دقة المعايير وميزات النقد
ولبيان المعايير وفاصل الحد بين جدية هذه البرامج وغربتها يتحدث فضيلة الاستاذ الدكتور مساعد بن عبدالله اليحيا الاستاذ في قسم الاعلام بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية حيث يقول: المعايير التي يمكن من خلالها الحكم على مصداقية الآراء الفقهية التي تبث عبر عدد كبير من المحطات الفضائية والاذاعية هي نفسها المعايير التي ينبغي ان يحتكم اليها الفرد عند حضوره واستماعه لهذه الآراء في مجالس العلم او قراءته لكتب طلابه، وبالتالي فليس ثمة فرق بين المعايير التي نحكم من خلالها بأن هذا الرأي صحيح او خطأ سواء كان المتحدث بيننا او عبر الشاشة والمايكروفون، غير ان هذا يقودني الى الحديث عن ان هذه المعايير كثيرا ما يفتقدها العامة وربما بعض المتعلمين اذ تنجح وسائل الاتصال بإمكاناتها وبعض الامكانات والمهارات الذاتية للمتحدث في كسب ثقة الناس به ولو لم يكن اهلا لذلك لا سيما عندما يكون اكثر ميلا للتساهل دون دليل شرعي يقود الى ذلك، ومن هنا فان من المهم في تقديري قبل ان نتحدث عن الكيفية المثلى التي نصنع بها هذه المعايير ان نتساءل هل استطعنا عبر وسائلنا الاعلامية ان نستجيب لكل احتياجات الافراد لدينا فيما يتعلق بالجوانب الفقهية والعقدية والاجتماعية.. لنملأ الساحة ببرامج قوية ومباشرة يتطلع الناس اليها لما يحظى به علماء هذه البلاد من موثوقية ومصداقية ومرجعية.
ان وجود هذا النوع من البرامج وانتشاره وتناميه يعكس في حقيقة الأمر وفقا للنظرية الاعلامية الاستخدام والاشباع وجود حاجة كبيرة لدى جمهور تلك القنوات والمحطات لهذا النوع من البرامج وازدياد استخدامها لديهم اذ ذلك من افضل وابرز ما ينبغي ان تقوم به هذه الوسائل من خدمات تستجيب وتتفاعل مع الاحتياجات الحقيقية للجمهور.
واحسب ان وجود هذا النوع من البرامج برغم ما يكتنف بعضها من ملحوظات وبرغم ما يثيره البعض ازاءها من تخوف اسهمت كثيرا في حل العديد من المشكلات لدى الناس وتصحيح عباداتهم ومعاملاتهم سواء للسائلين ام لغيرهم الذين يستفيدون من ذلك كثيرا، كما انها قدمت خدمات جليلة لكثير من البيئات الجغرافية التي لا يوجد او يقل فيها العلماء وطلاب العلم، او التي يتطلع فيها العديد من المسلمين الى علماء ذوي موثوقية اكثر بما يتسمون به من صفاء في العقيدة واستقامة على الدين، كما انها ساعدت هؤلاء كثيرا على التواصل مع قضايا المسلمين ومشكلاتهم، وكم هي سعادة المسلمين في كثير من الدول الغربية وغيرها الذين تطلبت ظروفهم المعيشية السفر وترك مجتمعاتهم الاسلامية بهذه البرامج لاسيما وانهم ليسوا ممن ادرك حظا جيدا من العلم الشرعي الضروري، ولهذا فان هؤلاء يبقون في امس الحاجة لمثل هذه البرامج التوجيهية، رغبة في المحافظة على هويتهم الاسلامية وحرصا على محافظتهم على دينهم وليبقى ابناؤهم من بعدهم على صلة بهذا الدين حاملين للوائه، يضاف الى هذا ان كثيرا من اولئك المسلمين يفتقدون على نحو عام المرجعية العلمية الموثوقة لياخذوا عنهم الفتوى على الرغم من اهمية ذلك وحرصهم عليه، ولذا فقد كان من الطبيعي ان يترتب على هذا بروز من ليس مؤهلا لذلك لقلة علمه وفقه، فما احوج المسلمين هناك الى هذه البرامج لسد هذا النقص.
الاهتمام وسد الفراغ يزيل المشكلة
ويستطرد الدكتور المحيا مبينا بعض الجوانب المهمة قائلا: إن حجم المشاهدة الواسع الذي اصبحت تحظى به القنوات التلفزيونية الفضائية وبعض المحطات الاذاعية وخاصة ال FM واذاعات القرآن الكريم يجعل من الحري بكثير من طلاب العلم ان يسعوا الى ازالة العديد من الحواجز التي تحول دون مشاركتهم في هذه الميادين والافادة منها اذ ثمة فرق بين درس يبذل فيه العالم وقته وجهده ولكن لا يفيد منه سوى 50 فردا او اقل وبين برنامج يتعرض له اكثر من مليون فرد داخل المملكة وخارجها، ولعل هذا يقدونا الى اهمية اعادة النظر في الجدوى العلمية للدروس وما تحظى به بمشاركة كل علمائنا.ان مزيدا من الاهتمام بهذه البرامج لدينا سيسهم في تقديري بفعالية في تكوين صورة ذهنية للآخرين يكون مصدرها الشخصيات العلمية التي نعمل على ابرازها، في حين ان عدم الاهتمام بذلك سيسهم في تغيب العناصر العلمية المتميزة في صفاء العقيدة والآراء الفقهية السديدة والمنهجية العلمية الناضجة في التفكير وهي جوانب احسب ان البيئة العربية على نحو خاص والاسلامية بشكل عام تتوق إليها بشغف تام.
حاجة ملحة ولكن
ثم يضيف الدكتور المحيا قائلا: إنني اعتقد ان الساحة ستزداد فيها مثل هذه البرامج بل إنني ممن يدعو لذلك اذ ما اكثر ما يحتاج الرجل والمرأة الى من يسألونه عن دينهم وعباداتهم ومعاملاتهم ويريدون اجابة على نحو فوري وآني ولعل المتأمل في هذه البرامج يلحظ ان ثمة فئات من هذه البلاد وبتأثر هذه القنوات اصبحت تتجه الى تلك البرامج وتتفاعل مع الشخصيات التي تبرزها، ولعل الاكثر خطورة ان يقود ذلك الى ثقة تامة او شبه تامة بعناصر نحسب انها ليست حقيقة ولا جديرة بذلك.
واذا كان البعض يشير الى ان التوسع في هذه البرامج سيجعل المشاهدين والمستمعين يتلقون العلم ممن قد يكونون اقل علما او يستمعون الى آراء تبدوا مرجوحة الا ان هذه الآراء تظل غير جديدة اذ تمتلىء بها كتب الفقه ومن الصعب بل قد يكون من المستحيل اليوم التعامل مع مثل هذه الآراء بلغة البحث عن سبل توقف ذلك وتمنعه وانما السبيل في تقديري في ايجاد البديل على نحو متنوع وشامل وفي الاوقات الحية التي تحظى بمشاهدة اوسع يضاف الى هذا ان من الضروري ان لا يسيطر علينا هاجس الرأي الواحد ولاسيما في المسائل التي تحتمل الخلاف اذ ذلك مما وسع سلفنا الصالح فامتلأت كتبهم حيث نقلوه وناقشوه وربما اخذوا به إن كان أرجح وأصح.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved