أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 22nd April,2001 العدد:10433الطبعةالاولـي الأحد 28 ,محرم 1422

مقـالات

جهلنا بالأنظمة.. كيف نداويه..؟
حماد بن حامد السالمى
قرأت في جريدة )الاقتصادية( عدد يوم الاثنين الموافق للسادس والعشرين من شهر مارس الفارط، خبراً تناول حكم )ديوان المظالم( في المملكة العربية السعودية، الذي ابطل قرار فصل موظف في جوازات مطار نجران، هذا القرار اصدره مدير عام الجوازات هناك؛ على خلفية تهمة تمرير وافدين ببطاقات سعودية مزورة. وجاء في حكم )ديوان المظالم(؛ ان قرار الفصل تم اتخاذه من جهة غير مخولة بقرارات إنهاء الخدمة. اي ان هناك جهات أعلى هي المخولة في الفصل وليس مدير عام الجوازات. وهذا حق.
** هذه حالة واحدة من حالات كثيرة تقع داخل دوائر ومؤسسات وشركات وغيرها؛ ومن ضحاياها في العادة؛ افراد مرءوسين ينقصهم الوعي والمعرفة والعلم بما لهم من حقوق ليس بالضرورة مادية فحسب، وما عليهم من واجبات ليس منها السمع والطاعة فيما يخالف الانظمة والقوانين والقواعد التي تحكم العلاقة بين الرئيس ومرءوسيه، وكم شهدنا من اشكالات وقعت بسبب هذه العتمة التي تغيب المعرفة الحقيقية بالمسافة بين ما هو لك وما هو عليك، ورأينا كيف يتعرض عشرات الموظفين في بنك او شركة لعقوبات صارمة من )الرئيس المباشر( وهو غالبا غير مخول نظاما منها الاستغناء عن خدماتهم، لان الرئيس المباشر هذا ارتأى ذلك إما جهلا بالنظام الذي يعمل هو في اطاره؛ او تعمدا منه وفق اهواء خاصة ومزاج غير معتدل بكل تأكيد. ومر بنا كيف يتحول المصير الوظيفي والعملي لموظف ما في يوم وليلة الى هم وقلق وحيرة لان بعض المديرين يعرفون جيدا جهل مرءوسيهم وضعفهم في هذه المسألة بالذات، ولو ادركوا للحظة واحدة؛ ان موظفيهم سوف لن يتساهلوا في تجاوزاتهم؛ لما اقدموا على ايذائهم بهذه الصورة المخلة بنصوص النظام.
ولو اردنا استقصاء الامثلة على حالة الجهل بالنظام من طرف؛ واستغلال المعرفة به من طرف آخر؛ لطال بنا الحديث؛ فهناك طلاب وطالبات لهم مكافآت رمزية من جامعات وكليات؛ ولكن ايدي كثيرة تمتد اليها بحجج اكثر بدون وجه حق البتة. ومعلمون في بعض المناطق؛ عانوا ويعانون من هذه الايدي الطويلة؛ بسيف الحياء مرة، وبالاكراه مرات.. وبدون سند نظامي او تعليمات واضحة مفهومة. وغير ذلك كثير.
** وهي حالة ايضا؛ تحمل دلالات ومؤشرات مهمة، منها ما يتعلق بموقف )ديوان المظالم( الذي انحاز بالضرورة الى جانب الحق، في قضية مست موظف له حقوق وعليه واجبات، وكثير من الناس يتعرض لمثل ما تعرض له هذا الموظف، وتهضم حقوقه من جهة او اطراف؛ لا يخولها النظام فعل ما فعلت، لكنه يسكت ويرضى ويرضخ لواقع ليس مجبرا على قبوله في حالة واحدة؛ لو كان على علم ووعي ومعرفة حقيقية بالروابط التنظيمية التي تحكم علاقته برؤسائه وبالجهة التي ينتمي اليها.
** لكن اين هي هذه المعرفة؛ وهذا العلم وهذا الوعي..؟
** وبالمناسبة؛ فاني اود ان اسجل اعجابي بأحكام كثيرة تصدر عن )ديوان المظالم(، فيها جدية وحزم وإحقاق للحق، فأحيي هذا الديوان الذي بت في قضايا عديدة تابعتها قبل هذه، كان المتظلمون فيها افرادا او هيئات او شركات او مؤسسات، ضد مؤسسات حكومية، فلم يقف الديوان مع جهات تمثل الدولة لانها تمثل الدولة؛ بل وقف مع الحق وانصف المظلوم من ظالميه. وهذا هو العدل الذي نريده، خاصة عندما تتغلق كل السبل في الانتصار للحقيقة.
** ومن هذه الدلالات والمؤشرات؛ ما يحدث من خلط بين الصالح العام والصالح الخاص، وتلك النزغات والنزعات والعواطف في العلاقات العملية، مجالات العمل التي يرتبط بها كثير من الناس؛ وتحكمها انظمة ولوائح ادارية وحقوقية لكن الجهل بهذه الانظمة واللوائح من قبل معظم الناس؛ يوقع الكل في اشكالات ونزاعات؛ تصغر او تكبر بحسب حجم القضية، وقد تصل الى المحاكم والشرط وغيرها، وتشغل جهات عدة، وتستنزف الوقت والجهد، وقد يكون لها ضحايا من الذين يفقدون وظائفهم او حقوقهم، او يُنال من اعتباراتهم الشخصية.. والسبب كما اسلفنا؛ يتمثل في جهل الاطراف بتلك الانظمة واللوائح، التي تحكم شكل العلاقات بينهم؛ وتحدد الحقوق والواجبات بين هذا الطرف وذاك.. ومثل هذه الانظمة والقواعد وجدت لتنظيم العلاقات العملية بين عناصر تعمل في جهاز واحد، ولكل عنصر مهام ومسؤوليات محددة لا يتعداها. وان عُلم بعض هذه الانظمة من بعض الناس؛ الا ان ما يطرأ عليها بين وقت وآخر من تحديثات وتجديدات وتعديلات لا يكون معلوما بكله عند الكل.. هذا ان حرصوا على قراءة التعاميم المتتالية والمتعاقبة في المسألة الواحدة في العام الواحد. فكيف ومعظم الناس راغب عن مثل هذا..؟!
** ألا ما اكثر المظالم التي ترتكب بسبب جهل الظالم والمظلوم معا، وما اكثر الحقوق التي تنتهك وتضيع سدىً؛ بسبب جهل المظلوم وعجزه؛ أو بسبب شطط الظالم وتعسفه. وفي الحياة العامة؛ نرى ونسمع العجب العجاب؛ مما يوجب النظر في ضرورة اعلام الموظف مسبقا بنصوص الانظمة واللوائح التي تحكم علاقته برؤسائه وبزملائه، وبما هو مطلوب منه من واجبات عملية يؤديها مقابل الاجر الذي يتقاضاه، وما يترتب له من حقوق مالية ومعنوية واعتبارية، وما يصح وما لا يصح في محيطه، وما يستجد في ذلك بشكل مستمر.
** بل ارى انه من المهم هنا ان يكون بين الموظف والجهة التي يعمل من خلالها؛ عقد عمل مبرم مثلما هو معمول به في المؤسسات الخاصة، وان يكون هذا العقد؛ وثيقة رسمية بيد كافة الموظفين، وان تدخل نصوص هذه العقود ومضامينها وما يطرأ ويستجد في شأنها؛ في الدورات الدراسية والتدريبية التي تعقد لتطوير اداء الموظفين ورفع مستواهم العملي، لأن الموظف الذي يجهل النصوص النظامية التي تربطه بعمله وبرؤسائه؛ لا تنفع معه دورات التثقيف والصقل والتطوير. فمثل هذا الانسان؛ الذي يجهل النصوص النظامية التي تكفل حقوقه في العمل؛ هو اكثر جهلا بما يوجبه عليه النظام في هذا العمل الذي يديره.
** واعتقد انه من حق كافة الناس؛ وخاصة الموظفين منهم؛ سواء في القطاع العام او الخاص؛ ان يحصلوا على نصوص انظمة ولوائح التوظيف والتشغيل من مراكز بيع الكتب والصحف والمجلات في الاسواق العامة، توفر لهم بأسعار رمزية مطبوعة معروضة، فيشترونها ويقرءونها؛ ويحتفظون بها في مكاتبهم وفي دورهم، ومثل هذا ليس صعبا على وزارة المالية؛ بل هو مشروع حيوي مفيد، ويحقق مكاسب مادية جيدة بصفة مستمرة، الى جانب تحقيق مطلب الوعي لدى الموظفين والموظفات وكافة الناس، بكافة النظم والقواعد الحقوقية والادارية التي تعنيهم في حياتهم العملية والوظيفية، تلك التي لا غنى لاحد منهم عن الالمام بلوائحها ونصوصها كبر ام صغر.
** إن في تعميم المعرفة بالنظم والقواعد العملية والوظيفية؛ فوائد كثيرة جمة، تعود على كافة الناس بالنفع، وتحقق الاطمئنان والاستقرار للدوائر والمؤسسات والمجتمع، وتضع حدا لكافة التجاوزات التي هي ام الفساد الاداري والمالي والاخلاقي ايضا. فهل نعمل جادين على مداواة جهلنا بالنظم الادارية والحقوقية باشاعة المعرفة والوعي بنصوصها؛ وما يترتب على الاخلال بها او ببعضها من تجاوزات وتعديات مضرة بكافة الاطراف..؟
** قالوا قديما: )لو أنصف الناس؛ لاستراح القاضي( وأقول هنا: )لو عممنا المعرفة بالنظم الادارية والحقوقية؛ لاسترحنا جميعا وارحنا القاضي(..!!
assahm2001@maktoob.com
fax 027361552

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved