| الطبية
العلاقة بين العمل والصحة النفسية معقدة جداً فالعمل من حيث دوره في صياغة النفس والثقة بها والاستغناء عن الآخرين والشعور بالعزة يعد رافداً أساسياً من روافد الصحة النفسية الجيدة والايجابية.. ولكن العمل من الجانب الآخر يشكل ضغطاً نفسياً مستمراً يعد من المهم الاحاطة به والتعامل معه وإلا قد يؤثر تأثيراً سلبياً على الصحة النفسية.
متى يكون العمل إيجابياً:
إذا كان عملاً يطور مهارات الإنسان من حيث قدرته على التوافق والعلاقات المقننة داخل العمل، فالعمل الشكلي الذي ليس فيه أي استعمالات للمهارات الشخصية بأنواعها عمل غير عائد بالنفع نفسياً على الفرد، إذ من أدوار العمل تعزيز الثقة بالنفس والاعتزاز بالانتاج اذا كان جو العمل جو تعاون وتفاهم يحترم وجود الفرد ويقدر جهده ويجب ان يتمتع بصيغ إدارية ومهام وظيفية تجعل كل فرد يعرف ماله، وما عليه مع صب هذا الترتيب في إطار قائم علي التعاون والدعم المشترك لكل العاملين من قبل بعضهم البعض.
مناسبة العمل للشخصية، فلكل شخصية منا طابع معين يجعل بعض الأعمال أنسب لها من بعض، فالإنسان القلق من التواجد مع الكثيرين سيكون من الصعب عليه ان يعمل في وظيفة استقبال للجمهور أو في صالة مزدحمة كما ان الشخص الحساس الذي يجامل الآخرين يصعب وضعه مسؤولاً عن مجموعة من الموظفين قد يضغط كثيراً على نفسه بسببهم ويتحمل من المشاق والضغوط النفسية ما ينهكه نفسياً.
وكذلك الأشخاص الدقيقين جداً والذين يجدون حاجة للإشراف المباشر على كل صغيرة وكبيرة فإن عملهم كمسؤولين عن عدد كبير من الأعمال والموظفين سيكون مرهقاً لهم لعدم قدرتهم على تفويض الأعمال والاكتفاء بالتقارير على سبيل المثال.
العمل الملائم للظروف الشخصية سواء من حيث الموقع أو الدوام، فالعمل الجزئي مناسب وأقل ضغطاً نفسيا للأم مثلاً، وكذلك العمل من داخل المنزل بالذات للنساء شرط ان لا يكون عملاً غير منضبط بوقت محدد او جهد محدد إذ قد ينافس أولويات الحياة الشخصية والعائلية.
العمل المنتظم في الزمان، فالساعات المحددة للعمل تجعل الفرد يستطيع الاهتمام بأموره الشخصية ويستطيع الاسترخاء، العمل المحدد من حيث جدوله وواقعه، فقد وجد ان من أكثر الأعمال ضغطاً نفسياً الأعمال غير المحددة مثل وظيفة السكرتير مثلاً تعد من أسوأ الوظائف لأن فيها أوامر مفاجئة كثيرة ومنها خدمة فرد لمجموعة كبيرة من الأفراد جداولهم وظروف عملهم وشخصياتهم. والقائمة تطول لكن اختم بأن من مصلحة رب العمل ان يهتم بالعمل على جعل العمل أوفق للصحة النفسية إذ ان هذا في المعتاد يرفع معدل الأداء والإنتاجية ويخفف من تأثر العمل بالغياب أو المرض الذي هو مرتبط بالضغط النفسي داخل بيئة العمل والله أعلم.
د . عمر المديفر
استشاري طب نفس الأطفال
|
|
|
|
|