* قرأت قصيدة الأخ الأستاذ الشاعر.. فاروق بنجر المنشورة يوم «الاربعاء»، بعنوان تراتيل من قصيدة «معتز» وفي هذا الشعر، يبكي الشاعر فقيده الغالي ابنه معتز الذي رحل.. قبل اسابيع ضحية دهس ، وهو في زهرة العمر، طالب بكلية الطب في جامعة ام القرى، وحق للأب المحزون.. ان تذرف عيناه دما على غاليه، ونحمد له صبره وبعده عن الجزع، فقد رأيته في أمسيات استاذنا عبدالله عبدالجبار صامدا، ولعله في داخله يفور كالمرجل، ومع ذلك يجلله الجلد، فحمدت له صبره، فقد كان عند الصدمة الاولى، فله التهنئة على جلده، وله من خالقه البشرى على احتمال المصيبة!
* الاستاذ فاروق شاعر، وراقني ما قرأت له من شعر، لأنه كان مجيدا، لكنه في بكائيته اختلف شيئاً ما، وأنا وسواي نعذره، ذلك انه كان يبكي وهو يتحدث، فتلعثم لسانه، ففقد نطقه الوضوح، فلم يبن.. ولم نر له تلك الديباجة التي اعرفها، وربما هذا الشعر.. لو جاء بعد بعض الوقت لكان مع حزنه رائعا، لأن الحزن حين ينسكب في البيان، نجد له صدى ومعاني رائعة، وقد قرأنا الكثير من شعر الرثاء لكبار الشعراء، فكان صورا فنية جمالية، ذلك ان روعة البيان تغلبت على المأساة والحزن.
* وللتدليل على ان الشاعر الحزين.. لم يستطع ان يتغلب على مشاعره الداخلية وهو يصور حاله بعد الصدمة، ويصف فقيده وأحلامه، فجاء شعره مضطربا.. في حزنه الداخلي، الذي يمضّ نفسه، ويشحن احاسيسه بلهب اللوعة، وماذا نتوقع في نفس مشحونة بأسى، دامية محترقة ملوعة بمصيبتها الفجائية، الا يختل توازنها، وتفقد السيطرة على كوابحها، فتجيش في متنفسها بالحديث شعرا ونثرا!؟ ومع ذلك ففي هذه البكائية نماذج شعر جيد حي، يستحق ان يُقرأ وأن يتوقف عنده!.
يقول الشاعر فاروق بنجر:
أثرت في القلب نهرا من أنين ضنى
وهجت موج حنين يبعث الشجنا
وقلت عني الذي عانيته كبدا
حرى.. وحبة قلب لم تدم زمنا
كابدت حزني في شعر ترقرقه
نبعا يشع أخاً في العاطفين حنا
* مقدمة تصويرية يسوقها الشاعر في مرثية لابنه، والقصيدة طويلة.. ابياتها تسعة واربعون ولعل الشاعر جنح الى هذا المتنفس، فأطال الحديث. ليفضفض عن كمده.. وكبته لمشاعره الملتهبة!
قلبي عليه مساء باكيا طفقت
تبكيه انفاس من قد ابصروا الكفنا
رأوا حطام فتى مني مبعثرة
بين الحديد، رأوا حزنا إليه رنا
رأوا على مطرح الأشلاء والدة
تهوي على الجسد الدامي تنوح ضنى
كنا معا شبه عصفورين في غصن
ثم افترقنا فأضحى غصننا دمنا
من لي بمثل صباه الصبح، من لغدي
في وحشة الدرب امشي فيه، اي غنى
* وهكذا حياتنا، كما قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله عن الدنيا: انها تسر قليلا وتجر هماً كثيراً، عزاؤنا ومواساتنا للأخ العزيز الشاعر فاروق بنجر في مصابه الجلل، وهو مصاب والدة الفقيد وأسرته!.