أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd April,2001 العدد:10433الطبعةالاولـي الأحد 28 ,محرم 1422

مقـالات

شدو
في سوسيولوجيا المألوف والمبتذل!
د. فارس محمد الغزي
أيهما يا تُرى أكثر صمتا من الآخر.. أو بالأحرى، أيهما أكثر كلاما: الرجل أم المرأة..؟ وما هو سر استحواذ الرجل على النصيب الأكبر من الكلام قياسا على حظ )النَزْر اليسير( منه للمرأة؟ بعبارة أخرى، لماذا تمتد شاسعة مساحات النطق أمام الرجل وتتقلص وتنكمش أمام المرأة الى الدرجة التي يصبح صمت الرجل - حين يصمت! - )نفيا قاطعا( بينما يتجلى صمت المرأة متوشحا قشيب الوشاح وشاح الرضا بل غايته ومنتهى إيجابيته، وعلى غرار القول :« صمْت الرجال انكار وصمْت النساء اقرار؟!». بل من هو صاحب اليد الطولى قدرة وسطوة على )تَسْكِيت( نظيره: الزوج أم الزوجة )دعوا عنكم ما يشذ عن القاعدة!(، الكبير أم الصغير، المدرس أم الطالب، الرئيس أم المرؤوس..؟
إن النطق - بوصفه نسقا خطابيا - ليس متاحا لكل من هب ودب، رغم أنف الشائع والمألوف من الاعتقادات الخاطئة تجاه عفوية الكلام وتلقائيته وتحرره من القيود والحواجز والإكراه، حيث إن النطق على عواهنه )كلبشات!( وصمٍ ونصالِ تأطير وقنا قولبة وأسنّة عقوباتٍ الحسِّي منها - رغم ألمه - أقل إيلاما من المعنوي، فلا غرو ان تغمر المياه أفواه الناطقين عبر التاريخ - ومع ذلك - تصر ألسنة الحال على الجلجلة في أجواء الإلجام صمتا ناطقا وسكونا عاصفا، ولِمَ لا؟ أَولَيس «السكوت أخو الرضا» .. ؟ والإلجام إفهاما.. ما الفرق؟ .. لا فرق!
إن المجتمعات )تجتمع( فتقنن وتسيطر: فمن خلال )مكنة!( المجتمع العملاقة )الثقافة ( تُقَسَّم أدوار الكلام وتُوزَّع كميات ونوعيات النطق على الأفراد حسب صفاتهم وسماتهم وأنواعهم وأجناسهم وحظوظهم وأعمارهم. بعبارة أخرى.. يوزع هذا المجتمع )خِياش!( الكلام من خلال توزيعه لمصادر القوة، وهذا هو ما يفسر الطلسم التاريخي المتمثل في تواتر ظاهرة اضطلاع القوي بحق صياغة ما يتطلبه الموقف - أي موقف - سواء أكان موقف نطق أو موقف صمت ناطق!، بل هذا هوما يفسر تناقض الأمثال حسب )مزاج( القوي القادر على التحوير حسب ما يلوح في أفقه من معايير ربح أو خسارة: «فالسكوت من ذهب» طالما كانت النتيجة ذهبية، وإلا فسرعان ما تدور الدوائر على مثَلِنا هذا ليخر صريعا معنى ومبنى على يد نقيضه: «ان يكن الصمت من ذهب فما أغنى الخرسان»، أو كما قال ميخائيل نعيمة.
ينبئنا تراثنا التليد ان العرب أمة ناطقة - الى حد الصخب - وذلك لأسباب بيئية / أيكلوجية في الغالب، حيث لم يكن هناك للصمت أي حوافز في قفارِ ظمأ تسوطها سياط البوارح، بيد ان الصمت بدأ فيما بعد يحتل مكانا ويكتسب أهمية وذلك حين أضحى وسيلة نجاة وسلامة ومع هذا فلم يتردد العربي )الناطق( فطرة من أن يبادر مُحدِّثه - حين ذكر له أن «الصمت مفتاح السلامة» - بالقول: «ولكنه قُفْل الفهم»، وهو في هذا على حق، فالجاحظ، في البيان والتبيين، يذكر ما نصه :«..وإنما حثوا على الصمت لأن العامة الى معرفة خطأ القول أسرع منهم الى معرفة خطأ الصمت»..، ولهذا كذلك تقول العرب )طول الصمت يفسد البيان.. وطول الصمت حُبْسه(. .. السؤال تداعيات!: ما السر في عدم إنطفاء جذوة جدلية )الكلام والصمت( في الثقافة العربية تاريخيا، وأي من البيتين التاليين )أصحُّ!( كمرجعية سلوكية )مضمونة النتائج؟!(:
يقول )ساكت!(:


الصمت غُنْم لأقوام ومسترة
والقول في بعضه التضليل والفَنَدُ
ويقول )ناطق!(:
وفي الصمت ستر للغبي وإنما
صحيفة لب المرء أن يتكلما!

ص.ب: 454 رمز 11351 الرياض.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved