| مقـالات
الأول: صندوق تنمية الموارد البشرية:
ذلك الأمل المرتقب والنقلة النوعية في تنمية الانسان السعودي والذي جاءت فكرته بهدف توطين الوظائف والمهن لتصحيح المعادلة المهنية الخاطئة والتي من سماتها اعتماد المجتمع السعودي على العمالة الاجنبية الوافدة في الكثير من الخدمات - وهذا الوضع يفترض ان يكون مؤقتا - فالمعادلة الصحيحة والمعروفة في كافة دول العالم هي اكتفاء المجتمع من العمالة والمهن العادية من نفس قواه الداخلية والذاتية ولا بأس بالطبع من الاستعانة بالخبرات الأجنبية النادرة فلا يعقل ان يستورد المجتمع من الخارج السائق والخباز والسباك والمبلط والحلاق والكناس.. وقد هدفت الدولة من رفع معدلات رسوم الاستقدام وتجديد الاقامات للأجانب للضغط في اتجاه سعودة هذه المهن التي يتم استقدام العمالة لها من الخارج. وجعل الاستفادة من خدمات العامل الوافد أكثر تكلفة من العامل السعودي. وفي تكامل مع هذا الهدف رُئي ان تتم الاستفادة من مبالغ الرسم المتحصلة من التأشيرات في تدريب وتأهيل الشباب السعودي للعمل في مهن الانتاج والخدمات والتجارة البسيطة وتم ايكال تنفيذ ذلك للغرف التجارية والصناعية - وقد بدأت بالفعل عملية سعودة بعض المهن بالكامل ومنع غير السعوديين من العمل فيها مثل أسواق الخضار ومحلات بيع الذهب والمجوهرات.
وفي اعتقادي ان علاقة صندوق تنمية الموارد البشرية يجب ان تكون في أكثر من اتجاه ولا تحصر هذه العلاقة فقط في سعودة المهن والوظائف لأن ذلك الهدف مهما كانت أهميته وخطورته فهو هدف آني ووقتي. فتنويع الأهداف وتوسيعها يؤدي الى تحقيق الأهداف الاستراتيجية ومن ضمنها هدف تنمية الموارد البشرية فمفهوم الموارد البشرية يجب ان يكون واسعا ويشمل حتى أولئك الذين نصنفهم حاليا تحت الفئات المشمولة بنظام الضمان الاجتماعي. فلماذا لا ندمج أهداف الضمان الاجتماعي مع هدف تنمية الموارد البشرية ونعدل من الأساليب الحالية في نظام الضمان الاجتماعي الذي يعتمد في غالب أمره على رعاية المحتاجين ودعم الأسر من خلال مخصصات مالية شهرية أو سنوية؟! وحتى لا نكون أسرى لنظام المنح المالية القديم الذي لم يعد يناسب الزمن فقد يكون من المناسب توسيع الاستفادة من الأموال المتوفرة من صندوق تنمية الموارد البشرية وكذلك الأموال المتوفرة في صندوق الضمان الاجتماعي وانشاء هيئة عليا للتدريب والتأهيل تناط بها مسؤولية تدريب الشباب على مختلف المهن ومتابعة موضوع تأهيلهم لسوق العمل من خلال توفير معدات العمل المطلوبة لكل مهنة وكذلك تدريب أفراد الأسر المحتاجة رجالاً ونساءً على مهن تدر عليهم دخلاً يسد حاجتهم. حيث لا يكفي تدريب الشباب فقط ثم تركهم يبحثون عن العمل بمفردهم مثلما تعمل الجامعات ومؤسسات التعليم الأخرى. ان هذا الدور الذي أقترحه لصندوق تنمية الموارد البشرية بفكرته الموسعة - يعتبر دورا مستمرا غير مرتبط بموضوع السعودة لأن هناك فئات من المجتمع سوف تكون في حاجة مستمرة لمن يأخذ بيدها ليس بالأسلوب التقليدي الذي يعمل به صندوق الضمان الاجتماعي حاليا - انما بأسلوب اعطائهم الشباك وتعليمهم كيف يصطادون ويعتمدون على أنفسهم.
الثاني : المركز الخيري للإرشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية:
ذلك المركز المبتكر والجديد في مجال العمل الاجتماعي، والذي أنشىء بموجب قرار سامٍ في عام 1416ه ويهدف هذا المركز الخيري الى تقديم خدمات الارشاد والنصح الاجتماعي لأفراد المجتمع الذين يعانون من مشاكل اجتماعية وأسرية قاهرة. والفكرة المحورية لهذا العمل الخيري هي ان اسداء النصح والرأي السديد والتوجيه الصائب للأفراد الذين يعانون من المشاكل قد يكون في كثير من الأحيان أجدى وأنفع وأعمق أثرا من مجرد اعطاء الهبات المالية - فالمال ليس هو الحل في جميع الأحوال.. فهناك مشاكل وهواجس لا يحلها المال بل النصح الصادق من قبل أخصائيين متخصصين في مجال عملهم.
والمركز الخيري للارشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية الذي هو ثمرة تفكير وجهود بعض الخيرين في هذا البلد المعطاء هو مؤسسة خيرية تسعى لسد النقص الحاصل في الخدمات الاجتماعية سواء المقدمة من أجهزة ومؤسسات الدولة أو من المؤسسات والجمعيات الأهلية.. ويركز المركز على الخدمات غير الملموسة بشكل مباشر وهي ليست مالاً يقدم لمحتاج لكنها نصيحة مهنية قد تغير من حياة صاحب المشكلة. ويسعى هذا المركز الخيري الاجتماعي الى احداث التنمية الأسرية من خلال تقديم خدمات اجتماعية لمعالجة المشاكل بشكل وقائي قبل استفحالها. كما يهدف الى ارشاد أفراد المجتمع وتوجيههم الى الأساليب المثلى للتعامل مع ما يواجههم من صعوبات ومشكلات اجتماعية.وتعتبر خدمات هذا المركز نقلة نوعية متميزة في مجال العمل الاجتماعي لدينا - فهو عبارة عن عيادة استشارية اجتماعية يستطيع الفرد الذي يعاني من أية مشكلات اجتماعية أو أسرية ان يراجعها بنفسه أو يتصل هاتفيا من خلال خط ساخن )Hot line( لكي يجد العناية اللازمة والنصح الحكيم مع التأكيد التام على سرية المعلومات التي يدلي بها المراجع وبدون أي شرط أو ضوابط مسبقة بل تقبل جميع الحالات بلا استثناء.وقد يرى بعض الناس أن مجتمعنا الشرقي التقليدي والمحافظ، لم يصل بعد الى درجة طلب المعونة والارشاد من أشخاص لا يعرفهم أو لم يتعود ان يتكلم معهم عن أسرار الشخصية ومشاكله الذاتية. وهذا القول وان كان فيه بعض الحقيقة، الا أنه يغفل حقيقة أخرى وهي ان المجتمع السعودي اليوم لم يعد ذلك المجتمع البسيط الذي يعرف فيه الجار أحوال جاره وظروفه. فالمجتمع تعقد بسبب تطور الحياة وأصبح الناس منغلقين أكثر وأكثر على أنفسهم وظهرت الفردية في أوساطهم، وأصبح الفرد في حاجة لمن يرشده وينصحه كيف يتصرف إزاء مشاكله.
وهذا المركز الخيري يعتبر من المؤسسات الحديثة في مجال العمل الاجتماعي المتخصص فبالإضافة الى الخدمات الارشادية المباشرة فهو يقوم أيضا بالرصد والتحليل والبحوث والدراسات الاجتماعية المتعمقة لمشاكل المجتمع والظواهر التي تصاحب عملية التغيير الاجتماعي. فهو بالتالي يعتبر بيت خبرة اجتماعية لا غنى للأفراد والمؤسسات الحكومية أو الأهلية عن جهوده والمعلومات التراكمية التي سوف تتجمع لديه مع مرور الزمن. وفي هذا الخصوص فهو يتكامل في أدواره ومهامه مع المؤسسات الأخرى أو كما قال القائمون عليه فهو إما ان يبدأ بما انتهى اليه الآخرون، أو يكمل الآخرون ما بدأ به من جهود وخدمات.
ومن هذا المنطلق فإني أدعو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية الى دراسة هذه الجهود الخيرية المقدمة من مثل هذا المركز الخيري وتعميمها على مناطق المملكة العربية السعودية كوسيلة جديدة ونقلة نوعية في عملية الارشاد الاجتماعي. ولا يسعني إلا ان أشد على يد الذين يتولون أمر هذا المركز الخيري للارشاد الاجتماعي والاستشارات الأسرية، والذين واكبوا مراحل انشائه منذ أن كان فكرة حتى أصبح حقيقة ماثلة وأثمن جهودهم الخيرة تجاه مجتمعنا داعيا الله لهم بالتوفيق والسداد والله الموفق.
|
|
|
|
|