| الاخيــرة
تابعت بمتعة عقلية كبيرة الحوار الذي أجرته مجلة اليمامة في عددها 1651 مع رئيس مجلس الشورى معالي الشيخ محمد بن جبير،
ولقد أعجبت دون مجاملة بغزارة علم الشيخ حول مسألة الشورى في الاسلام، ومدى تفاعله مع هذه التجربة في مجتمعنا باعتباره قد عاصرها واعترك بها على مدى الأعوام الثمانية الماضية وكذلك موقفه الحضاري من تجارب الآخرين ومدى اطلاعه على التجارب البرلمانية في المجتمعات الاخرى، وإننا إذ نثمن ما جاء في اجابة الرئيس عبر صراحة، تجاوبت مع صراحة الأسئلة وصدقها وربما أجابت في بعض جوانبها بعضا مما يجوب في أذهان المواطنين من استفسارات عن طبيعة تجربة الشورى في مجتمعنا وآلية عمل المجلس ومدى فعاليته أو محدوديته، فإن هناك بعض النقاط التي أود الاشارة والتشديد على أهميتها مما ذكره في الحوار كما ان هناك بعض النقاط التي أستسمح معاليه في طرح رأي مخالف لرأيه حولها أو على الأقل في طرح أسئلة حولها، ولأبدأ بطرح تلك النقاط التي أرى انها تشكل بعض الاساسيات الضرورية جدا للشورى والتي لابد لمجلس الشورى ان يتمسك بها حتى يصلب عود التجربة ويقوى وتصبح مشاركة الرأي وتداول الأمر من تقاليد وتجارب الشورى في المملكة، وتزيد أهمية وضع وبلورة أساسيات العمل بالشورى في المدى البعيد كما في المدى القريب خاصة وان المجلس مقبل في أقل من شهرين على إعلان التشكيل الجديد الذي سيذهب بنصف الأعضاء الحاليين، ويأتي بآخرين في عددهم أو يزيد عليهم، وبما ان البقاء لله، اما البشر فيأتون ويذهبون، فإن مثل هذه الأساسيات تزيد من ترسيخ التجربة وتجعل لها استمرارية وهذه الاساسيات نجدها في النقاط الثلاث التالية:
1- عدم امكانية تعطيل الشورى في الشريعة الاسلامية أو إصدار قرار بوقفها كما في أنظمة برلمانية أخرى، وفي هذا ما قاله الشيخ محمد بن جبير على وجه التحديد «الشورى لازمة، الشورى واجبة على ولي الأمر، والشورى واجبة على المواطنين أن يطالبوا ولي الأمر أن يشاركوا في الشورى» وهذا بالطبع من منطلق البيعة والتراضي على واجباتها وحقوقها بين الحاكم والمحكوم،
2- الإفادة من الجوانب الايجابية في التجارب البرلمانية للمجتمعات الأخرى باعتبارها منجزاً حضارياً مشتركاً لجميع البشر،
3- التطوير والتحديث الدائم لمجلس الشورى وآليات عمله سواء من حيث العدد او من حيث الاختصاصات والخبرات أو من حيث الصلاحيات،
هذا وأما النقاط الأخرى التي أود طرح التساؤل حولها وأرى ضرورة مراجعتها بالنسبة لتجربة الشورى في بلادنا فهي النقاط الأربع التالية:
1- نخبوية المجلس:
لقد شدد معالي الشيخ محمد بن جبير على مسألة الاختصاص والتأهيل العلمي في أعضاء المجلس واعتبرها ميزة للمجلس، ومع إقرارنا بضرورة توفر الدراية والعلم والقدرة على تكوين الرأي وإبدائه في عضوية المجلس فإن مثل هذه الخبرات هي ليست خبرات علمية وحسب بل إنها خبرات عملية أيضاً، والمجلس ليس مجلسا للخبراء العلميين أو الدكاترة، بل إن جانبا مهما من جوانب مسألة الشورى أن تكون معبرة عن جميع فئات التشكيل الاجتماعي عالمهم وعاملهم بمختلف آرائهم،
2- مسألة التشريع:
من المعروف بالطبع ان مجلس الشورى عندنا لا يملك سلطة تشريعية، وانما يركز دوره على وضع اللوائح التنفيذية للنصوص الشرعية، والامر كما قال معالي الشيخ محمد بأن كثيرا من النصوص هي نصوص عامة أو موجزة تحتاج الى من يشرحها، والى وضع لوائح تنفيذية لها، وفي هذا ما يعيدنا الى موضوع طالما طرحته وألحت في طرحه كما طرحه آخرون وبإلحاح لا يقل وهو مسألة التفريق بين فقه العبادات وفقه المعاملات، ففي باب فقه المعاملات تندرج كثير من القضايا الاجتماعية والأسرية وسواهما المهمة التي تحتاج الى اعادة قراءة واعادة وضع صيغ تنفيذية لها، وذلك لن يكون الا بإعادة النظر اليها في ضوء المستجدات العصرية، وفي ضوء التعدد الاجتهادي ومع اننا نعرف أن مجلس الشورى ليس مجلسا لهذا إلا ان المطلوب منه ان يسعى في خدمة كبرى لكثير من القضايا الاجتماعية المعلقة، وذلك ليتمكن المجلس وفي ضوء التمسك بالتشريع الرباني من وضع اللوائح التنفيذية الخاصة بتنظيم ذلك الجانب من المعاملات،
3- مسألة تمثيل المرأة:
في هذه المسألة أرى ان الواجب أن يعرض الأمر للبحث الفقهي وللدراسة ولاستعراض الآراء الفقهية القائمة حوله مع إعمال العقل واستقصاء النص الشرعي بشكل موضوعي لا يحمل صوت الرجل أو صوت المرأة دون الآخر بل يحمل صوت الحق، وما يخدم المصلحة العامة في حدود التعاليم الاسلامية دون استثناء من منطلق واجب الشورى على المواطنين ومن منطلق تأثر المرأة وتأثيرها بالقضايا الاجتماعية والاسرية، إن معالي رئيس مجلس الشورى يذهب وبشكل قاطع الى القول بأن قضية تمثيل المرأة تسمى من الناحية الفقهية الولاية، ويرى ان عضوية مجلس الشورى هي ولاية عامة، بينما يرى آخرون ان عضوية مجلس الشورى انما هي توكيل، وليست ولاية، واذا أضفنا الى ذلك طبيعة وآلية عمل مجلس الشورى القائمة الآن والتي لا تجعل دوره أكثر من دور استشاري فإن المسألة تصبح بعيدة عن مفهوم الولاية وبحاجة الى اعادة نظر، ومن هنا تأتي ضرورة البحث في المسألة قبل البت النهائي والقطعي فيها،
4- المجلس والنقد:
مع انني أتفق تماما مع معالي الشيخ محمد بن جبير فيما قاله بأن تقييمنا لتجربة الشورى في بلادنا يجب ألا يكون من خلال رأي الآخرين فيها ممن قد نختلف معهم في المرجعية العقائدية والواقع الاجتماعي، فإننا لو استعرنا منه مصطلح التحفظ المعمول به تجاه بعض المسائل في مجلس الشورى أتحفظ على مسألة ان نضرب عرض الحائط بما قد يأتينا من نقد، لأنه قد يكون من النقد البناء ما قد يعيننا على تطور التجربة وفي هذا لابد ايضا ان نستوصي بعضنا بعضاً، كما نستوصي اعضاء مجلس الشورى بالنقد الذاتي فهو إحدى الوسائل المهمة لصقل هذه التجربة المباركة - بإذن الله -،
ولله الامر من قبل ومن بعد،
|
|
|
|
|