| مقـالات
كل منا مهما كانت مكانته الاجتماعية والوظيفية او حتى درجته العلمية ومهما كان في غنى عن الناس سواء مادياً أو غيره ، هو في حاجة الى التفاتة بسيطة جميلة ممن هم حوله، التفاتة تشعره أن له مكانة بينهم، هو بحاجة لأن يُكرَّمَ تكريما يليق على الأقل بحجم مكانته وحجم انجازاته وابداعاته غير المسبوقة.
هو بحاجة لهذا التكريم الرسمي بالذات وعلى مشهد من الجميع من قبل عمله ومن قبل المسؤولين ومن قبل الجهات الرسمية في الدولة ذات العلاقة ، خاصة اذا كان هذا الانسان مميزا ومبدعا وله دور واضح وبصمات ملموسة على المحيطين به من حوله وعلى افراد مجتمعه بشكل عام ممن لامسهم هذا الابداع وتأثروا به واستفادوا منه . كل هذا طبعا ليس لأن عمله متوقف على هذا التكريم، وليس لأنه سوف يتوقف عن العطاء إن هو لم يُكرَّم أبداً! ولكن المسألة أبعد من ذلك بكثير!
المسألة يا إخوان ويا أخوات مسألة نفسية، مسألة تقدير، فالتكريم أيا كان نوعه ومهما كانت هيئته ومهما كانت بساطته فهو يعني شيئا آخر يعطيك أنت كانسان إحساسا مختلفا، شعورا مغايرا عما تعودت عليه، إنه باختصار يعني تقديرا لما قمت به وشكرا عمليا لما بذلته واعترافا بالجميل لجهودك المميزة وابداعاتك غير المسبوقة، هذا فقط تشعر به، حينما تحصل عليه من رئيسك في العمل مثلا، فكيف هو الحال حينما تحصل على التقدير من جهة كبيرة او من أعلى هيئة في الدولة؟! ان هذا التكريم مهما كان قليلاً أو بسيطاً أو متواضعا أو حتى شفهيا إلا أن له في أحياناً كثيرة مفعول السحر عند البعض، ورغم ان هذا التكريم سوف لن يكلفنا الكثير الا أننا نبخل به في كثير من الاوقات على من يستحقه ممن يعملون به معنا، أو أننا لا نوليه الاهتمام الكافي أو اننا حتى وان فكرنا به فبعد فوات الآوان بعد وقت متأخر حيث يفقد طعمه وبريقه! اواننا لا نكرم فلانا الا بعد ان نرى غيرنا يكرمه ونحن اولى بتكريمه! ان جمال التكريم وطعمه يكمن في وقته في عز فرحته في أوج نشوته، وليس بعد ان يمر على المناسبة وقت طويل او سنوات عديدة، لأنه والحال كذلك، فلن يُستقبل هذا التكريم بنفس الروح والكيفية التي سوف تكون كما لو كان في أوج المناسبة وفرحتها!
المشكلة - وهذا شيء مؤسف حقاً! - أن مبدعينا في كافة المجالات لا يعرف قدرهم وقيمة ما لديهم من طاقات فكرية ومخزون إبداعي هائل ومتجدد سوى أولئك الاجانب او الدول الاخرى ممن يبحثون عن مبدعينا ويتصيدون لهم ويفتحون لهم أياديهم ويغرفونهم بكل ما يستطيعون من أجل ان يظفروا بهم ويحصلوا عليهم ويستفيدوا منهم أكبر استفادة ممكنة، اما نحن هنا، فإننا نلزم الصمت حيالهم وحيال كل ما يجري! او ان نقلل من قيمة هذا التكريم لهذا الانسان أو ذلك ونشير اليه كخبر عادي لا يلبث ان يزول بعد أيام! أو ان نبدأ في الالتفاتة إليه ولكن متى متأخرين جداً بعد فوات الآوان، ومحظوظ جداً هذا الانسان المبدع الذي سوف يكرم وهو في عز شبابه بل حتى في اواخر أيامه! وهنا ينبغي ان نطرح سؤالا هاماً وعلى درجة كبيرة من الاهمية وهو : هل التكريم ينبغي ان يكون مرة واحدة وعن طريق احتفال وجوائز وحسب ؟ أم أنه ينبغي ان يستمر باشكال أخرى لعل اهمها توفير الجو المناسب لهذا الانسان المبدع كي يواصل ابداعاته؟ وهناك قضية اخرى لا تقل أهميةفي نظري المتواضع وهي اننا بحاجة ماسة لأن نعي تماما أن التكريم لا يعني فئة معينة، لا يعني العلماء والمفكرين او رجال الاعمال او حتى الموظفين فحسب، وإنما هناك فئة من فئات المجتمع هي من تحتاج الى دعم وتشجيع ومؤازرة وتكريم خصوصا من قبل المسؤولين هذه الفئة هي أولياء أمور ذوي الاحتياجات الخاصة ممن ابتلاهم الله بإعاقة ابنائهم وبناتهم، ومع ذلك لم يقبعوا في أماكنهم ولم يستسلموا ويداروا اعاقة اطفالهم او يخفونها بعيداً عن أعين الناس بل خرجوا وواجهوا المجتمع ، والأكثر من ذلك انهم اصبحوا عنصراً فاعلاً في توعية المجتمع وتبصيره وتنويره لانهم والحق يقال اصبحوا خبراء في هذه التوعية من الاعاقة التي ابتلى الله بها اطفالهم. وما احوجنا الى تكريم أولئك المبرزين والمبدعين من أولياء الامور ممن ساهموا وبشكل عملي متواصل في حفظ حقوق هذه الفئة الغالية من أبناء وبنات مجتمعنا وممن اصبحوا اعلاما يشار إليهم بالبنان ليس على المجتمع المحلي بل وخارجيا على المستوي العالمي .. حيث اصبحت مشاركتهم في الندوات واللقاءات العلمية حول موضوع معين من الاعاقة مطلبا بهدف الاستفادة من خبراتهم واسهاماتهم في هذا الموضوع وهذا لعمري اكبر تقدير لهم. وفي اعتقادي الشخصي وبحكم احتكاكي بهذه النوعية المميزة ان من بين هؤلاء الاستاذ «ياسر الفهد» أب لطفل توحدي او هكذا يحب ان يطلق على نفسه.. وهكذا تحترمه. هذا الانسان وبدون أدنى تحفظ يستحق ان يطلق عليه مبدعا بشهادة الجميع ويكفيه فخر أنه عرَّف المجتمع بمفهوم التوحد وأصبحت كتاباته في الصحف والمجلات من حين لآخر مرجعاً للكثير من أولياء أمور الاطفال التوحديين ممن يبحثون عن معلومة من هنا وهناك في وقت لم تكن فيه المعلومة متوفرة عن هذا الموضوع بالذات رغم ان الاضطراب نفسه موجود وبكثرة، وهذا ما لمسناه في الفترة الأخيرة. يكفيه هذه الهالة التي حظي بها التوحد في الفترة الاخيرة واصبح حديث الناس وتساؤلهم، بل يكفيه اعتراف المسؤولين في الوزارات المعنية بقصورهم مع هذه الفئة وتأكيداتهم على انها سوف تحظى بالدعم والخدمات كغيرها.
يكفيه انه مرجع لاولياء الأمور ممن يعانون المشكة ذاتها وانه المتحدث باسمهم والمدافع عن حقوقهم. بل يكفيه هو فخراً ان وجد جميع أبواب المسؤولين مفتوحة له ليستمعوا له بانصات في حين لم يأخذ غيره هذه المبادرة رغم ما شكلته له تلك المبادرات من احراجات واشكاليات ولكنه الهم الذي كان بداخله والرسالة التي كان يؤمن بها والتي كان يجب ان توصل للمجتمع قبل المسؤولين أنفسهم. وهذا الانسان ليس بحاجة لشهادتي ولكن يكفي انه كُرم خارج بلده حول اسهاماته في التوعية بالتوحد والتعريف به وليس اقلها من الفلبين وبريطانيا.. ولقد اسعدني جداً تلك المبادرة غير المستغربة أبداً من الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة «صاحبة المبادرات الحقيقية» بتكريم ياسر الفهد اليوم الخميس مساءً في الحفل الذي يرعاه صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز نظراً للدور الرائد والمميز في اقتراح وجبة الاطفال التوحديين وقد تم اعتمادها رسمياً من الخطوط السعودية كأول طيران يهتم بهذه الفئة وقد سبق للخطوط السعودية أيضا ان قامت بتكريم «ياسر الفهد» للغرض نفسه وهذه نقطة ذكاء ومحل تقدير تحسب للخطوط السعودية كونها تبنت الابداعات الوطنية وشجعتها وبالذات معالي مدير عام الخطوط السعودية الذي سيكرم هو الآخر على تلك اللفتة الجميلة.
فهنيئا لياسر هذا التقدير من جمعية نكن لها كل الاحترام والتقدير وهنيئا له حب الناس ودعواتهم له وهنيئا لنا بمسؤولينا على هذه الشفافية في تلمس احتياجات المبدعين وتقديرهم في كل مجال. وكما قلنا في البداية فالابداع ليس قاصرا على جهة رسمية أو على عبقرية فذة او في مجال محدد ابداً فأنت بامكانك ان تكون مبدعاً أياً كان وضعك واينما كنت ومع من كنت بامكانك ان تكون مبدعاً مع اقرب الناس اليك واحبهم الى نفسك فكلمة «أحبك» مثلا بامكاني ان اقولها بعبارة أخرى أكثر ابداعا، بامكاني ان انقلها لك بأشواقي الحارة المتأججة بداخلي نحوك، بلهفتي الشديدة عليك بل حتى بغيرتي غير العادية عليك بامكاني أن أقولها لك حينما أسأل عنك وأطمأن عليك، حينما أصغي إليك وأتفهم لك واتقبل منك حينما أحس بك دون ان تشتكي لي أو حتى قبل ان تفاتحني بما يقلقك.
الابداع إحساس نابع من الداخل يحتاج الى تنمية تماما كما هو الحال مع النبته الصغيرة التي بحاجة للماء كي تنمو وتكبر وتزداد جمالاً وتألقاً.
والابداع تضحية وكونك تعطي وتعطي دون ان تأخذ فهذا قمةالابداع أيضا لأن الابداع لا يتوقف عند حد معين.
الابداع شلال متدفق لا يتوقف أمام جسور خرسانية الى الأبد، ولانه كذلك فلابد ان يبحث عن طرق أخرى يسير فيها وهكذا ينبغي ان يكون الحب شلالا متدفقا وعطاء صادقا وتفهما متبادلا واحساسا عميقا بالطرف الآخر.
ولهذا ينبغي ان يكون الولاء للدين الذي مَنّ الله علينا به وللوطن الذي اعطانا دون حدود ولولاة الامر الذين نقف معهم ولا نبخل عليهم بدعواتنا. الابداع باختصار وباختصار شديد، هو أنت حينما تريد أن تكون انت ولا احد غيرك، وهذا ما وجدته فيك، فهلا سمحت لي أن أشاركك إياه؟ ان احتفل به معك؟ أن اهنئك به؟ انه يومك فلا تنسى.
* همسة *
لا أنكر..
أنني ربّما كُرِّمتُ من هنا وهناك..
بشكل أو بآخر..
لا أنكر..
أنني سعدتُ بهذا التكريم..
فرحت من أجله..
* * *
ولكنني حينما كُرِّمتُ منك حينما أعطيتني إيّاه بنفسك..
أصبح له عندي معنى آخر!
مذاق مختلف تماماً!
لم اعهده من قبل!
احسست بنفسي!
بقيمة ما لدي..!
شعرت بالدمعة تنزل من عيني..
وكأنني أفرحُ لأوّل مرّه!
كأنني طفل صغير..
تسلَّم مكافأة يوم نجاحه!
* * *
فيالها من فرحة!
تلك التي شعرت بها..
وانا أكرَّمُ منك!
وانت من انت!
لقد كان حلماً!
وأيُّ حلم!
* * *
كم شعرت بفرحتي..
لا تعادلها سعادة الدنيا!
وكم اود الاحتفاظ بها..
لنفسي دون غيري!
دون ان يشعر بها سواي!
ولكنني..
لن أكون أنانياً!
لا أريد هذا التكريم..
لي أنا وحدي
بل أريده لغيري أيضا..
ممن يستحقونه..
ممن ينتظرونه..
ممن سوف تتغير حياتهم للأفضل..
ممن سوف يزيد عطاؤهم أكثر..
حينما يكرمون..
حينما يشعرون..
حينما يلمسون..
ان هناك من يهتم بهم..
من يقدِّر تضحياتهم..
ومن يعترف لهم بالجميل
* * *
لقد آن الآوان
لأشكرك من كل قلبي..
على وقوفك معي
على إحساسك بي
لأقول لك!
بكل صدق وصرامه..
نعم.. لم يَخبْ ظني بك..
حينما قلت:
بأنك لن تخذلني يوماً..
لان من يقدّر الابداع..
لابد ان يكون..
هو الإبداع نفسه!
|
|
|
|
|