أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 25th April,2001 العدد:10436الطبعةالاولـي الاربعاء 1 ,صفر 1422

مقـالات

ثابت بن قُرَّة في أمريكا!
د. مساعد بن عبدالعزيز العبداللطيف*
قبل بضع سنوات كنت طالباً في جامعة الينوي الأمريكية، تلك الجامعة العريقة التي تضم ما يربو على خمسين الف طالب يشكلون معظم سكان تلك المدينة الصغيرة «أربانا»، مدينة جامعية تحوي أجناساً مختلفة من شتى بقاع العالم،
ومع ذلك فقد كنت وحيداً، ومن اولئك الذين حملوا الكثير من الهموم والتي يأتي في مقدمتها الغربة وويلاتها. لقد اختلفت الحياة كليةً عما عهدناه في الوطن. اختفت البشاشة، اختفى السلام، اختفى الأذان، اختفت روحانية الدين ومناسباته العظيمة لم يكن رمضان رمضاناً ولا المحرم محرماً، ولقد كدنا ننسى ترتيب اشهرنا العربية و«تقويمنا» العظيم، وقد قالها زميلنا الشاعر:


ماعدنا نعرف من جراء غربتنا
هل المحرم بعد الحج أم صفر

كنت وحيداً في تخصصي «الرياضيات»، كما هم الرياضيون! ندرة متناقصة وقلق متزايد تجاه علم من اقدم العلوم واعرقها ومازال يعاني من قلة طالبيه. كنت الوحيد العربي من بين اولئك الطلبة. ادخل قاعة الدرس والتي تحوي مايقارب الأربعين طالباً او يزيد، ولم يكن الأمريكيون يشكلون سوى ثلاثين بالمائة. لكن المعلم كان امريكياً، و كان قمة في العلم والتعليم، كأنه الرياضيات تمثلت في إنسان! دخل ذات يوم وبدأ درسه عن نظرية الأعداد ثم واصل سرد بعض النظريات والتي كان يتعمق احياناً في اثباتها. كا يتحدث عن نظريات «الأعداد المتحابة»«1»، ثم توقف عند إحدى هذه النظريات وكتب اسم صاحبها ثم نطق اسمه الاول وعجز عن اكماله فطلب مني ان اصحح نطقه! لقد كانت احدى نظريات العالم العربي ثابت بن قرة، نطقت اسمه وسط دهشة الطلبة. ثم بدأ يخبرني عن ثابت وانجازاته في القرن الثالث الهجري وكأنه هو العربي وأنا الامريكي!.
لقد كان موقفاً عجيباً لم أمر به ولا اعتقد حدوثه في مستقبل ايامي، وذلك لامتزاج شعورين قلما يلتقيان، شعور بالحرج وشعور بالعزة، شعرت بالحرج لجهلي بذلك العالم العربي وإنجازاته التي بلغت الآفاق، وخفّف ذلك شعور العزة والاستعلاء المتولد من احساسي بالانتماء لذلك العالم الذي مافتئ معلمي يعدد ابداعاته. خرجت من قاعة الدرس ذلك اليوم برأس غير الذي دخلت به، خرجت أغني امجاد الماضي وكأني افضل الطلبة، ولم اكن بأفضلهم. خرجت وكأني في القرن الثالث الهجري اسبح في بحر من الخيالات، وآليت على نفسي ان ادرس سيرة ذلك العالم وتاريخه.
انظر الآن الى طلبة المرحلة الثانوية وهم ألوف، فلا يساورني شك في نبوغ بعضهم ولو كان قليلاً، لديهم من الإمكانات المادية مالم يحزه ثابت بن قرة وصحبه. لندعهم فقط يعيشون تلك البيئة السليمة، نريد ان نكتشفهم اولاً ثم نساعدهم بالدعم المادي والمعنوي ليحققوا الابداع. ألا تعلم ان اقرب صاحب لثابت بن قرة هو الخليفة المعتضد الذي دعمه وآزره أيما مؤازرة. نريدهم ان يعيشوا بيئة الثقة والابداع ولو كان ذلك في الارقام والأعداد. نريد ان نكتشفهم فهذا اول هدف من الاهداف التي اخذها المركز الوطني للعلوم الرياضية«2»، على عاتقه،
فقام بتنظيم مسابقة وطنية في الرياضيات لطلبة وطالبات المرحلة الثانوية بالتعاون مع وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات، وذلك في كل من الرياض وجدة والدمام. نعم، لقد زاد شعوري بالعزة وازداد في هذه الايام وذلك مما رأيته من نتائج متقدمة للطلبة والطالبات في تلك المسابقة تبشر بإبداعات جديدة للرياضيين العرب.
*المشرف على المركز الوطني للعلوم الرياضية بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية
)1( نقول عن عددين أنهما متحابان اذا كان مجموع قواسم أي منهما مساوياً للآخر.
)2( التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved