| الثقافية
نتفاءل في كل بادرة فبعد معاناة طويلة من المرض المسرحي حيث تدنى مستوى العروض المسرحية في جامعة الملك سعود الى أقل حد ولم نعد نرى عرضا واحدا يكتب عنه أو حوله رأينا في هذا العام عرضين يستحقان التقدير وكان أول الغيث قطرة حيث قدم نايف خلف المخرج في الجامعة نصا معدا برؤية متفوقة عنوانه السيف والأدب عرضه في الجنادرية وتبعته عروض تعتبر بين الجيد والمقبول الى ان عرض المخرج ناصر الباز مسرحيته )الحمامة( الأسبوع الماضي على مسرح جامعة الملك سعود.. واذا كان هناك ما يميز عرض ناصر الباز عن غيره من المخرجين فهو أنه الرجل الحريص حرصا شديدا على نصوصه التي يختارها فهو يبذل الوقت والجهد في البحث عن نصه ويجهد في اعادته من جديد وقد لاحظت ذلك منذ بداياته الأولى قبل خمس سنوات.
ومسرحية )الحمامة( هي نص أعده الباز عن مسرحية القبو التي ألفها الكاتب والمخرج سامي الجمعان وقدمها قبل ثلاث سنوات مع طلاب جامعة الملك فيصل في عدة مناسبات كان آخرها في المهرجان السعودي الثاني في جامعة الملك عبد العزيز.. ولقي النص الفكري في حينه الكثير من الترحيب. والنص يقوم على مقولات حوارية فكرية وجدانية بكائية أحيانا أحيانا على حال الانسان وحول الحرب والسلام والصراع مؤكداً أنه ضرورة لحياة الانسان وتناقض المقولة بين تأكيد الصراع ومقولة السلام في النص يأتي بأسلوب شعري كما هي كل عبارات النص التي كانت جملا تتجاذبها لغة الشعر ومقولات الثقافة النخبوية بل وتغير جلدها بحسب سياق الكلام بحيث ان النص نفسه يتحول الى تقابلات نصية مطلقة بدون سياق في بعض العبارات.
وتقوم الحكاية في النص على أناس تحتجزهم الحرب في قبو وشاب يكتشف بعض الورق لأديب يتمثله بالإعجاب ويتلمس طريق هذا المفكر بصفته المنقذ الا أن المفكر في الأخير وبعد ملابسات كثيرة يعود بقميص الرمز الوجداني )الأم( منضما الى عالم الحرب والصراع متخليا عن مقولاته.. والمقولات في هذا الشكل كثيرة لعل الفيلسوف الفرنسي الشهير سارتر كان واحدا ممن ميزوا وجودية الحياة.. وإذا ما قرأ أحدكم مسرحية الأيدي القذرة سيجد فكر ما بعد الحرب ومنها أيضا مقولات جيمس جويس وصمويل بكت وكل ما جاء بعد الحرب وأثناءها.. ولعل الثقافة المعاصرة وحرب الخليج استثارت أكثر من مفكر خليجي ليكتب الحياة العربية في واحد من اتجاهات الحرب والسلام الا أن الدعوة الى صراع لخلق ديناميكية الحياة أو التسليم بمبدأ الصراع كحقيقة كانت الأبرز في النص.
استطاع المخرج ناصر الباز التخلص من الحوارية الكثيفة التي تغلق النص وتغلب عليها بوسائل مسرحية تراوحت بين الضوء والتهريج.. واستطاع الإمساك بالصالة طيلة العرض بطرح صور كاركتورية أحيانا كانت خارج السياق ولكني أعتقد جازما ان العرض كان أكثر تشويقا ووصولا من العروض لهذا النص السابقة التي أخرجها مؤلف النص الجمعان.. لأن المخرج ناصر الباز كان معني بتوصيل الكثير من الجمل والعبارات لتكون بيد المتفرج.
لم يستطع ناصر خلق خط متوازن في المشوقات الترفيهية من الكوميديا على طول العرض ففي آخر العرض كما كان مشغولا بالمقولات الكثيفة للنص وأظنه وازن المسألة بعقل فهو أمام أن يلغي كثيرا من مقولات العرض في إعداده الترفيهي أو أن يبقيها فغلبه حبه لنصوص الأداء القوية فقرر أن يبقي القوة الدرامية للعرض من النصف الأخير مقدما الكثير من البهارج الضوئية والسينوجرافية للابقاء على مشاهديه الذي استمتعوا بعوض قوي يستحق التقدير ويعتبر علامة من علامات المسرح الجامعي يضاف الى مسرحيات قليلة للشباب مثل نايف خلف وصالح العلياني ومشعل المطيري وغيرهم.. وهم المخرجون الواعدون في المسرح السعودي هذه السنين.
باختصار أقول لقد استطاع الباز القضاء على صعوبة العرض وكثافته النصية أيضاً استخدم الأقنعة مع الجوقة والراوي وهي المؤثرات التي لعبت أحيانا أدوارا تفسيرية خارج المسرح.
تميز مع ناصر الباز عدد من الممثلين الذين يخطون خطوة متقدمة ليصيروا من نجوم المسرح القادمين اذا لم تبعدهم وسائل الحياة.. ومنهم الفنان الذي قام بدور التهريج الجسدي الأول عبد الله الدوسري وهو أحد أعضاء ورشة التدريب المسرحي كما برز الى جانبه كل من بندر السبيعي وياسر العثمان والاثنان معروفان جيدا في المسرح الجامعي كما مثل في الأدوار الرئيسية عبد الله هليل وعلي حساني وآخرون والمسرحية وكلما واصل بعض هؤلاء طريق المسرح فسيكون لهم مستقبل مشرق.
نسب المخرج لنفسه كل المؤثرات السينوغرافية والتي حقيقة كانت اضافة جيدة للعرض ولو أني رأيت ان هناك اسرافا في بعض هذه المؤثرات أدى الى تساؤل عن أهمية وجودها في العرض.. كما كان هناك اسراف في الديكور والأكسسورات قصد منها فقط ملء الفضاء المسرحي الكبير وبعضها كان استخدامه في غاية المحدودية وغير الديكور افتراضية النص الأصلي عن القبو بصفته مكان الى فضاء المدينة بكاملة فكانت المدينة تقبع في الخلفية مرعبة مرتعبة.
والعمل بمجمله يأخذ درجة عالية تصل الى جيد جدا.. وهو بتفوقه يرسم الطريق لكثير من العاملين ويقول أن سر المسرح والدراما في النص والاخراج الواعي.. ويقول للبعض ممن يشاركوننا الساحة انك تستطيع الكذب في كل شيء إلا الفن والمسرح بالذات فهنا لا يصح الا الصحيح ولا يصدق الا الصادق وهذا عرض مخلص صادق قدمه فنان راقي الحس.. ونحن منذ زمن لا نجد من الأعمال المسرحية ما نكتب عنه.. فأتمنى أن يكون هذا العمل مع عمل سابق قدمه نايف خلف بعنوان السيف والقلم هما فاتحة الباب لأعمال أكثر جودة وتفوق وأن لا ننتظر طويلا قبل الكتابة عن عرض آخر.
إشارة
مهرجان المسرح السعودي في دورته الرابعة لازال بدون راع لهذا العام مع أن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ممثلة برئيسها الأستاذ محمد الشدي أعربت عن رغبتها في تبنيه.. والجمعية الى الآن لم تعلن رسميا عن تبني هذا المهرجان مع أن موعد انعقاده يقترب مما يجعلنا نهيب بالجمعية السعودية للثقافة والفنون الاعلان عن ذلك أو تحويل الأمر الى مقام رعاية الشباب لتتبناه أو تترك أمر تبنيه لجهة أخرى من الجهات المنتظرة دون أن يرجأ موعده لأن المهرجان السعودي واحد من ثلاث مهرجانات مسرحية تشارك فيها كافة القطاعات المعنية بالمسرح واستضافته في السابق ثلاث جامعات هي الملك سعود فرع القصيم وجامعة الملك عبد العزيز بجدة وأخيراً جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.. ثم أعلنت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون انها سوف تتبناه ولم تعط الجمعية أي اشارة الى الآن عن اللجان المنظمة أو جهات التنظيم أو التمويل مع ان الوقت أزف كثيرا ولذلك نتمنى أن تفعل رعاية الشباب وهي الجهة الأم للأنشطة المسرحية ما تستطيع لإخراج المهرجان السعودي المتعثر من عنق زجاجة التنظيم والاستضافة التي وقع فيها وأن تشكل لهذا المهرجان لجنة دائمة تحدد المستضيف وتبعده عن التقاذف الاعلامي والأدعاء بأنه مسرح جامعات لأن هناك كثيراً من الجهات الأهلية وفروع جمعية الفنون تعرض خلاله سنويا أعمالها.
نرجو ان نسمع رد مقام رعاية الشباب بتبني هذا المهرجان وتكوين لجنة تنظيم دائمة له.
Othaimm@hotmail.com
|
|
|
|
|