|
| تحقيقات
تحقيق عبدالله الملحم:
عالم مليء بالبساطة والمحبة فالبراءة هي عنوانهم في تعاملهم مع الآخرين، شدني حماس أحدهم وفطنته وتفانيه لانجاز أي عمل يناط به، وقد جمعتني به الصدفة في أحد مباني الدوائر الحكومية، قابلني بابتسامة ودار بيننا حوار صامت لم استوعب لغة الاشارات التي كانت وسيلته للتعبير عما يدور في خاطره.
عندها أخرج قلما وورقة.. قرأت حروف كلماته وإذا به يوجه لشخصي المتواضع دعوة لزيارة المخيم الخاص به وزملائه ورغم محاولاتي الاعتذار إلا أن الرجل ألح، وكان له ما أراد، وكم كانت سعادتي غامرة بزيارة مخيمهم على طريق الرياض.. لا أخفيكم مدى دهشتي وسروري لوجودي بينهم رغم أنها فترة لا تتعدى الثلاث ساعات. هؤلاء الأحبة هم شريحة غالية في مجتمعنا ممن حرموا نعمة السمع والكلام لكن الله سبحانه وتعالى عوضهم خيراً بفطنتهم وطيب سريرتهم.
هذه الفئة الغالية على قلوبنا لهم مطالب واحتياجات وأجدها فرصة سانحة كي أنقل لكم جزءا يسيراً مما شهدته وقرأته في عيونهم.
هل تصدقون ان من بينهم الشاعر! والحافظ لكتاب الله والدعاة وأبطالا في الألعاب الرياضية!! على أي حال تعالوا معنا في هذه الجولة في عالم الصمت والاشارات.
هذه فكرة المخيم
ولطرح التساؤلات على منتسبي المخيم فقد كان لوجود المهندس عبدالحميد الرشيد الذي يتولى عملية الترجمة بلغة الاشارة مساهمة في اعداد هذا التحقيق.. وعن الأسباب الكامنة وراء اقامة المخيم تحدث الشاب عايد الشمري قائلا:
كنا في السابق نجتمع في المنازل بشكل دوري ولكن مع كثرة اعداد الحضور والازعاج الذي قد نسببه للعائلة وللمجاورين لم نجد وسيلة أخرى لتلافي الازعاج من تجمعنا داخل المنازل إلا الاتجاه لإقامة مخيم للصم بجهود ذاتية عن طريق دفع اشتراكات شهرية بواقع 50 ريالا لكل عضو وهو ما تحقق ولله الحمد فالمخيم مضت عليه ست سنوات وهو متواضع للغاية ولكن الجود من الموجود!! وفهمت من اشاراته للمترجم وكأن لسان حاله يقول العين بصيرة واليد قصيرة!! وعن عدد المشاركين في المخيم اشار الشاب عبدالحميد الرشيد أن العدد في حدود 150 عضواً في حين يصل عدد الذين يحضرون للمخيم بصفة شبه مستمرة أكثر من ثمانين فرداً منهم من يعملون في وظائف حكومية وهم قلة والغالبية من الطلاب ولا يسمح بالالتحاق إلا لمن تجاوز سن الخامسة عشرة.
زوار من دول مجلس التعاون
وتحدث الشاب عبدالعزيز الحمود بأن العلاقات وطيدة بين الصم ومن مختلف مناطق المملكة حيث اننا على اتصالات مستمرة حتى ان لدينا أصدقاء من عدد من دول مجلس التعاون وأشار بيده صوب ثلاثة شباب وكانوا من ضيوف المخيم وهم قادمون من الرياض.
ظروفنا صعبة
وعلق الشاب أحمد الزيد عن الظروف الصعبة التي يواجهها المنتسبون للمخيم قائلا: المخيم تم احداثه بجهود ذاتية وتقديرا منا لظروف اخواننا من الطلبة فإن المخيم قائم على اشتراكات الموظفين وهم قلة ولدى الكثير منهم ارتباطات عائلية لا تخفى على الجميع. وأصر الزيد وهو يتحدث بلغة الاشارة على تفقد مرافق المخيم مشيراً إلى أنها متواضعة للغاية فالمطبخ عبارة عن صندقة صغيرة إلى جانب ان المخيم المؤلف من خيمة واحدة لا تتسع لمرتاديه ولكن هذا هو حالنا في ظل امكانياتنا المتواضعة.
ويعلقٍ الشاب خميس الخميس بأن الوجود بالمخيم يتم في ثلاث ليال كل أسبوع وكنا نود الالتقاء طيلة ليالي الأسبوع ولكن كل ما نخشاه ان يصيب العطل المولد الكربائي فنحن نعمد إلى اراحته!!
لا يعلمون بظروفنا
وحول دور رجال الاعمال لمساعدتهم في تذليل العقبات المادية التي تواجههم أجاب الشاب حماد الحارثي: حقيقة لا نستطيع ان نلقي اللوم عليهم فهم وغيرهم لا يعرفون ظروفنا.
طرقنا أبواب هذه اللجنة
ويعقب زميل له ويدعى سالم الشمري قائلا: بعض الزملاء قاموا بالاتصال بلجنة خدمة المجتمع بالغرفة التجارية والصناعية بالأحساء وتم اطلاع القائمين على هذه اللجنة بالظروف التي نواجهها وبالفعل قام عدد من أعضاء اللجنة بزيارتنا وعشمنا كبير في تعاونهم والوقوف معنا في تذليل الكثير من الصعوبات التي نواجهها والأمل بالله كبير قالها طبعا بلغة الاشارات رافعا رأسه للسماء.
طرق الاتصال
يتم التخاطب فيما بيننا عن طريق الاشارات الخاصة بالصم وأيضا يوجد مترجم خاص بالمخيم يقوم جزاه الله بترجمة الدروس الدينية التي يلقيها بعض المشايخ بلغة الاشارة لكي تكون مفهومة للصم.
أما في حالة وجود شخص أصم في مكان ما ونرغب في استدعائه بصورة عاجلة فأغلب الشباب لديهم أجهزة اتصالات حديثة كالجوال!! أو البيجر أو الفاكس أو البريد الالكتروني التي يجد الشخص المرسل صعوبة تذكر بعد كتابة رسالة صغيرة للشخص المطلوب بواسطة هذه الاجهزة أو استخدام أحد الرموز الرقمية المتفق عليها بين الصم بواسطة الجوال أو البيجر إلا ويفاجأ بحضور الشخص المطلوب بأسرع وقت ممكن .
خصصوا لنا يوماً واحداً
ويتحدث ماهر المغنم عن معاناتهم قائلاً: بما أنه يوجد مركز لرياضة المعوقين بالأحساء الا ان ما يقدمه لنا قليلاً جداً كما ان الأندية الرياضية لا تخصص لنا يوماً كي نمارس من خلاله بعض الالعاب الرياضية لذا فإنني أتمنى لو خصص لنا يوم في الاسبوع في أحد الأندية الموجودة هنا بهدف اسعاد زملائي وادخال البهجة والسرور في نفوسهم فنحن فئة وللأسف الشديد محرومة وعشمنا كبير في تعاون المسؤولين عن أندية الاحساء لتحقيق هذه الرغبة.
أملنا كبير في أمير الشباب
وعلق الشاب سعيد المري بقوله: لا أخفيكم سراً بانني وجميع زملائي قد سعدنا برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب للاتحاد السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة فقد لمسنا من سموه الكريم اثناء رعايته لبطولة المملكة لالعاب القوى لذوي الاعاقة الحركية مدى اهتمامه حفظه الله بدعم وتشجيع جميع المنتسبين لألعاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
من هنا فإننا نرفع لسموه يحفظه الله طلبنا باحداث ناد للصم اسوة بأشقائنا في جدة والدمام لاسميا وان عدد الصم من الشباب يصل إلى أكثر من أربعمائة شاب هذا الى جانب كبر مساحة الاحساء فهي تصل الى 24% من مساحة المملكة.
فاحداث هذا النادي هو بمثابة مطلب ملح لنا كفئة محرومة من ممارسة الالعاب والانشطة الثقافية المختلفة لعدم وجود مقر يستوعب هذا العدد الكبير.
هي أمنية وأعتقد جازما بأن رجل الانسانية لن يخيب طلبنا فنحن بأمس الحاجة لمثل هذا المقر كي يستوعب اعدادنا المتزايدة يوما بعد يوم.
أصبحت صديقا لهم
صادف أثناء زيارتنا للمخيم وجود أحد منسوبي الحرس الوطني السيد مدني بدوي وعن السر في تواجده مع هذه الفئة التي لاتتعامل إلا بلغة الاشارة أجاب الاستاذ مدني قائلا: هي الصدفة وباركها الله من صدفة.. فنظراً للعلاقة التي تربطني بالشيخ طارق الحواس.. اقترح علي الشيخ مرافقته ذات ليلة لالقاء محاضرة دينية وقد اثار استغرابي كونه سيلقي المحاضرة على فئة لا تسمع ووسيلتها الوحيدة للتعبير لغة الاشارات.. حقيقة من باب الفضول وحب الاستطلاع رافقت صديقي الشيخ الحواس لزيارة هذا المخيم وقد فوجئت بتحمس هؤلاء الأحبة لمعرفة مضمون المحاضرة وتجاوبهم من خلال قيام أحد المترجمين بايصال أفكار المحاضرة لهم كان ذلك قبل ثلاثة أعوام.. ومن تلك الليلة وجدتني شغوفا بالالتقاء بهم على الدوام بل ومرافقتهم في زياراتهم فأنا ولله الحمد أشعر براحة نفسية من خلال تواجدي معهم بل اصبحت صديقا للجميع ومنسقا مع بعض المشايخ لالقاء الدروس الدينية داخل المخيم وامتدت صداقتي بهم بمحاولتي حل مشاكلهم. فالبساطة والمحبة هي عنوانهم في تعاملهم مع الآخرين من هنا فإنني أناشد الجميع بمد يد العون والمساعدة لهم فهم في أمس الحاجة في ظل وضعيتهم التي تتطلب منا اشعارهم بقيمتهم كأعضاء صالحين في مجتمعنا الذي جبل على فعل الخير ومحبة الآخرين.
وجدت ما كنت أبحث عنه
السيد مثيب بن فريح السبيعي رجل تخطى العقد الخامس من العمر تحدث قائلا عن سبب تواجده بالمخيم فعلق قائلا لدي ولدان من الصم ولما سمعنا عن المخيم طلبا مني الحاقهما به وحتى أكون مطمئنا قمت بالعديد من الزيارات للمخيم وبالفعل فقد وجدت ما كنت أحبث عنه. فوجود الولدين هنا قد أفادهما كثيرا من خلال الالتقاء بمنسوبي المخيم ولا أخفيكم سراً بأنني قد اطلعت بعض الاقارب ممن يوجد بين ابنائهم من يعاونون من الصمم ولكن المخيم الحالي صغير جداً فهو لا يحتوي إلا على غرفة واحدة ولذا فإن البعض يضطرون للبقاء خارج الغرفة للازدحام ومن هنا فإن ايجاد مقر أو ناد خاص لهم امر تفرضه الضرورة.
مواهب مميزة
المفاجأة التي لم نكن نتوقعها انه يوجد من منسوبي المخيم من يحفظ القرآن الكريم ومن هؤلاء عبدالعزيز الملحم وخميس الخميس وآخرون وهؤلاء تتلمذوا على عدد من المشايخ مثل الشيخ عبدالله البخيت والشيخ صلاح البدير امام وخطيب المسجد النبوي.
وهؤلاء يقومون بالحفظ عن طريق كتابة الآيات التي يحفظونها. كما ان هناك من يقرض الشعر ومن هؤلاء الشاب سالم المري والذي أصر على القاء قصيدة نبطية بصوت خافت وبلغة الاشارات.
أبطال في الرياضة
ومن بين منسوبي المخيم العديد من الرياضيين المميزين فالشابان محمد الدوسري وعبدالهادي المري شاركا في منتخب المملكة لكرة القدم وحالت الاصابة التي لحقت بهما في عدم مشاركتهما في بطولة العالم التي اقيمت في استراليا وهناك اللاعب عبدالمحسن إبراهيم الملحم كأحد أبز لاعبي تنس الطاولة ويحمل لاعب آخر الحزام الاسود في الكاراتيه وهو الشاب إبراهيم السعد.
نشاط منوع
وعن الأنشطة التي تمارس داخل المخيم أجاب الشاب عايد الشمري الأنشطة عديدة فنظرا لضيق مساحة المخيم فقد تم اعداد ملعب خاص لكرة الطائرة وكنا نسعى لايجاد طاولة تنس ولكن ظروفنا كما تعلم صعبة هذا إلى جانب النشاط الديني من خلال استضافة عدد من المشايخ لالقاء بعض الدروس الدينية والتوعوية كما ان هناك نشاطا ثقافيا يتعلق باصدار الصحف الحائطية والنشرات وجميع تلك الانشطة تقام بجهود ذاتية!!
وعن عملية ادارة المخيم أشار فارس القحطاني قائلا: للمخيم قائد «أمير» ونائب للقائد وأمين للصندوق وقيادة المخيم تتم بالانتخاب في كل عام وذلك بهدف اتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من منسوبي المخيم للمشاركة في تولي مسؤولية الاشراف عليه والانتخاب يتم بالتصويت ويتولى أفراد المخيم معالجة مشاكلهم بأنفسهم.
وماذا بعد
من خلال زيارتنا للمخيم فإن هذه الفئة الغالية على قلوبنا بحاجة ماسة لايجاد مقر أو ناد خاص بهم فالمخيم اسم على غير مسمى في ظل تواضع مرافقه فاعداد منتسبيه في ازدياد وتكمن المشكلة في ان غالبيتهم من الطلاب ويزيد الوضع سوءا الظروف الصعبة لأسرهم.. من هنا فإن على رجال الأعمال ومحبي فعل الخير مد يد العون والمساعدة لادخال الفرحة الى نفوسهم ودعمهم ماديا ومعنويا وعشمنا في الجميع كبير.
|
|
|
|
|
