| عزيزتـي الجزيرة
في صباح يوم السبت السابع والعشرين من محرم سنة 1422ه المصادف للحادي والعشرين من ابريل 2001م تشرّفت بالسلام على صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز بالرياض.
وكنت في ثلة مباركة من المؤرخين والمفكرين العرب الذين جاءوا بفكرهم وآرائهم ورؤاهم للمشاركة في الندوة العلمية التي تعقد في الرياض في رحاب دارة الملك عبدالعزيز بعنوان «المملكة العربية السعودية وفلسطين علاقة التاريخ والمصير» والتي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز من هنا تشرّف المشاركون في هذه الندوة بالسلام عليه والاستماع إلى توجيهاته وآرائه السديدة قبل بدء أعمال الندوة.
وكان الاستقبال والحفاوة التي استقبل بها الأمير ضيوفه مرحباً بهم ومكرماً لهم وباشاً في وجوههم بدون استثناء حتى انه كان حريصاً عليهم وعلى جلوسهم قريباً منه، مرحباً بهم في بلدهم وبين اخوانهم ثم بدأ معهم بالحديث المرتجل غير المتكلف فيه، ولسان حاله يقول: دعوني أقول لكم حديث العربي المسلم المسؤول من القلب الى القلب دون اعداد مسبق أو بروتوكول خاص ويعلم الله أنني في هذه الحالة قد تذكرت بالصوت والصورة مجالس الملك عبدالعزيز يرحمه الله التي يتحدث فيها على سجيته بكل وضوح وبدون أدنى تكلف فهو يسمي الأشياء بأسمائها ويحدد الأسباب ويبين علاجها، ولا غرابة في ذلك الآن فهذا الشبل سلمان بن عبدالعزيز من ذلك الأسد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
وقبل أن أنقل القارئ الكريم الى ما سمعته ووعيته من ذلك الحديث الصادق والواضح، أرجو أن يسمح لي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز بطرح هذه المشاعر وكتابتها للقارئ بكل أمانة ووضوح لأنني عرفت أن سموه - يرعاه الله - وبكل تواضع رفض أن تسجل هذه الكلمة أو تكون لها الصفة الرسمية المقننة، ولأنني من طلبة علم التاريخ الحديث والأمانة العلمية تحتم علي أن أكون شاهد عدل لكل ما أراه وأسمعه، وما رأيته وما سمعته ونبل مقصدها بعيداً عن الضوضاء الإعلامية ودغدغة المشاعر العامة من الناس ودهماء الشعوب.
«إن قضية فلسطين قضيتنا وأمنها أمننا واستقرارها هو أمننا واستقرارنا ويعلم الله أنني أعيش بكل جوارحي على مدار الساعة مع الشعب الفلسطيني مع أطفال الحجارة مع النساء والشيوخ والشباب فنحن منهم ولهم بكل ما نملك من جهد ومال».. بهذه الكلمات استهل الأمير سلمان بن عبدالعزيز لقاءه بضيوفه مؤكداً لهم ان هذه الندوة لم تعقد لهدف سياسي القصد منه تقديم المديح لهذه البلاد وقادتها ومواقفها، ولكنها ندوة علمية أوجبت المتغيرات التاريخية التي يعيشها العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص عقدها لابراز الحقائق التاريخية واظهار الثوابت الصادقة التي سارت عليها المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى الآن والتي لم تتغير ولم تتبدل في أي يوم من الأيام، والمؤرخ الثقة والعالم المتمكن لابد أن يعرف الحقيقة ويبحث عنها ويعطي كل ذي حق حقه، وهو ما يجب أن يعرفه الجميع، بارك الله فيك يا ابن عبدالعزيز وبارك في قولك ومقولتك فوالله إن هذه البلاد منذ أن وحّد أطرافها ووطد أركانها والدكم العظيم فهي قائدة ورائدة ورجالاتها هم أزهد الناس في المديح ولكنهم يريدون الحقيقة الصادقة والمجردة ولاسيما في وقتنا هذا الذي خلطت فيه الأوراق وزورت الحقائق وأصبح التزييف هو المطية التي يسهل ركوبها في مثل هذه الأحداث.
في حج عام 1365ه/ 1946م وقبل وجود الدولة الصهيونية في فلسطين كان الملك عبدالعزيز مدركا لهذا الوضع الخطير وحاول مع القادة العرب معالجة هذه الاخطار مؤكداً أنه لا يحب كثرة الكلام والعمل الدعائي وأن أهم ما يشغل فكره هو قضية فلسطين التي لا يجب السكوت عليها فهو لن يتردد في دعمها بكل امكانياته وسيجاهد في سبيلها بالغالي والنفيس وقد وعد ووفى وسار أبناؤه على منهجه من بعده ولم يحيدوا عنه قيد أنملة، فتركوا الدعاية والإعلان وأخذوا بالعمل الجاد والمثمر بعيداً عن الشعارات البراقة والطروحات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقد تجلى سلمان بن عبدالعزيز في هذا الحديث المرتجل الصادق والرجل صنو أبيه وأكد لهؤلاء الصفوة من الوطن العربي ان مواقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية لم تكن لأهداف آنية وذاتية، وليست لأهداف سياسية واستراتيجية تريد المملكة تحقيقها من خلال مواقفها، بل هي مواقف شرف وإباء أملتها عليها عقيدتها الاسلامية الصحيحة وانتماؤها العربي الأصيل.
ولو أن المملكة العربية السعودية هرولت في أي نوع من علاقاتها تجاه إسرائيل كما فعل البعض لتغير موقف كثير من وسائل الاعلام التي تناصب المملكة العداء وتشكك في مواقفها وتتجاهل مواقفها الصادقة ودعمها اللامحدود.
ثم تساءل أمير الرياض صاحب الثقافة التاريخية والمميزة بقوله: هل تعلمون أن هناك في عالمنا المعاصر أكثر من عبدالله بن سبأ ذلك اليهودي المنافق الذي ظهر في صدر الاسلام وكانت مواقفه مع المسلمين أساس كل بلاء.. إذاً فالصهيونية العالمية وأتباعها هم من سلالة ابن سبأ والخوف كل الخوف ان يكون له أتباع من وطننا العربي ونحن لا نتمنى ذلك، لأنهم إن وجدوا حققوا لهم أهدافهم بيننا بسهولة وأنتم أعلم بذلك؟
لله درك يا ابن عبدالعزيز، إن أباك - يرحمه الله - قد قال في لقاء مع ضيوفه ذات مرة «لو أن أعداءنا ما وجدوا من يساندهم ويدعمهم ويحقق لهم أهدافهم بيننا لما استطاعوا أن يحققوا مآربهم فينا ويهددوا مصالحنا» إذاً هذا هو سلمان بن عبدالعزيز ينهج نهج والده ويأخذ من سجاياه الحميدة وصفاته النبيلة.
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوّده أبوه |
فهنيئاً لهذه الأمة التي أنجبت عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأبناءه من بعده الذين حملوا الراية وأدوا الامانة وصدقوا الله في أفعالهم وأقوالهم. وأنا هنا أقف إجلالا واحتراما لهم ولنهجهم الفريد، وأتوقف عند التدوين لكل ما دار في هذا اللقاء لكيلا يعتقد أنني أكتب للمدح والاطراء وهو الشيء الذي يرفضه سلمان بن عبدالعزيز ولا يرغب في طرحه بأي حال من الأحوال ولكنني هنا أردت أن أثبت للقارئ وللمتخصص أن سلمان بن عبدالعزيز قد طرح في لقائه هذا مع صفوة المثقفين والمؤرخين الرؤية الحقيقية لمواقف المملكة العربية السعودية بعيداً عن الضوضاء الإعلامية والشعارات الزائفة التي باتت رائجة بصورة عجيبة، لكن البقاء للأصلح والزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض... والله الهادي إلى سواء السبيل.
الدكتور عايض بن خَزَّام الروقي
أستاذ مشارك التاريخ الحديث والمعاصر
بجامعة أم القرى
|
|
|
|
|