أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 27th April,2001 العدد:10438الطبعةالاولـي الجمعة 3 ,صفر 1422

مقـالات

دولة التوحيد..دولة السيادة والريادة
ابراهيم بن سعد الماجد
)1(
ابتليت كثير من المجتمعات العربية والاسلامية )بالشعارات( من ديمقراطية وحرية وما يتبعها من تعريفات براقة يحسبها )الظمآن ماء(. كثير من دساتير هذه الدول يخالف واقعها جملة وتفصيلاً، وكثير من هذه الدساتير يتغير حسب ما يراه من اعتلى كرسي السلطة.
ظاهرة لا شك مؤلمة لامة كان بوسعها ان تركن إلى اعظم دستور مكتمل الاركان وافي النصوص. به تعتز، وبه تقوى ومن خلاله تحفظ امنها وتحافظ على عرضها وتصون مكتسباتها.
وفي ظل هذه الظلمة الحالكة السواد يبقى هنا كوكب مضيء منذ ما يقارب اربعة قرون لم يحد عن مكانه ولم يخب نوره، ولم تتضعضع مكانته ذلكم هو تلك الدولة المباركة التي تعد هي الدولة الاسلامية الثامنة بعد اول دولة للاسلام. هذه الدولة منذ بزوغ فجرها على يدي الامام محمد بن سعود - رحمه الله تعالى - وهي تسير على نظام واحد لم يشرعه سلاطينها ولم يحرره كتبتها وانما هو من عند الله.
ولك ايها القارئ الكريم ان تتمعن في عظمة هذه الدولة بعين المنصف الامين لترى انها منذ ذلك الزمن البعيد إلى هذا اليوم وهي تعلن وتعيد في كل مناسبة انها لن تحيد، ولن تقبل شريعة ونظاماً الا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يعتز ائمتها وملوكها طوال هذه القرون الا بشرع الله، حتى ان اصغر افراد هذه الاسرة تشربوا هذا التوجه العظيم ووعوا هذا الفضل الكبير فتحقق لهذا الجزء المهم من العالم الامن والرخاء وساد اهله المحبة والالفة.
)2(
بين يدي كتاب صدر منذ ايام تحت عنوان )رسائل ائمة دعوة التوحيد( لمؤلفه الامير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز جمع فيه رسائل مما كتبه ائمة دعوة التوحيد منذ القرن الثاني عشر الهجري إلى يومنا هذا، وهي بالطبع ليس )كل( وانما بعض ما كتب، ولعل من يطلع على تلك الرسائل يجد فيها تجانساً واضحاً عظيماً. فالتوجه واحد وان اختلفت اللغة فكافة الرسائل تدعو إلى التمسك بالعقيدة الصحيحة وتحكيم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة، ونبذ البدع والخرافات، والتذكير بأن لا معبود الا الله. والتأكيد ان لا سلطة الا سلطة شرع الله والناس سواسية، وأكرمهم عند الله اتقاهم، لا تفريق بين ذا ولا ذاك الا بمقدار محافظته على دينه. وتذكر بأهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولعل من المناسب هنا استعراض الرسالة الاولى في هذا الكتاب التي كتبها الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في القرن الثاني عشر الهجري التي تقول بعض فقراتها:
)الذي نحن عليه، وهو الذي ندعو اليه من خالفنا: انا نعتقد ان العبادة حق لله على عبيده، وليس لاحد من عبيده في ذلك شيء، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فلا يجوز لاحد ان يدعو غير الله، لجلب نفع، او دفع ضر، وان كان نبياً او رسولاً، او ملكاً، او ولياً، وذلك ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز: )وأنَّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً( )الجن:18( وقال على لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم: )قل إنِّي لا أملك لكم ضراً ولا رشداً، قل إنِّي لن يجيرني من الله أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحداً( )الجن:21-22(.
ولا يجوز لأحد يتوكل على غير الله، ولا يستعيذ بغير الله، ولا ينذر لغير الله، تقرباً اليه بذلك، ولا يذبح لغير الله، كما قال تعالى: )فصلِّ لربك وانحر( )الكوثر:2(، وقال: )قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحْيايَ ومماتي لِلَّه ربّ العالمين، لا شريك له وبذلك أمرْتُ وأنا أوَّلُ المسلمين( )الانعام: 162-163( وقال عز وجل: )وعلى الله فليتوكل المؤمنون( )التوبة:51(.
فإن قال قائل: اتوسل بالصالحين: وأدعوهم، اريد شفاعتهم عند الله، وقد يحتج على ذلك بقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة( )المائدة:35( قيل له: الوسيلة المأمور بها، هي: الاعمال الصالحة، وبذلك فسرها جميع المفسرين من الصحابة فمن بعدهم او يتوسل إلى الله بعمله الصالح، كما قال عز وجل اخباراً عن المؤمنين: )ربنا إنَّنا سمعنا منادياً ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنَّا ربَّنَا فاغفر لنا ذُنُوبَنَا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار( )آل عمران: 193( وكما في حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فتوسلوا إلى الله بصالح اعمالهم، ففرج الله عنهم.
واما دعوة غير الله، والالتجاء اليهم، والاستغاثة بهم، لكشف الشدائد، او جلب الفوائد:فهو الشرك الاكبر الذي لا يغفره الله الا بالتوبة منه، وهو الذي ارسل الله رسله، وانزل كتبه بالنهي عنه، وإن كان الداعي غير الله انما يريد شفاعتهم عند الله، وذلك لان الكفار مشركي العرب وغيرهم، انما ارادوا ذلك كما قال تعالى: )ويعبدون من دون الله مالا يضرُّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله( )يونس:18(.
ونأمر جميع رعايانا باتباع كتاب الله وسنة رسوله، واقامة الصلاة في اوقاتها، والمحافظة عليها، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع اليه سبيلا، ونأمر بجميع ما امر الله به ورسوله من العدل، وإنصاف الضعيف من القوي ووفاء المكاييل والموازين، وإقامة حدود الله على الشريف والوضيع.
وننهى عن جميع ما نهى الله ورسوله، من البدع والمنكرات مثل الزنا، والسرقة، وأكل اموال الناس بالباطل، وأكل الربا، واكل مال اليتيم، وظلم الناس بعضهم بعضاً، ونقاتل: لقبول فرائض الله التي أجمعت عليها الامة، فمن فعل ما فرض الله عليه فهو اخونا المسلم، وان لم يعرفنا ونعرفه(.
وفي رسالة كتبت في بداية هذا القرن، وكتبها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تقول بعض فقراتها:
)أيها الاخوة المواطنون، ان الله إذا أراد بقوم خيراً هداهم إلى التي هي أقوم ونعم الله علينا كثيرة لا تحصى، ولا شك ان اعظم هذه النعم على الاطلاق هي نعمة الاسلام، فهو الدين الذي إن تمسكنا به لن نضل ابداً، بل نهتدي ونسعد، كما أخبر الله تعالى بذلك، وكما اخبر رسوله عليه الصلاة والسلام.
وحقائق التاريخ والواقع خير شاهد على ذلك.
فقد سعد المسلمون بشريعة الاسلام حين حكموها في حياتهم وشؤونهم جميعاً.
وفي التاريخ الحديث قامت الدولة السعودية الأولى منذ اكثر من قرنين ونصف على الاسلام، حينما تعاهد على ذلك رجلان صالحان مصلحان هما: الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمها الله -.
قامت هذه الدولة على منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع. هذا المنهاج هو الاسلام عقيدة وشريعة.
وبقيام هذه الدولة الصالحة سعد الناس في هذه البلاد حيث توفر لهم الامن الوطيد واجتماع الكلمة، فعاشوا اخوة متحابين متعاونين بعد طول خوف وفرقة.
ولئن كانت العقيدة والشريعة هي الاصول الكلية التي نهضت عليها هذه الدولة، فان تطبيق هذه الاصول يتمثل في التزام المنهج الاسلامي الصحيح في العقيدة والفقه والدعوة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي القضاء، وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وبذلك كانت الدولة السعودية نموذجاً متميزاً في السياسة والحكم في التاريخ السياسي الحديث.
ولقد استمر الاخذ بهذا المنهاج في المراحل التالية جميعاً حيث ثبت الحكام المتعاقبون على شريعة الاسلام، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ويستند هذا الثبات المستمر على منهج الاسلام إلى ثلاث حقائق هي:
حقيقة: ان اساس المنهج الا سلامي ثابت لا يخضع للتغيير والتبديل، قال الله تعالى: )إنّا نحن نزَّلْنَا الذِّكر وَإنَّا له لحافظون( )الحجر:9(.
وحقيقة: وجوب الثبات على المنهج:
وحقيقة: وجوب الثبات على المنهج: )ثم جَعَلْنَاك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تَتَّبع أهواء الذين لا يعلمون( )الجاثية: 18(.
وحقيقة: وفاء حكام هذه الدولة لاسلامهم في شتى الظروف والاحوال.
واستمر الوفاء للاسلام - عقيدة وشريعة في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حيث بنى المملكة العربية السعودية ووحدها على ذات النهج على الرغم من انه واجه ظروفاً تاريخية صعبة، وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهته أثناء توحيد البلاد. فقد حرص الملك عبدالعزيز على انفاذ منهج الاسلام في الحكم والمجتمع مهما كانت الصعوبات والتحديات.
ويتلخص هذا المنهج في اقامة المملكة العربية السعودية على الركائز التالية:
اولاً: عقيدة التوحيد التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له، ويتحررون من الخرافة والوهم، ويعيشون اعزة مكرمين.
ثانياً: شريعة الاسلام التي تحفظ الحقوق والدماء، وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط التعامل بين افراد المجتمع، وتصون الامن العام.
ثالثاً: حمل الدعوة الاسلامية ونشرها، حيث إن الدعوة إلى الله من اعظم وظائف الدولة الاسلامية واهمها.
رابعاً: ايجاد بيئة عامة صحية صالحة مجردة من المنكرات والانحرافات، تعين الناس على الاستقامة والصلاح، وهذه المهمة منوطة بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: تحقيق الوحدة الايمانية التي هي اساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية.
سادساً: الاخذ بأسباب التقدم، وتحقيق النهضة الشاملة التي تيسر حياة الناس ومعاشهم، وتراعي مصالحهم في ضوء هدي الاسلام ومقاييسه.
سابعاً: تحقيق الشورى التي امر الاسلام بها، ومدح من يأخذ بها، إذ جعلها من صفات المؤمنين.
ثامناً: ان يظل الحرمان الشريفان مطهرين للطائفين والعاكفين والركع السجود - كما ارادهما الله - بعيدين عن كل ما يحول دون اداء الحج والعمرة والعبادة على الوجه الصحيح، وان تؤدي المملكة هذه المهة قياماً بحق الله، وخدمة للامة الاسلامية.
تاسعاً: الدفاع عن الدين والمقدسات والوطن والمواطنين والدولة.
هذه هي الاصول الكبرى التي قامت عليها المملكة العربية السعودية(.
)3(
اكثر من ثلاثمائة سنة مرت بين الرسالة الاولى والرسالة الثانية لم تتغير عقيدة هذه الدولة ولم تتبدل، ومنذ ذلك التاريخ وإلى هذا اليوم وهي بحمد الله تسير على دستور واحد ومنهج واحد وهو كتاب لله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم افلا يحق لنا في هذا الوطن ان نعتز ونفتخر به وان تكون لنا السيادة والقيادة؟
ص. ب: 858
الرياض: 11421

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved