| الثقافية
التاريخ منذ بداياته الأولى مسرح للقوى والجماعات المتصارعة والحركات التاريخية الكبرى التي شغلت وسط هذا المسرح وهيمنت عليه ، وهي نتاج لصراع مصالح هذه القوى والجماعات وعقائدها وتصوراتها ، ان واحدة من أولى مهام العلوم الاجتماعية في اطارها الشمولي هي تحديد موقع الجماعة في هذا الصراع التاريخي والحركات التاريخية الكبرى التي يتسبب بها . وهذا الكتاب ينطلق من مقولة ، إن من ينادي بنهاية الصراع ، ينادي في الواقع بنهاية التاريخ ، اذ ليس هنالك تاريخ معلوم أو غير معلوم من دون صراع ، ونهاية الحرب الباردة في نوفمبر 1989م ، ليست نهاية التاريخ وانما هي مرحلة جديدة في استمرار الصراع على مستوى العالم . فالنزعة التي تربط الجماعات الانسانية بعضها ببعض والأفراد بالجماعة ، تولدت في الصراع التاريخي ، وسوف يكون من الصعب تفسير ظهور الجماعات غير المحلية واجتماعها في عشائر وقبائل وانصياعها لروح الجماعة من دون وجود صراع ، ولكن القول إن التاريخ والصراع صنوان ، لايعفي أحدا من ضرورة رصد مسيرة المجتمعات الانسانية عبر الصراع التاريخي ، فقد حدث الكثير من التغيير والتحولات على أحوال البشر وتجمعاتهم ، ومع ضخامة هذه التغيرات والتحولات ، فان الأوضاع الأساسية لأنظمة الحكم وفي ميدان السياسة لم تتغير كثيرا فالديموقراطية هي الظاهرة الشاذة والاستبداد يتجدد ويثمر أنواعا من التسلط. ويعنى الكتاب على وجه الخصوص بمحاولة تحديد موقع المجتمع العربي في السياق التاريخي ، وموقعه من الحضارات المتصارعة المحيطة به ، انه يدعو الى طرح الأسئلة الأهم حول أوضاع المجتمع العربي ، ماضيه ومستقبله ، كما يسعى الى الكشف عن مصادر الصراع بين قوى المجتمع الذاتية واشتباك مصالحها مع المجتمعات والجماعات الأخرى المحيطة به أو المتصارعة معه ، وعن البناء الاساسي للمجتمع العربي وطبقاته الاجتماعية، والقيم والمعايير التي تحكم عملية التنشئة الاجتماعية فيه* وكيف يعاد انتاج واقعه من خلال النظم التربوية ، وكيف يتصور المثقفون العرب ثقافة مجتمعاتهم عندما تنحسر الايديولوجية في عصر العولمة.
وقد فصل المؤلف قضية الكتاب في ثلاثة أقسام تشتمل على عدة فصول جاءت على النحو التالي :
القسم الأول : يستعرض أنواع الصراع الطبقي عبر المراحل التاريخية الرئيسية، مع محاولة تبيان أن الصراعات ) الطبقية ( تغذي الصراع السياسي على الحكم ، يدعم ذلك أمثلة على الطريقة التي فيها تصورات الهوية )الأنا( والاختلاف )الآخر( ، والكيفية التي يغذي فيها الصراع نفسه عبر التاريخ ، كما يرصد بعض معالم الصراع التاريخي التي مرت على المجتمع العربي ، وتأثيرها على بنائه ، وكيف تظهر تراتبية التحكم والضبط الاجتماعي بحسب محددات البيئة والسياسة.
القسم الثاني : يوضح كيف أن للصراع أنواعا مستترة يعبر عنها رمزيا كما تنعكس على مستوى الفكر والتنظير ، كما يوضح أن التصورات الطوباوية ليست مجرد تأملات ، وانما هي ايديولوجيا تدعو الى العمل من أجل تحقيق مشروع معين ، ثم يتناول تأثيرات الصراع الاجتماعي في تحولات قيم الافراد ، والاشكالات التربوية التي تخلقها التحولات الثقافية.
القسم الثالث : يعود لرصد لمسيرة المجتمع العربي في الصراع التاريخي ، على المستوى السياسي والثقافي ، عبر متابعة تكيف الجماعات مع الصراع تكيفا لاتختفي معه الأشكال التقليدية من العلاقات وانما تتكيف مع المستجدات الاجتماعية والاقتصادية، كما يقدم أمثلة على استمرار هذا الصراع ومصادره ، ثم يعنى بتتبع مسيرة المثقفين العرب في تعاملهم مع المجتمع العربي ، وفي هذا القسم من الكتاب يخصص المؤلف فصلين كاملين لرفض اطروحة «فوكوياما» في نهاية التاريخ . والجدير بالذكر ان فصول هذا الكتاب ظهرت متفرقة في عدد من الدوريات ، كما القي بعضها في مؤتمرات ومواسم ثقافية، والبعض الآخر ظهر كجزء من مؤلفات أخرى .
|
|
|
|
|